هشام عبده يصدر رواية «الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن»
عرار:
عمّان قد يوحي العنوان الطويل لرواية «الوقائع العجيبة في زيارة شمشوم الأولى لمانهاتن» بأنه مشتق من أنماط العنونة التراثية في كتب الأدب والتاريخ العربي، لكنه ليس كذلك، فعنوان الرواية الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» للكاتب هشام عبده مستعار من كلمة السر لعملية قصف نووي جهنمي كان يمكن أن يوقع حربا عالمية ثالثة في الشرق الأوسط تهدد بإبادة العالم. ومع أن وقائع الرواية بحسب الكاتب متخيلة إلا أن ذلك لا ينفي واقعيتها وإمكانية وقوع مثل هذا الفعل الكارثي الذي يمكن أن تقوم به «إسرائيل» التي أطلق عليها الروائي اسم دولة التنوئيل ووصفها بأنها دولة شرق أوسطية تقع على الساحل المتوسط. وتتلخص الرواية في وقوع جريمة قتل في بركة سباحة لأكاديمي مسن، يُدرّس مادة الحاسوب، كان يرفض قرار الدولة في عمل بطاقة بيومتريَّة لمواطني البلد لاعتقاده أنها يمكن أن تشكل تهديدا أمنيا للناس. وفي محاولة إثبات مقدرته على اختراق موقع وزارة الدفاع الإلكتروني يكتشف سرا خطيرا يتلخص في عملية شمشوم التي يقررها رئيس البلاد المتدين (تينيت) لقصف مفاعل تيران الإيراني في إيران. ويحتفظ بوقائع الخطة ويسلمها قبل مقتله لإحدى طالباته (تمار) التي بدورها تسلمها لصديقة عربية من القدس وتسافر (هدير) في رحلة شاقة لتسليم السر إلى هيئة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في النمسا بعد تعرضها لمحاولة اغتيال هناك. وتصل الفتاة العربية هدير إلى العاصمة النمساوية فيينا وتلتقي مع إستير ابنة الأكاديمي بيكهام المقتول لتسلم السر لرئيس وكالة الطاقة النووية الألماني غيتشر الذي يقوم باتصالاته العالمية لإبطال العملية وإنقاذ العالم. تقع الرواية بين الخيال والواقعية والرمزية والبوليسية والتجسس التي تشد القارئ منذ سطورها الأولى، فالرواية تتلمس تعقيدات الروائية أجاثا كريستي وتمويهاتها وألغاز دان براون وشيفراته، بل تتقاطع في وقائعها سيرة بطل رواية «شيفرة دافنشي» العالِمْ الذي قُتل من قبل قوى غامضة بعد اكتشاف سرهم، وساهمت ابنته في فضح مخططاتهم التي حالت دون سيطرة تلك القوى الشريرة على العالم. ويقول الروائي الذي يقطن في مدينة حيفا على ساحل البحر المتوسط أنه اعتمد على تقارير وجدها في ملفات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويعيد سردها بطريقة روائية لأحداث لا تتجاوز في زمنها الثلاثة أشهر التي كادت أن تهز العالم. ولا تخلو الرواية التي تقع في 278 صفحة من القطع الوسط من رمزية تكشف عن الخطر الذي يمكن أن يقع للعالم بوجود رئيس مجنون ومتطرف مثل تينيت في تلك الدولة ويلجأ لقرار كارثي مثل ذلك لتطبيق مقولة أسطورية يستمدها من الماضي حول قوة شمشوم، ولكن الرواية في الوقت تكشف عن تحالف الخير بين ابنة العالم بيكهام إستير وتمار وهدير لإفشال مخططات (دولة التنوئيل). والرواية تصلح لأن تكون فيلما سينمائيا بالنظر لتطورها الدرامي وغرائبيتها وثراء أحداثها ووقائعها وتعدد الأمكنة وجاذبية الحكاية وتشويقها التي يذهب فيها الروائي لإسدال الستار على وقائعها بتفاوت واع لسيرورة التاريخ. والسؤال هل يمكن اعتبار الرواية نوعا من السرد البوليسي الجاسوسي، أم تنتمي لرواية المقاومة، فالكاتب الذي يقيم تحت سلطة الاحتلال في حيفا العربية يناقش خلال الرواية الكثير من الأفكار التي تتصل بالتطرف، ويعاين مرجعياتها في التوراة التي استغلت سياسيا، ويقارب بين العديد من الموضوعات المثيولوجية التي تتصل بالأساطير التي تدخل الناس في أتون التراجيديات الإغريقية وانعكاسها على الصراع العربي الإسرائيلي. ويناقش الكاتب خلال ذلك العديد من القضايا التي تتصل بالهوية والوجود والموت، فضلا عن جملة من القضايا التي تتصل بالإيمان والعلمانية، وتندى الرواية عن ثقافة عميقة ووعي عال لدى الروائي لا يتبدى من خلال قراءاته الروائية ومعرفته التي تتفرع بين علم الحاسوب وعلم الجريمة والتاريخ والجغرافيا والأبعاد النفسية لشخوص الرواية وحسب، وإنما أيضا في قراءته للتاريخ ووعيه بتحولاته ومساراته وإيمانه أن العالم محكوم بالوعي الذي ينتصر في نهايته للسلام والخير. ومن مناخات الرواية: « تذكر تينيت (رئيس دولة التنوئيل) أنه كان هناك تخطيط عسكري دقيق ومؤكد في حرب أكتوبر (حرب رمضان 1973)، كانت تداولته حكومة التنوئيل (كانت رئيسة وزراء اسرائيل وقتذاك غولدا مائير) آنذاك بجدية قصوى في جلساتها عند انكسار الجيش المقلق في المضائق والقناة بقرار تفجير قنبلة ذرية كبيرة أولى في أعلى جبل في صحراء المينا التي تحد دولته جنوبا بمثابة تفجير نووي تحذيري وإنذاري أولي». الرواية تشكل نوعا من أدب المقاومة التي يمكن أن يلجأ لها الكاتب في فلسطين المحتلة عبر وعي مسارات التاريخ مستفيدا من الأساليب السردية الرمزية في إطارها البوليسي والجاسوسي والإنساني لتوقع الكارثية التي تنطوي عليها أفكار كيان «دولة إسرائيل» ومحاولاتها للسيطرة على المنطقة بفرض قوتها التي يمكن أن تدمر العالم إذا ما وصلت إلى مقولة شمشوم «علي وعلى أعدائي».