«خطاب التخييل الذاتي في الرواية العربية».. كتاب جديد للدكتور سلطان الزغول
عرار:
نضال برقان
عن دار (الآن ناشرون وموزعون) في عمان صدر حديثا كتاب جديد للناقد والشاعر الدكتور سلطان الزغول بعنوان «خطاب التخييل الذاتي في الرواية العربية»، وقد تزيّن غلاف الكتاب بلوحة للفنان الألماني الراحل بول كلي Paul Klee. يقول الزغول في كلمة الغلاف، التي تقدم مفتاحا أساسيا للدخول إلى عالم الكتاب: «ظلت الرواية تهرب من الأسس والمواصفات الثابتة، ظلت تتجاوز نفسها وتنفتح على آفاق جديدة، كما ظلت تنفتح على أشكال التعبير الفنية المتعددة عبر العصور، فتنهل من الملحمة والشعر والمسرح والموسيقى والتشكيل، ثم من السينما، تماما كما تنهل من نبع الحياة المتدفق دون قيود، ابتداء من الأسطورة الموغلة في القدم، وليس انتهاء بوسائل التواصل الاجتماعي في القرن الحادي والعشرين». ثم يضيف معرّفا بالتخييل الذاتي: هو نهج خاص اتّخذه السرد الروائي في إطار الرواية الجديدة، حيث تذوب ذات الكاتب في السرد، ولا يرى القارئ إلا رابطا مربكا بينها وبين الشخصية الروائية، فلا يتخيل الكاتب الأحداث حسب، بل الاستيهامات والنماذج وفق شكل يخون الحكاية الواقعية. أما التماسك في الشخصية المرجعية، فإن الكاتب يكسّره ويبعثره حتى لا يبقى منه إلا الظلال. يبدأ الزغول هذا الكتاب بتوضيح أطروحته المنهجية في الدراسة، وهي أطروحة المقاصد والتأويل التي تنفتح على المقصدية والتأويلية، وتفتح ذراعيها لعالم مبدع النصّ بكل ما فيه من تعدّد. فهي لا تنغلق على بناء النصّ الجمالي، وإن كان زادها الأول، بل تفتح أبوابه على ما يحيط به من عوالم، سواء أكانت متعلقة بصاحبه، أم بالمجتمع الذي أنشأ فيه، أم بتاريخه ضمن إطار جنسه أو الأجناس الفنية الأخرى، مع التركيز على تناصّاته التي تجعل منه جزءا لا يتجزّأ من ذاكرة العالم الصاخبة والغنيّة. ثم يقدم تمهيدا لكتابه، دراسته، بعنوان «الرواية والإنسان والعالم» وفيه إطلالة على عالم الرواية الصاخب المتجدد والمتغيّر، وعلى الرواية العربية منذ أن كانت تقليدية تابعة، مرورا بمرحلة نضوجها المتمثلة بالرواية الحديثة، وحتى ظهور الرواية الجديدة التي تعمد إلى مراوغة قارئها الذي يتوه خلال تشظياتها الزمانية والمكانية، وتتابعها عبر أحلام اليقظة المستمرة. ويؤكد الزغول أنّ الروائي الأردني الراحل غالب هلسا كان أبرز روّاد الرواية العربية الجديدة، إن لم يكن يمتلك حق ريادتها، نظرا للتاريخ الذي خطّ فيه روايته الأولى، رواية الضحك، عام 1966، واستمراره يضيف ويجدد عبر مدوّنته الروائية الغنية والضخمة. في الفصل الأول الذي جاء بعنوان «مدونة غالب هلسا والتخييل الذاتي» يبدأ الكاتب بالتركيز على مفهوم التخييل الذاتي وعلاقته بالرواية والسيرة الذاتية، ثم يوضح وجهة نظره في المفهوم، قبل أن يربط مفهوم التخييل الذاتي بنهج غالب هلسا في بناء الرواية، وهو الذي أصدر روايته الأولى قبل أن يُنحت المفهوم ويُعرف في أوروبا بسنين طويلة. ثم يجول الزغول في الفصل الثاني عبر عالم غالب هلسا الروائي، متسلّحا بأطروحة المقاصد والتأويل، مستكشفا علاقة هذا العالم الغنيّ والصاخب بالتخييل الذاتي. حيث يقدم قراءة بانورامية مطولة لروايات هلسا، يؤكّد من خلالها أنّ التخييل الذاتي هو مفتاح دخول عالم هلسا الروائي، وهو الكاتب الذي يقدم عبر مدونته الروائية. في الفصل الثالث والأخير وعنوانه «رواية الضحك: الفسيفساء الروائية» يقدم الزغول قراءة مركّزة على رواية الضحك، الرواية الأولى لغالب هلسا، وهي التي يسميها «الرواية المرآة، التي يمكن أن ترى فيها الرواية العربية الجديدة نفسها في أوضح صورة». متمعّنا في انفتاح هذه الرواية على الأشكال التعبيرية المتنوعة التي جعلتها تتماهى مع فن الفسيفساء، ومدى مساهمة هذه الأشكال في بناء المعمار الروائي في إطار التخييل الذاتي، دون أن يغفل عن المضمون الفكري ورسالة الخطاب الثقافي في الرواية. يذكر أن سلطان الزغول شاعر وناقد أردني يحمل درجة الدكتوراه في الأدب والنقد، وقد أصدر ثلاث مجموعات شعرية آخرها «حضن الأفول» عام 2019، كما أصدر عددا من الدراسات النقدية، منها: «فضاء التشكيل وشعرية الرؤى: قراءات في قصة إلياس فركوح القصيرة» عام 2010، و»البنية الفكرية في القصيدة» عام 2016، و»بهاء السرد» عام 2018، و»سؤال المرجعيات في الشعر الأردني» عام 2019. كما نال كتابه «القصيدة العربية الحديثة وتعدد المرجعيات» الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية عام 2015 جائزة الدكتور سامح الرواشدة للدراسات النقدية.