منى أبو حمور

عمان- جاء التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا منذ عام ونصف، ليغير من أساليب التدريس الناجحة التي يحققها التعليم الوجاهي، مما شكل ضغطا على الطالب والمعلم وأولياء الأمور، خصوصا في المراحل التعليمية المبكرة.
وفي الوقت الذي غيبت فيه المنصات التفاعل بين الطالب ومعلمه؛ استطاعت بعض المدارس الوصول بطلابهم إلى بر الأمان وسط ظروف تعليمية استثنائية من خلال اعتماد نظام التعليم التفاعلي عبر تقنيات مختلفة أبقت الطلبة على تواصل وتفاعل مع المعلمين خلال جائحة كورونا.
ورصدت “الغد” تجارب مدارس وآراء أولياء أمور عن استخدام التعليم التفاعلي خلال جائحة كورونا عبر منصتي “تيمز وزووم” وغيرها من التقنيات التي حافظت على التواصل بين الطلاب ومعلميهم في أجواء دراسية ممتعة بعض الشيء خففت من وطأة البعد عن المدرسة.
أم بلال ولية أمر لطالبتين “ريتاج وميار” في الصفين السادس والتاسع تروي لـ “الغد” تجربة بناتها مع تجربة التعليم التفاعلي من خلال برنامج مايكروسوفت تيمز، والذي هيأ أجواء صفية دراسية من خلال برنامج حصص يومية ومشاركة وواجبات يومية.
تقول “النظام التفاعلي جعل بناتي يشعرن أنهن متواجدات في الصف، بدءا من تحضير الدروس وحل الواجبات وحتى إعداد الأنشطة وأكثر ما أشعر أم بلال بالراحة هو سعادتهن وتفاعلهن بشكل كبير مع المعلمات، والدراسة والالتزام بالحضور والغياب.
الشعور بالمسؤولية الذي ولده التعليم التفاعلي لدى الطلاب، أوجد الرغبة في الدراسة والالتزام الذاتي في حضور الحصص اليومية، وفق أم بلال، وهذا الشيء خفف من الضغط القائم على أولياء الأمور، كذلك فإن هذا النهج التعليمي بدد فكرة أن التعليم عن بعد هو امتداد للعطلة وأن الدراسة ممكن أن تكون في اي وقت وهو ما لمسته في محيطها العائلي ممن لا يدرسون التعليم التفاعلي.
وتوافقها الرأي والدة الطالب مهند التي تشير إلى أن التعليم التفاعلي أتاح لأولياء الأمور التقرب من معلمات ومعلمين أبنائهم والتعرف إلى أساليب التدريس في مدارسهم، الأمر الذي بنى جسورا من الثقة بين أولياء الأمور والمدارس.
من جهة أخرى، عزز التعليم التفاعلي بحسب والدة حسام العلاقات الإنسانية بين الطلاب أنفسهم والطلاب ومعلميهم في بيئة إيجابية للتعارف بين أولياء الأمور الذين كانوا يتشاركون التجارب ويحلون المشاكل خلال فترة التعليم عن بعد، مبينة أن التعليم التفاعلي بدد مخاوف أولياء الأمور بخسارة عامين دراسيين بعد ما وجدوه من تجارب سلبية للطلاب الذين لم يلتزموا في الدراسة.
وتضيف “أبناؤنا هم استثمارنا في هذه الحياة والظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم أجمع ووسط ضغوطات كبيرة”، في الوقت الذي تمكن التعليم التفاعلي أن يخلق شعورا بالراحة والطمأنينة بمتابعة المدرسة والمعلمات للأبناء خلال تواجد الأهالي داخل المنزل أو عند ذهابهم إلى أعمالهم.
الإستجابة السريعة للظروف الاستثنائية التي تمر بها المنظومة التعليمية، هو ما ينبغي التفكير فيه، وفق التربوية غادة الحديدي مديرة مدرسة هبة الله التي لجأت إلى التعليم التفاعلي لجميع المراحل التعليمية في المدرسة.
وحول سبب اختيار هذا النظام التعليمي تبين الحديدي لـ “الغد” أنه لا بد من أن يكون هنالك منصة وتفاعل بين الطلبة والمعلمين وغير ذلك لن تنجح العملية التعليمية أبدا، لافتة إلى أنها وبعد أن تم الإعلان للمرة الأولى عن التحول الى التعليم عن بعد ووجود سيناريوهات باحتمالية استمراره كان يجب أن يكون هناك خطة تضمن نجاح العملية التعليمية الرقمية.
وتضيف “قمنا بتدريب المعلمات على برامج الزووم والمايكروسوفت تيمز وكان لدينا خطة تعليمية متكاملة وإستراتيجية واضحة للعام الدراسي تكفل للطالب حقه في التعليم ومصلحته هي الأولوية”.
وتستوجب مصلحة الطالب بحسب الحديدي أن يهيئ له جوا دراسيا متكاملا يشعره بأنه داخل الغرفة الصفية، ويتفاعل مع معلمه تماما كما هو الحال في التعليم الوجاهي وهو ما سعى التعليم التفاعلي لتحقيقه، فالأمر لا يقتصر على المعلومة فحسب وإنما أيضا رفع معنويات الطلبة وتشجيعهم وتحفيزهم في ظروف وبائية استثنائية شكلت ضغطا على الجميع.
وتحت شعار “من لا يتجدد يتبدد”، أخذت الحديدي على عاتقها وكادرها التدريسي مصلحة الطلاب، بإيجاد جو دراسي متميز يجعل من البيوت غرفا صفية.
وتطمح الحديدي أن يعمم هذا النوع من التعليم على جميع مدارس المملكة، ليتمكن الطلبة من الحصول على حقهم في التعليم بالطريقة المثلى في ظل ظروف وبائية استثنائية.
من جهته يعتبر التربوي الدكتور عايش النوايسة تجربة التعليم التفاعلي التي نجحت في تطبيقها بعض المدارس، تجربة رائدة في ظل التوجه إلى التعليم عن بعد الذي فرضته جائحة كورونا والتي تعتمد على التفاعل المباشر ما بين المعلم والطلاب من خلال برنامج مدرسي عن بعد وتقنيات مثل الزووم والتيمز وغيرها.
التعليم التفاعلي بحسب النوايسة، وفر متابعة للطلاب من المعلمين، عبر تقديم شرح للدروس كاملة بدوام يومي من الساعة 9 صباحا حتى الساعة 2 بعد الظهر، وواجبات ومشاركة من الطلاب.
ويقول نوايسة إن على وزارة التربية والتعليم الاستفادة من هذه التجربة، وأن تلجأ إلى هذا النوع من التعليم لأنه على الأقل يبقي الطلبة على تواصل مع معلميهم على الرغم من بعض الصعوبات التقنية التي يواجهونها.
ووفق النوايسة، فإن التعليم التفاعلي تجربة ثرية تحتاج إلى إعادة تقييم لتعزيز نقاط القوة ومعالجة نقاط الضعف التي ظهرت وتلافيها من خلال الفرص المتاحة لدى بعض المدارس والتي لديها إمكانيات تتيح تطبيق هذا النوع من التعلم.
ويؤكد النوايسة أن هناك فرقا بين منصات التعلم التي لا يوجد فيها تفاعل مع المعلمين وبين منصات التفاعل التي استخدمتها المدارس الخاصة بتقنياتها المختلفة، وكان هناك فرق كبير في الأداء بين الطلاب وسيظهر الفرق واضحا في النتائج المدرسية وعلى مستوى الثانوية العامة والمشاركة في الاختبارات الدولية.
الاختصاصية التربوية الدكتورة سعاد غيث تشير إلى أن هذا النوع من التعليم الذي انتهجته بعض المدارس الخاصة وبعض المعلمين المتميزين في المدارس الحكومية، كان بمثابة محاولة للتأقلم مع عملية التعليم عن بعد في ظل غياب التعليم الوجاهي.
وتأتي أهمية هذا النوع من التعليم بحسب غيث في المحافظة على الروتين الدراسي الذي اعتاد عليه الطلاب من خلال برنامج حصص يومية وسير الحصة الدراسية نفسها، الأمر الذي ساعد المدارس التي استخدمت هذا النوع من التعليم في تقليل حجم الخسائر التي تسبب بها غياب التعليم الوجاهي، وتقليل حجم المصاعب التي يواجهها الطلاب خلال الدراسة.
وتعتقد غيث أن إدارة هذه المدارس نجحت في الاستجابة لظروف استثنائية، وتعكس المرونة التي يتمتع بها المعلمون بكفاءاتهم وقدراتهم وإمكانياتهم، والمسؤولية التي تتمتع بها بعض المدارس اتجاه الطلبة والحرص على مصلحتهم العلمية.
ولمست غيث حجم الرضا الكبير من خلال عملها كمشرف تربوي وحوارها مع العديد من مديري ومديرات المدارس التي اتبعت نظام التعليم التفاعلي، وحالة الشعور بالرضا لديهم ولدى أولياء الأمور والطلاب أيضا بهذا النوع من التعليم الذي جعل الطلاب يشعرون أنهم لم يغيبوا عن مدارسهم رغم أنهم في المنزل.
وترى غيث أن “التعليم التفاعلي هي استجابة سريعة وذكية وتكيفية مع طبيعة المرحلة والجائحة والظروف التي صاحبتها”، والطلبة الذين كانوا بحاجة لمن يعطيهم الحماس والدافعية للبقاء على تماس مباشر مع دروسهم وواجباتهم وتفاعلهم والرغبة في التعلم.
وتضيف غيث أن الفوائد تعود على الطالب نفسه من خلال متابعة دروسه مع معلمه، مبينة أن أسوأ الأمور التي حصلت في التعليم عن بعد هي المسافة التي تضاءلت بين المعلمين وطلابهم، فالتفاعل بين الطرفين يخفف من الضغط ويزيد من الحيوية وهو من أفضل أساليب التدريس المستخدمة.

المصدر: جريدة الغد