|
|
المدرسة ودورها في اكتشاف الطفل المبدع
أيها المدرس حاول أن تدفع طلبتك نحو الإبداع فذلك يجعلهم أكثر أدبًا واهتمامًا بالعلم. المدرسة المكان الأكثر احتضانًا للطفل بعد الأسرة، فهو يقضي جل وقته فيها، يتعلم اللغة والحساب والعلوم، ولها التأثير المباشر في تكوين شخصيته وصياغة فكره وسلوكه، وأول شخص يتأثر به الطفل بعد الوالدين هو المعلم إن لم نقل أكثر من تأثره بوالديه، لأن المرحلة التي يكون فيها الطفل متمدرسًا هي مرحلة الاستقلالية والتمييز عنده، وبذلك أول شخص يقلده ويحترمه ويستمع له سيكون المعلم .. فهو يرى معلمه مثالاً يقتدي به في كل تصرفاته وسلوكياته، وينظر إليه باهتمام واحترام كبير، ولذلك على المعلم أن يتفاعل مع هذا الاهتمام، وينزل عند قدرات الطفل الصغيرة ليكتشف عالمه وخيالاته ومدى إدراكه للعلوم وللحياة، فيجعل أفكاره ترتقي كل مرة، وعقله يستوعب المعرفة، ومشاعره تسمو نحو الخير والمحبة، وستأخذ المفاجأة المعلم بوجود الكثير من الأطفال لديهم كميات معرفية رهيبة، وقدرات إبداعية كثيرة، فعند كل طفل تجد حلمًا يريد تحقيقه .. طبعًا أحلام الأطفال تختلف عن أحلام الكبار، لكنها تشبهها من حيث التمني بتحقيقها، ولو كانت أحلام صغيرة... هناك من يحلم بأن يداعب الألوان ويحرك الفرشاة، فتنساب على الورق رسومات جميلة، وهناك من يحلم بكتابة أسطر من كلمات هدية لوالديه أو معلمه بلغة تعبيرية جميلة، وهناك من يحلم أن يطلق صوته رنيمًا ينشد أحلى الألحان، وكأنه بلبل يغرد.. وبذلك على المعلم أن ينتبه لوجود تلاميذ مبدعين في قسمه، ربما يوجد من يكتب شعرًا، أو من يكتب قصة أو نثرًا، ويوجد أيضًا من يجيد فن الرسم، وكل تلميذ لديه إبداع خاص به، لكنه لا يدرك ذلك، ولم يجد من يدفعه إلى إخراج المكنونات الإبداعية بداخله واكتفاء المعلم فقط بتلقينه الدروس المبرمجة، وهذا أكبر خطأ يرتكبه المعلم في حق تلاميذه، بل أكبر خطأ ترتكبه المدرسة في حق الأجيال وصناعة واكتشاف المواهب في هذه المرحلة الطفولية التي هي أساس لكل تقدم أو تأخر فيما بعد.. قد لا يدرك الطفل أنه مبدع إذا لم يجد من يشجعه ويدفعه إلى التعبير عن الأشياء التي يحبها ويريد ممارستها في أحلامه الطفولية الصغيرة، هنا يحدث إضمار للإبداع وخنق قدرات الطفل الفنية والتعبيرية وموت الأحلام بداخله، وبعدها يصبح وعاء فقط للدروس والبرامج التعليمية، كأنه آلة تخزن بداخلها المعلومات. الطفل كائن له مشاعر وأحاسيس وخيال، فلا يجب أن نصنع منه آلة للحفظ واستيعاب الدروس، إنما نريد أن نطلق العنان لأفكاره الصغيرة وأحلامه وخيالاته، حتى يعبر ويبدع بالطريقة التي يحبها.. ولذلك المسؤولية ملقاة على المدرس، فهو الذي يكتشف إبداعات تلامذته، فحين نكتشف أن ذاك التلميذ ينتبه للدرس وهو متفوق يأخذ أعلى العلامات ، علينا أيضًا أن لا ننسى أن هذا الطفل بداخله أحلام وأمنيات يريد أن يعبر عنها من خلال الإبداع، فلا نهمش هذه الأحلام المبدعة داخله.. فالاهتمام فقط بالدراسة والتفوق قد يولد عند الطفل الإحباط والملل ومن ثم يصيبه التراجع في استيعابه للدروس، وهناك أطفال موهوبون ولكن استيعابهم للدروس ضئيل أو ضعيف، فيجب دفعهم نحو تحقيق مواهبهم، فهذا يساهم في إيجاد رغبة كانت ضائعة لاهتمامهم بالدروس. فالطفل يجب أن يشعر في المدرسة أنه يستطيع أن يعبر عما بداخله بالرسم أو الكتابة، وبأن هذه المدرسة هي فضاء ليس للعلم فقط، وإنما للإبداع الجميل أيضًا، فالكثير من المربين ينسون هذه النقطة المهمة في تكوين شخصية الطفل، وحتى لا يشعر أطفالنا أنهم في سجن يسمى المدرسة علينا أن نفسح لهم المجال لأن يبدعوا في أي مجال يحبوه. إن من أهم وظائف المدرسة، تحقيق النمو المتكامل لشخصية الطفل من حيث المعارف والعلوم، ومن حيث الوجدان والإبداع، فهي كل لا يتجزأ، ولا نستطيع أن نفصل المعارف عن الإبداع، الأولى تعمل على شحن العقل بالعلوم، والثانية تعمل على شحن الوجدان بالأحاسيس الجميلة، التي تتكون نتيجة حبنا لإبداع شيء ما، فحين يستطيع الطفل التعبير عمَّا يجول بخاطره من أفكار يشعر بالمتعة والسعادة لو رسم لوحة بها شمس و أشجار جميلة وورود وجبال، ويكون سعيدًا لو كتب قصة جميلة أو نظم قصيدة رائعة، أو صنع من خشب جامد شيئا مثيرًا...هذه فقط بعض الأمثلة، والإبداع يوجد في كل شيء. ولأجل أن يتكون هذا الطفل بطريقة صحيحة، على المدرسة أن تعلم التلميذ كيف يفكر، وكيف يبدع ويكتشف ما بداخله من أحلام ، كيف يكون باحثًا عن المعلومات لا مستقبلاً لها فحسب، فلا يجب أن يقتصر دورها على تلقين المعلومات والمعارف بطريقة عسكرية، بل الأساس أن يتشارك المعلم والتلميذ في صناعة الدرس والإبداع والأفكار، لأن الأهم من التلقين هو ضرورة الاهتمام بتنمية الجوانب المختلفة في شخصية الطفل ليصبح قادرًا على التعلم والابتكار. ويعد التلاميذ المتفوقون من الناحية العلمية، والمبدعون أفضل ثروة بشرية ننميها لأجل مجتمع واع ومبدع ومبتكر، وبذلك نقدم للوطن عقولاً متعلمة و أيادي مبدعة، ونحن نرى في الدول المتقدمة كيف تهتم المدرسة بالطفل المبدع لأنها تدرك أنه أساس رقيها. فعلى المدرس الناجح أن يدفع بطلبته نحو الإبداع والابتكار، وذلك يدفعهم نحو الاستزادة من العلوم والعمل على الاجتهاد والنشاط أكثر، فكلما شجع المدرس طلبته على البحث والابتكار والإبداع كلما قدموا نشاطًا أكثر وحبًّا أكبر لمدرستهم ومعلمهم. وهنا تتدخل عملية توفير الجو والمناخ الذي يستطيع من خلاله التلاميذ الإبداع والابتكار والبحث العلمي، وذلك هو مسؤولية المدرسة، فهي التي توظف ما أمكنها من الوسائل الحسية والمادية داخل المدرسة، وذلك من خلال أهداف مسطرة وبرنامج ثري وواضح ، وأول شيء هو تدعيم المنهج القائم على دفع التلاميذ للتفكير الإيجابي والبحث داخل أنفسهم عن طاقات إبداعية كامنة ومحاولة استخراجها، لتكون بصمة تميز هذا التلميذ عن ذاك. ومن أهم الواجبات التي على المدرسة القيام بها لاكتشاف وصناعة أجيال مبدعة أن تعمل على تكوين هؤلاء المبدعين وتشجيعهم وتوفير بيئة دراسية مفتوحة على البحث والابتكار، وذلك عن طريق: 1 - مساعدة التلاميذ على ممارسة البحث العلمي بفتح المجال أمامهم نحو زيارة المكتبات مثلاً، زيارة المتاحف، زيارة الأماكن السياحية والبحث في الماضي البعيد عن هذه الآثار، وزيارة الحدائق العامة وحدائق الحيوان. 2 - مساعدة التلاميذ ودفعهم لتنمية مهاراتهم وإبداعاتهم، وحثهم على التفكير في الابتكار والاكتشاف بإنشاء ورشات ونوادي في فن الرسم والمسرح...إلخ 3 - دفع التلاميذ المبدعين إلى مستوى أعلى وأكثر فاعلية عن طريق الاهتمام بكل شيء يتعلق بشخصيتهم وانفعالاتهم . فكم من مبدع ضاع بسبب مشكلات آثرت على حياته النفسية، ولم يكن محل اهتمام من طرف المدرسة. 4 - إيجاد روح الابتكار داخل القسم، بحيث يتناقش المعلم مع طلبته، ويسألهم بطريقة تنمي الخيال لديهم وتوسع مداركه، كأن يسأل كيف سيكون شكل السيارة في المستقبل، أو هل هناك تصور آخر لوسائل نقل أكثر حداثة من الوسائل الحالية، وكيف ينظر هو لمستقبله، هل يريد أن يكون طبيبًا ولماذا، أو طيارًا ولماذا.. وتنطلق المناقشة بينه وبين تلامذته.. وهكذا، وهذا الذي يسمى بتنمية الخيال ودفع الطفل نحو التفكير والابتكار والبحث، وهذا الأسلوب ممتاز في التدريس خاصة للطور الابتدائي لأن التلميذ في هذه المرحلة مثل الأرض الخصبة، وهو دائم البحث عن الجديد من المعارف، فتوجيه الطفل نحو التخيل والبحث يجعله في حالة انتشاء وسعادة بأنه يستطيع أن يفكر في شيء جديد يصنعه بيديه، فهو لا يكتفي بما طلب منه المدرس، بل قد يفكر في ابتكار أشياء جديدة ، وبذلك ندفع التلميذ نحو البحث الدائم، ولا ننسى أن البحث يدفعنا نحو الاكتشاف ومن ثم نحو المعرفة، فالخيال ينمي القدرة على الإبداع والإبداع يدفع نحو البحث. 5 - وإذا أرادت المدرسة فعلاً صناعة جيل باحث، عليها أن تؤسس نوادي علمية وأدبية وفنية ليمارس التلاميذ أنشطتهم الإبداعية، سواء في البحث العلمي أو الابتكار أو الكتابة أو الرسم، وكل هذا إبداع ، والإبداع لا يتم إلا عن طريق الخيال الخصب الذي ننميه في أذهان التلاميذ. 6 - حث التلاميذ على القراءة والمطالعة العلمية والأدبية وزيادة ثقافتهم من خلال الاطلاع على الكتب المختلفة التي تخص الفنون والعلوم والاختراعات وما إلى غير ذلك من الكتب الهادفة التي تنمي عقلهم وتزيدهم حبًّا للعلم والإبداع. في الختام نقول... قد يتحجج البعض بعدم كفاية الوقت وضغط البرامج التدريسية، لكن المدرس الذكي يجعل من كل مادة يدرسها لتلاميذه فسحة ليكتشف من خلالها مواهبهم، مثلاً يقدم درس التربية الفنية فيطلب من التلاميذ رسومات حرة، كل تلميذ حر أن يرسم ما شاء، وهنا سيجد نفسه أمام اكتشاف مذهل من بعض التلاميذ الموهوبين، الذين يقدمون رسومات إبداعية تدل على وجود موهبة الرسم بداخلهم. و بالنسبة لدرس اللغة العربية يستطيع المدرس أن يطلب من تلاميذه كتابة تعبير حر سواء نثر أو قصيدة أو قصة، وسيكتشف بنفسه المواهب في هذا المجال. وما من شك أن التلاميذ الموهوبين هم ثروة الأمة في مختلف مجالاتها، فالإبداع والبحث تتطور الأمم وليس بالتلقين والحشو.. ولأن المدرسة هي الحاضنة الثانية بعد الأسرة للطفل، بل هي التي يعيش في وسطها الطفل أكثر من الأسرة، فلو أردنا أن نحسب عدد الوقت الذي يقضيه الطفل في المدرسة لوجدنا أن بقائه بالبيت ضئيل بالنسبة لوجوده بالمدرسة معظم الوقت، ولذلك على المدرسة أن تؤدي دورها الريادي في تنمية إبداع الطفل وتوسعة مداركه. روائية وأديبة جزائرية الكاتب:
ميماس الشيخاني بتاريخ: الأربعاء 29-03-2017 12:45 صباحا الزوار: 1480
التعليقات: 0
|
|