عرار:

عمان – عن المؤسسة العربية للدرسات والنشر، بيروت، صدر كتاب بعنوان “وعاد مستشهدا.. البقاء للمقاومة فلسطين” للكاتب اللبناني زهير ماجد.
في كلمة له على غلاف الكتاب، يقول ماجد “إن هذا الكتاب لا يحكي سيرة الرئيس عرفات، بل هو عملية مزج بين الفعل العرفاتي برمزيته والقضية الأم ووقائع الشعب الفلسطيني، إضافة إلى مسيرة النشيد الفلسطيني الذي بدأت به إذاعة “فتح” التي بدأت بثها من القاهرة في العام 1968، من أجل إضاءة الذاكرة على كلام كان وقعه أكبر تأثيرا على الشعب الفلسطيني، بل كان الرصاصة التي هي العقل الواعي لعرفات.. وقد تحقق من خلال هذا النشيد أعظم ما جرى في شرح ما تريده التجربة الثورية الفلسطينية بقيادة تلك الحركة، عبر الكلمة الشجاعة، واللحن الطالع من نبض التاريخ الفني الفلسطيني. فالكتاب لا يقدم نصوص كل الأناشيد وليس مختصا بها، كما سترى، بل يريد أن يكون الجزء الأكبر منها شاهدا على مرحلة فلسطينية وعربية مرت إثر هزيمة 1967، وكان لا يمكن تجاوزها إلا من خلال إعادة الاعتبار للكلاشينكوف والديكتور يوف والآربي جي وكل أنواع السلاح، فكان أن نجح الفلسطينيون حيث أخفق أقوى العرب عسكريا”.
وتحت عنوان “مقدمة تفرض نفسها”، يقول المؤلف “إن هذا الكتاب فلسطيني الروح والهوى والأمل، أليست فلسطين الناطقة باسم أرواح العرب وبمحبة العرب وأملهم بتحريرها.. وإذا كان تاريخها فداء وتضحية، فيمكن القول إن أبرز من عاصرناهم وعايشناهم من أسمائها كان ياسر عرفات، الذي لا أحاول الكتابة عنه بقدر ما آمل بأن أوفق في الاقتراب من أيامه الأخيرة عبر تجليات الواقع الفلسطيني وفي طليعته النشيد (الفتحاوي) الثائر”.
ويرى ماجد أن هذا الاسم كثير الشبه في شعبه، والشبه هنا في خيار المقاومة، والمقاومة والفداء. لذلك نحن أمام شعب فلسطيني موزع في الأرض فيه من أبي عمار، كما أن عرفات فيه من شعبه، ويليق به أن تظل راية مقاومته مرفوعة، ولأنها كذلك، ستظل جمرة المقاومة قائمة ومشتعلة، ويعني المزيد من الشهداء والضحايا ومصاعب الحياة الفلسطينية واستحالتها أحيانا، هو مفهوم الثورة الدائمة بكل أبعادها وجوهرها، فهي تقوى حينا ثم تخبو أحيانا وتشتعل حينا، بينما قد تهدأ لتنفجر من جديد. وفي هذا الكتاب محاولة للإطلالة عليها عبر فتح باب الاجتهاد في التعبير عنها وفي التفسير لها.
ويوضح المؤلف أن تاريخ ياسر عرفات ليس مسجلا في الكتاب ولا حتى نبذات عن حياته، وأيضا لا سير ولا مرويات عنه، بل أرادت أن تراقب عن بعد عبر شخصية فلسطينية قد تكون وهمية أو حقيقية، الصورة الأخيرة لعرفات على باب الطائرة في رام الله “29 أكتوبر 2004″، وهي الصورة التي ما تزال عالقة في البال، ثم تتبعها إلى حين الوفاة، وقد حفرت السؤال الذي ظل حائما في مستشفى بيرسي بباريس: لقد تكرر “اغتيال” القادة.
ويقول ماجد، إن كتابه يكون صورة عن مرحلة كان النشيد الفتحاوي الذي فيها صرخة مدوية حولت الرصاصة إلى كلمة متفجرة وهي أيضا لغة المستقبل الفلسطيني، التصقت برجل حملها على كتفيه فغير معادلات زمنها. ويظهر من خلال الأناشيد المتتالية داخل الصفحات، أنها كانت الخزان الذي استلهم من عرفات شتى نصوصه مباشرة أو غير مباشرة، حتى ليبدو وكأن كل نشيد قد كتبه عرفات بنفسه لأنه يحمل أنفاسه وأفكاره.
ويتحدث المؤلف عن الشخصية التي أطلق عليها في الكتاب اسم “جهاد خالد”، وهي التي تسرد حكاية الأيام بين رحيل عرفات من رام الله ووجوده في المستشفى الفرنسي وصولا إلى وفاته، إنما أرادت أن تنقل وقائع الخواطر التي داعبت خيالها وإحساسها، وهي أيضا ترجمة لخواطر الشعب الفلسطيني الذي عاش على أمل أن يخرج قائده معافى، وكان يتابع يوما بيوم وساعة بساعة ما يجري هناك على بعد آلاف الكيلومترات في باريس.
ويوضح ماجد، أنه في نهاية الكتاب أفرد عددا من الصفحات تحكي بإيجاز شديد، ليس روائيا بالمعنى التقني والفني والأسلوبي، حكاية جهاد خالد انطلاقا من خلال والده الذي عرفت عنه ما عرفت أثناء زيارتي للعراق، وهي مجرد تفاصيل أردت من خلالها التعريف بهذه الشخصية لا أكثر ولا أقل، مبينا أنه يعرف ظمأ الأجيال المعرفي عمن سبقونا وخصوصا القادة منهم. الأجيال الجديدة، طموحة دائما بإعادة قراءة من ترى اهتمام من سبقها به، قال لي مرة أحد المثقفين الإيرانيين أثناء جلوسنا معا وبالصدفة في الطائرة، إننا نحن العرب لا نعير زعماءنا وزنا، نقتلهم بشتى أنواع الاتهامات وهم أحياء وهم أموات أيضا.
ويؤكد المؤلف، أن هذا الكتاب هو من أجل إعادة الانتباه إلى ما بلغته القضية الفلسطينية بعد كل هذه السنين على غياب عرفات، دون توضيحات لها، بل بتقديم الماضي الثوري المتفجر لكي نعرف الحاضر من خلال قدرتنا على التخيل والملاحظة والمطابقة بين ما كان أثناء المقاومة المسلحة وما هو الآن، وكان عرفات المترأس الذي ظل يقاوم شتى محاولات إنهائها وعلى طريقته العرفاتية، علما أنه لا أحد يمكنه شطبها لا قبل عرفات ولا بعده.
ويرى ماجد أن عرفات ظل المعادلة الصريحة للمقاومة، بل هو من رسم تاريخا يشبهه، فوضع مستقبل القضية الفلسطينية بين أحد أمرين: الرصاصة المصحوبة بالأمل أو الرصاصة والسلاح الواعي لنتائجه، ونسج وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة البنادق والخيط الرفيع بين الدبلوماسية والقوة المؤمنة بواقعها، لقد كانت فلسطين كأنها له وملكه ومعبودته، وهي الجميلة الدائمة النائمة في كفه.
ويقول المؤلف، إن عرفات لم يكن أول الفداء ولن يكون آخره، لكنه كان الطلقة التي دوت فأيقظت شعبا وشعوبا وأمما على قضية من أسمى القضايا، وظل الرقم الصعب إلى أن صدر قرار “اغتياله”، بطريقة الموت البطيء. وبكل تأكيد، عاد إلى رام الله شهيدا كما كانت قبله أمنية صلاح خلف “إبو إياد”، في طلب الشهادة الحقيقية له ولغيره من المسؤولين “وقد نالها 1991″، بدل البقاء شهيدا حيا كما كتب في وثيقته المنشورة نهاية الكتاب.
وخلص ماجد إلى أن معادلة التاريخ تحكمها النتائج، لكنها في قضية فلسطين يجب أن يجللها النقاء الدائم، وأنا أعرف أن الشعب الفلسطيني لم ولن يتعب، ولن يتوقف عن تقديم شهدائه، ولن يتراجع عن غايات التحرير والمقاومة، وسلسلة المشاهد البطولية التي نعيشها حتى كتابة هذه الكلمات ولسوف نعيشها طويلا في حركة الصراع ضد العدو الصهيوني، تهيئ المسرح الفلسطيني لحدث أكبر بكثير من كل أشكال التعبير الفردية أو حتى المجموعاتية في مجال تلك المقاومة التي وحدها ستوصل شعب فلسطين إلى حقوقه الكاملة.