عرار:

عمان- صدر بدعم من وزارة الثقافة كتاب بعنوان “الطفيلة- التاريخ والمعالم الأثرية”، للمؤلف ميراج الخصبة، والذي يضم العديد من الصور للآثار الموجودة في محافظة الطفيلة.
وجاء الكتاب في ستة فصول، حيث يتناول الفصل الأول: موقع الطفيلة وتضاريسها المناخية، واسمها ومدلولها، فيما يتناول الفصل الثاني الحضارات، ومفهوم الحضارة، وشروط ظهور الحضارة، ودوافعها وأسباب اندثارها، والحضارات التي تعاقبت على الطفيلة.
ويتحدث الفصل الثالث عن: أهم المواقع الأثرية في الطفيلة مثل: قلعة الطفيلة، وقلعة الحسا، وآثار بصيرا، والخراب الموجودة في الطفيلة وهي “غرندل، السراب، الحارث، السلع، الحنانة، الرشادية، الذريح، التنور، الدبهاء، الفريدس، البيضاء، التوانة، الكولا، النصرانية، الصيد، الدير، الناطوف، ابن هداية، الفطاط، الباشا، الطولانية، مغاميس، علاقة، فريج، الشريعة ونقد”، وقصر رمسيس، الدير، الطريق الروماني، قصر كريم بن علي، قصر قرقور، رجم الثلثيوم، ومقام الحارث بن عمير الأزدي.
بينما يتناول الفصل الرابع أهمية الآثار وعوامل اندثارها، وكيفية المحافظة عليها وتطويرها، والمشاكل التي يعاني منها قطاع الآثار في محافظة الطفيلة، بينما يتحدث الفصل الخامس عن الفسيفساء، وما هو فن الفسيفساء وتاريخيه وأنواعه، ويتناول الفصل السادس التوعية الأثرية في مديرية آثار الطفيلة.
في مقدمة الكتاب يعرف المؤلف الخصبة بمحافظة الطفيلة قائلا، “تعد الطفيلة من أقدم المناطق المأهولة بالسكان فهي تمتلك مقومات متعددة للاستيطان البشري في العصور القديمة من حيث أهمية موقعها وخصوبة تربتها وتوفر المياه وخامات المعادن فيها ووعورة المكان حولها ما جعلها جاذبة للحضارة والثقافة البشرية ومكان استيطان دائم عبر الحقب التاريخية المختلفة بدءا من العصر الحجري القديم وانتهاء بالفترة العثمانية دون انقطاع”.
ومدينة الطفيلة في موقعها الحالي بنيت على البقعة التي كانت تقوم عليها مدينة “توفل” الادومية، وبهذا تكون أخذت اسمها من تداعيات الاسم الادومي القديم لها، أما طفيل، وهي كلمة من جذر آرامي يرتبط مدلولها بالطين الصلصالي، فقد كانت من أهم المدن القديمة في صناعة الخزف والفخار، وخاصة أنها وجدت فيها أفران كثيرة لهذا الغرض تعود في غالبيتها إلى الفترة النبطية حيث كانت الطفيلة جزء من تلك الحضارة بكل تجليات إبداعاتها وفنونها.
وتأثرت الطفيلة بتداول الحضارات عليها وانعكس ذلك على تعدد أسمائها، فأطلق عليها في العصر الروماني “دي تيفوس”، وتعني أم الكروم، وعرفت في الفترة البيزنطية بـ”روات”، ولكن سحر الاسم الادومي القديم “توفل” بقى في أذهان سكانيها محافظين عليه إلى أن حوروه إلى اسمها الحالي “الطفيلة”، والتي ذكرها ياقوت الحموي في معجمه بقولة (طفيل، تصغير طفل، وبوادي موسى قرب بيت المقدس قلعة يقال لها طفيل..). وتشير الدراسات الأثرية إلى الإنسان القديم سكنها منذ أكثر من تسعين “90” ألف سنة، ومضت في عين دفلا في منطقة العالية شرق الطفيلة، وهناك مواقع عديدة تنتشر على أطراف وادي الحسا وأودية ضانا وتعود إلى حقب مختلفة من العصور الحجرية القديمة أهمها طور الطريق، عين البحيرة.
وخلال مرحلة الاستقرار والإنتاج في العصر الحجري الحديث ظهرت مستوطنات مهمة تم الكشف عن بعض معالمها في خربة الحمام في منطقة البربيطة وخربة الحمة على الضفة الشمالية لسد التنور، وتعد الطفيلة الموطن الرئيس لشجر العرعر الفنيقي في بلاد الشام، والذي تصل أعمار أشجاره إلى “700” سنة في منطقتي لحظة وضانا.
وتأسست في الطفيلة عاصمة الحضارة الأدومية (بصيرا)، في العصر الحديدي، والأدوميون شعوب سامية هاجروا من اليمن وشبه الجزيرة العربية وأقاموا دولتهم في جنوب الأردن وامتدت من وادي الحسا شمالا وحتى خليج العقبة جنوبا واهتموا بالزراعة والصناعة وباستغلال خامات النحاس الموجودة عروقه المعدنية في خصور أودية ضانا وفينان، وهناك عشرات المواقع التي تعود إلى الفترة الادومية وتنتشر على امتداد المحافظة أهمها على طريق بصيرا.
وازدهرت الطفيلة في الفترة النبطية وأظهرت التنقيبات الأثرية مواقع مهمة تعود لتلك الفترة مثل خربة التنور، خربة الذريح، توانه، قلعة السلع، وغيرها من المواقع والطرق والمسالك النبطية التي كانت تربط الطفيلة بجوارها والتي امتهن فيها الأنباط الزراعة وإنتاج الزيتون وزيت السمسم ودبس العنب والتين المجفف وبخاصة في وادي اللعبان والمناطق المحيطة بعفرا.
وبعد الأنباط دخلت الطفيلة في عهد الرومان بعد أن تنازعتها الصراعات بين قضاعة والغساسنة في سبيل حكمها إلى أن دانت في النهاية إلى الغساسنة الذين أثبتوا ولائهم للرومان وأسسوا لهم مدن فيها أهمها (روات، غرندل، الجنين، السلع، المعطن، وإرحاب)، ومن ثم اعتنقوا المسيحية وصار موقع النصرانية بالقرب من بصيرا عاصمة لهم في الفترة البيزنطية، وكشفت التنقيبات الأثرية في تلك المواقع عن كنائس بيزنطية ترجع إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين.
وعندما دخل الدين الإسلامي بعد معركتي مؤتة واليرموك وأثناء امتداده في المنطقة كان أول ولائهم لهذا الدين الجديد أن قدموا أول شهيد في الإسلام خارج الجزيرة العربية، حيث صلب الروم فروة بن عمرة الجذامي بالقرب من حمامات عفرا، وما يزال ضريح الشهيد الحارث بن عمير الأزدي مقاما ماثلا فيها بالقرب من بصيرا، وبلغت خربة الذريح والحرير وعلاقة أوج ازدهارها في الفترتين الأموية والعباسية، وتعرضت الطفيلة للغزو الصليبي وتحررت في أعقاب معركة حطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي في العام 1187م.
وشهدت الطفيلة في الفترة المملوكية إعمار في معظم المواقع القديمة وجرى توسيع ملحوظ فيها، وفي الفترة العثمانية بنيت الحصون والمراكز الإدارية والقلاع مثل قلعة الحسا وقلعة الطفيلة، ويشهد التاريخ الحديث للطفيلة ببيارق الثورة العربية الكبرى التي انطلقت لمواجهة ظلم الأتراك وتآزر أهل الطفيلة وتوافدوا من كل أرجاءها واستبسلوا في معركتهم الشهيرة التي دشنها التاريخ وكان لها بالغ الأثر في طرد الأتراك من المنطقة العربية.
ويبين المؤلف في تقديم الكتاب أن الهدف من جمع هذه المعلومات عن الطفيلة هو تسليط الضوء على المحافظة من حيث التاريخ الحضاري لها وكذلك التعريف بالمواقع الأثرية فيها والحديث عنها بشيء من التفصيل، مبينا أنه عندما كان يلقي محاضرات للتعريف بأهم المواقع الأثرية في محافظة الطفيلة وكيفية الحفاظ عليها، “كنت أتفاجأ بعدم معرفة بعض الحضور بالمواقع الأثرية، وكان هناك خلط بين الآثار والتراث، والجهل بالحضارات التي نشأت على أرض الطفيلة والعصور التاريخية”، تعتبر محافظة الطفيلة من أكثر محافظات المملكة من حيث التنوع الحضاري على أرضها بدءا من العصر الحجري القديم وانتهاء بالفترة العثمانية دون انقطاع.