يزداد عدد العرب والمسلمين في العالم الغربي عاما بعد عام, وذلك لإسباب كثيرة أهمها الهجرة و الدراسة والتوالد و اعتناق الإسلام. إن ضيق العرب و المسلمين ببلادهم يدفع الكثير من الشباب إلى البحث عن وطن جديد. فإذا إشتد الضيق بسبب الحروب الدولية أو الإقتتال الداخلي إزدادت الهجرة. ويتجه جلٌ المهاجرين إلى الولآيات المتحدة الأمريكية و أوروبا وأستراليا وكندا حيث فرص العمل أكثر, وكذالك الحرية الفردية والمساواة والرخاء الإقتصادي والعدالة الإجتماعية أكثر بكثير مما هم معتادين عليه في بلادهم. أكثر الشعوب هجرة هم  العرب والأتراك و الإيرانيين و الصوماليين و الأفغان و الباكستانيين و البنجال و البوسنيين. و من العرب نجد أن الفلسطينيين و العراقيين و شعوب شمال افريقيا و السوريين اكثر الشعوب هجرة للغرب. و غالبيتهم يطلبون حق اللجوء السياسي و الإنساني في الغرب. و أكثر الدول انفتاحا على اللآجئين السياسيين هي السويد فهي تستقبل سنويا اكثر من سبعين الفا من المهاجرين ، غالبيتهم من العرب و المسلمين.
كانت النتيجة المباشرة للأزمات الإقتصادية و قيام الحروب المحلية و الدولية في دول العالم الإسلامي هي نزوح مئات الآلاف من العرب والمسلمين من ديارهم الى الدول الغربية. لقد تزايد هؤلاء الناس حتى وصلت أعدادهم الآن الى خمسة عشر مليونا وليس هناك ما يدل على أنهم يفكرون بالتخلي عن أوطانهم الجديدة.
الهجرة الى الغرب محفوفة في مخاطر كثيرة منها استغلال المهربين للحالة المأساوية التي عليها المهاجرين و منهم من يقضي غرقا في البحر و منهم من يموت اختناقا في حاوية ومنهم من يصل لموانئ الغرب البرية و اليحرية و يطلب اللجوء و القليل منهم من يحصل على تأشيرة سياحية و يستغلها للجوء الى بلد اوروبي. الأمم المتحدة تستقبل اعداد من المهاجرين و توزعهم على الدول الغربية و لكنها ارقام خجولة مقارنة في عدد الراغبين في الهجرة الى الغرب.
ورغم الحملات اللتي تكاد تكون منظمة في مهاجمة الإسلام وتقبيحه في الرأي العام الغربي إلا أن هجرو الشباب والنساء حقيقةٌ لا يمكن إنكارها.  ولا شك أن صُنّاع القرار في العالم الغربي يلاحظون كل ذلك ولا يحبونه، فإن الإسلام يمثل نمط حياة و قيم دينية تلزم الفرد بإتباع القانون الإلهي قبل القانون الوضعي. وما أظن أن هذ الموقف متعلق بالجانب العقائدي من المسأله بقدر ما هو ناتج عن الظروف التاريخيه التي ساهمت في صياغة المدنية الغربية ذات البعد المسيحي.
الأوروبيين اليوم بصورة إجماليه هم ورثة الحضارة الرومانية التي تمتد جذورها الى الحضارة اليونانية الضاربة في القدم. ولا شك في أن هذه الحضارة نشأت في أجواء غير التي نعرفها كمسلمين  وتطورت على مساقات خاصّة بها. فهي مع الزمن اندمجت في القيم المسيحية.
لذلك كانت الشعوب الأوروبية على مر العصور دائما في صراع مع غيرها لأنها من الناحيه الحضاريه أُحاديّة الجانب ولا تقبل الآخر. ولم تكد تعرف التعدديه الدينيه إلا في منتصف القرن الماضي. مقابل ذلك فقد كانت الشعوب الأوروبية أسبق الأمم المعاصرة للديموقراطيه مما يجعل الديموقراطيه في العالم الغربي من أهم عوامل القوه والإستقرار السياسي.
إن تزايد المسلمين بالغرب يخلق حالة جديدة غير متوقعة، "ثم من يدري" يقول الدكتور محمد سعيد البوطي في مقالة له في كتاب "مستقبل الإسلام"...."لعل المخطط الرباني الذي لا ترصده أعين الناس، ولا تتبينه مدارك كثير منهم، يقضي بأن يعود الإسلام فيشرق من مغرب هذا العالم، أي من حيث تتجه السهام متلاحقة بالحرب إليه والكيد لله. ولقد سبق أن اختار الله لتربية كليمه موسى أحضانَ عدوه فرعون".
مهما يكن من أمر فإنه من واجب المؤسسات الدينية و التعليمية و الثقافية للعرب والمسلمين في الغرب وضع خطط مناسبة لإستثمار هذه التحولات الجديدة لصالح الحوار مع الآخر بحيث نضمن للأقليات المسلمة حياة طيبة في مجتمع حر طيب تسوده قواعد العدل ويشعر سكانه بالسعاده و هذا جزءٌ مهمٌّ من مقاصد الإسلام ووظيفته في الحياه.
الأزمات الإقتصادية في الغرب                 
واقع الحال هو أن انتشار الإسلام في المجتمعات الغربية ليس بالطاريء الوحيد عليها، فثمة  طاريء آخر ألا هو التقلبات السريعة في التجارة العالمية و في سوق العمل. فقد صار الحصول على وظيفة مستقرة من أهم دواعي الطمأنينة في الحياة. ومع ذلك فإن سرعة التقلبات "في السوق" وكثرتها ما زالت تمثل هاجسا مقلقا عند الكثير من المهاجرين. حتى الأكاديميين وذوي التخصصات العالية لا يرون أنفسهم في مأمن من البطالة. وقد رأينا في السويد في العقود الأخيرة صناعات كاملة تندثر تماما مثل صناعة الكتان والأقمشة. وصناعات تتراجع مثل صناعة الفولاذ وصناعة الخشب, ورأينا شركات ترحل إلى الخارج بحثا عن الأيدي العاملة الرخيصة مثل شركة إكيا لصناعة الأثاث وشركات كبرى تباع كما لو أنها في مزاد علني مثل  شركة فولفو وشركة ساب للسيارات.


وقد تطورت الأمور بسرعة بالغة في العقود الأخيرة، بحيث نرى تركيزا كثيفا للسكان في المدن الرئيسية الكبرى حيث فرص العمل أكثر. وهذا يخلق مشاكل إجتماعية لا حصر لها، أولها قلّة المساكن وارتفاع أجور الشقق السكنية، وثانيا تقصير مؤسسات الخدمات مثل المستشفيات والمدارس والمواصلات العامة وعجزها عن تلبية حاجات السكان. لم يعد الغرب جنة الله على الأرض ، بل زادت التحديات على المهاجرين و لم تعد الديار تدر سمنا و عسلا عليهم. و اليوم  نجد الغالبية العظمى من المهاجرين يعيشون حياة فقيرة مقارنة بالمواطنين الأصليين. إن انقسام السكان في الحيّ الواحد إلى أقليّات عرقية وإثنية ودينية يشبه قنبلة موقوتة تهدد بالإنفجار. وهذا هو ما يجري فعلاً في كثير من البلدان الغربية. في هذه الأحوال الجديدة، يجد المسلمون أنفسهم مضطرين إلى التفكير بصورة خلّاقة وابتداع أنماط جديدة من التحليل على أمل الوصول إلى حلول واقعية ينتفعون بها وينفعون.
الهجرة للغرب ظاهرة غير صحية و خسارة كبيرة للعرب والمسلمين ، فالعقول المهاجرة جلها من ذات الثقافات العالية و الأصل ان تستوعب في ديار المسلمين. و إلا فإنها قد تشكل خطرا على قيم العرب والمسلمبن و قد تضيع الأجيال و تذوب في القيم الدينية لمجتمع الأكثرية.

محمود الدبعي
السويد