تقوم وزارة الثقافة بدور بارز في حمل الأجندة الأردنيّة تجاه القدس، وترسّخ في كلّ الاحتفالات والمناسبات ذات العلاقة قيمة المدينة في وجدان الأردنيين.

وفي أرشيف الوزارة مؤتمرات وندوات ونشاطات لا تنتهي احتفت بزهرة المدائن وقرأتها موضوعيّاً وعلى الصعيد الداخلي في جغرافيّتها وصمود أهلها ومعالمها ومعاناتها وكثيرٍ مما يؤكد تعلّق الأردنّ شعباً وقيادةً بهذه المدينة.

يقول جلالة الملك عبدالله الثاني «نحن في الأردن الأقرب إلى فلسطين وإلى الشعب الفلسطيني، ومصالح الشعبين الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة متشابكة ومترابطة، وكثير من الأسر الأردنيّة لها أخ أو قريب أو عزيز في الضفة الغربيّة، ولذلك فإنّ كلّ ما يجري في الأراضي الفلسطينيّة يتأثر به الأردن».

وقد استلهمت وزارة الثقافة ذلك في احتفالها المشهود والناجح بالقدس عاصمةً للثقافة العربيّة 2009، وهي الاحتفاليّة التي كانت الأردن الدولة الأبرز فيها من واقع نشاطات يوميّة وأمسيات حكوميّة وأهليّة انسجمت بشكل تلقائي ومعبّر عن الأواشج والروابط المميزة بين الأردن وفلسطين.

اشتملت احتفاليّة الأردن بالقدس عاصمةً للثقافة العربيّة على مفردات كثيرة أبرزها ندوة القدس ومؤتمر القدس الدولي، وهما نشاطان مهمّان في أوراقهما وضيوفهما ومكاشفتهما واستنادهما إلى الواقع بعيداً عن الغنائيّة باتجاه قراءة المعاناة الحقيقيّة واقتراح الإجراء.

يقول رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري إنّ ارتباط الأردن بفلسطين والقدس على وجه الخصوص ، يشكل علامة بارزة في تاريخ العلاقة بين الأردن وفلسطين. ومن المؤكد أن للأردن دوره المميز في الدفاع عن القدس، وعن عدالة القضية الفلسطينية، وبالذات في مجال الحفاظ على عروبة القدس وصون مقدساتها وإعمارها، وما الإعمار الهاشمي إلا جهداً طيباً مباركاً في هذا الإطار.

ويجيء كتاب «القدس في الوجدان الأردني» لمؤلفه الزميل إبراهيم السواعير ليجمع نشاطات الاحتفاليّة ويسلّط الضوء على جميع مفرداتها ويتيح المجال للدارسين والمهتمين لأن يقرأوا الرقم الإحصائي والوثيقة الدامغة في الحق العربي الأصيل.

ويضيف المصري في تقديمه الكتاب، الذي يصدر ضمن منشورات وزارة الثقافة، إنّ لوزارة الثقافة دورها وإسهامها المميز على هذا الصعيد، إلى جانب الهيئات العديدة العاملة من أجل القدس في الأردن ، وهو دور لا بد وأن يتواصل ويتنامى لإذكاء شعلة الوعي الثقافي في مجمل الشؤون المقدسية، وبصورة تضامنية مع مختلف الهيئات المعنية في العالمين العربي والإسلامي.

ومن أهم أهداف احتفالية الأردن بالقدس عاصمة الثقافة الإسلامية حماية التراث الثقافي والديني الإسلامي والمسيحي لمدينة القدس، وترسيخ عروبة القدس، والتصدي لمحاولات إسرائيل تهويد القدس وتشويه تاريخها وتهجير أبنائها، وإبراز دور الأردن في الحفاظ على هوية القدس والدفاع عنها، وإبقاء قضية القدس حيّةً في ضمير أبناء أمتينا العربية والإسلامية والتعريف بها في المحافل الإقليمية والدولية.

وبحكم طبيعة العلاقات التاريخية والجغرافية المتصلة وغير المنفصلة التي تربط الأردن بفلسطين عامة والقدس بخاصة كان الأردن الدولة العربية السبّاقة في تبني قرار مجلس وزراء الثقافة العرب في اعبتار القدس عاصمة للثقافة العربية 2009 ووضعه موضع التنفيذ، فمكانة القدس الدينية والروحية والحضاريّة لدى الأردنيين حكومةً وشعباً أهّلتها لتكون موضع اهتمام ورعاية على الدوام، ليس في عامها الثقافي فحسب، وإنما منذ تأسيس الإمارة ومن ثم المملكة الأردنية الهاشمية، فعلى أعتاب الأقصى قضى الملك المؤسس شهيداً، وعلى أسوار القدس قضى شهداء الجيش العربي نحبهم، بعد أن رووا بدمائهم الزكية الطاهرة ترابها، فالهاشميون هم عُمّار الأماكن المقدسة فيها، وهم أصحاب الولاية الدينية عليها، فالقدس جزء من الأردنيين فكراً وروحاً، وكما قال جلالة المغفور له الحسين بن طلال «القدس قدسنا والأرض أرضنا ولن نتنازل عن ذرة تراب فيها»، وعنها قال صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني «من غيرنا أقرب إلى القدس منا؟!».

وقد شهد عام القدس الثقافي 2009 تفاعلاً أردنياً رسمياً وأهلياً وشعبياً منقطع النظير، فقد شاركت المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني ومختلف شرائح المجتمع الأردني في الفعاليات والأنشطة الثقافية والفنية في الاحتفالية، مما ترك أثراً كبيراً في تنمية الحراك الثقافي في الأردن، وهذا التفاعل يأتي من المكانة العالية التي تحتلها القدس لدى المؤسسات الأردنية ولدى أبناء الشعب الأردني، فقد تبنت هذه المؤسسات إقامة فعاليات وأنشطة متنوعة ومتعددة بالتنسيق مع وزارة الثقافة وقد امتد هذا التفاعل ليشمل الكتاب والأدباء والشعراء والهيئات والروابط والجمعيات الثقافية والأندية الرياضية ولجان المرأة ووسائل الإعلام المختلفة والأحزاب السياسية وأمانة عمان والمجالس البلدية ودواوين العائلات والعشائر الأردنية ومديريات الثقافة في المحافظات.

وقد أصدرت الوزارة خمسةً وعشرين إصداراً تتعلق بمختلف جوانب القدس، كما نفّذت خمسة مؤتمرات وسبعين فعالية على شكل ندوات ومحاضرات وأمسيات فنية وشعرية وغيرها، كما أقامت أربعة من المهرجانات الفنية المسرحية، بالإضافة لمعارض كتب كثيرة، منها معرض كتاب القدس، ومعرض صور القدس الفوتوغرافية في الفترة 1840-2009، كما اشترت وزارة الثقافة مقتنيات هذا المعرض من اتحاد المصورين العرب في أوروبا وعرضت مقتنياته في محافظات المملكة، مثلما أقامت معارض للفن التشكيلي، والصور الفوتوغرافية، وثماني عشرة مسابقة، كما أنتجت ثلاثة أفلام وثائقيّة خاصة بالقدس باللغتين العربية والإنجليزية وهي ذاكرة مكان، وذاكرة زمان، وأماكن مقدسة في القدس، ونفّذت أعمالاً مسرحيّة مهمة، بالإضافة إلى توثيق سيمفونية القدس للموسيقار الأردني الراحل يوسف خاشو.

وأسهمت وزارة الثقافةكذلك في دعم عدد من الأعمال الفنية والمسرحية التي تتعلق بمدينة القدس، إذ قدّمت دعماً مباشراً لأكثر من خمسين مشروعاً وفعالية ثقافية أردنية في كلّ مدن المملكة، ودعمت كذلك فعاليات ثقافية وفنية خارجية عربية ودولية، منها تقديمها دعماً مالياً مباشراً ولوجستياً على المستويين العربي والدولي كالدعم المالي للبنية التحتية لجاليري المحطة بفلسطين.