|
|
قراءة في قصة سوزان غاوي «مايا والبالون العجيب»
الناقد محمد المشايخ
الأدب دونما خيال ليس أدبا، ولذلك حلـّقت أديبة الأطفال سوزان غاوي (عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب) في قصّتها (مايا والبالون العجيب) – الصادرة عن دار عالم الخيال للنشر والتوزيع في عمان– حلـّقت عاليا، وقدّمت للأطفال بين سن (3)و(7) سنوات نشاط ألوان، يتضمن عبر سرد القصة، رسالة فكرية إنسانية، تدعو لتقبل الآخر، ولعدم التنمر. تقدم سوزان غاوي عبر (البلالين) والكرات الملونة، حين تكون مجتمعة (رامزة إلى عالم الأطفال الذين يعيشون اندماجا تاما)، درسا في التسامح والتعايش، وحين يتم إقصاء أحدها (أو أحد الأطفال)، فإنه سيعاني من الوحدة والعزلة، وسيشعر بالإحباط والكراهية، وإن كان مريضا بالتوحّد مثلا، أو كان ذا إعاقة، فإن إعاقته ستزداد، وإن ألمه سيشتد، إلا إذا ساعده غيره من الأطفال في الاندماج في الوسط السليم الذي يعيش بينه، لينتقل إلى الحياة الطبيعية السليمة. ومن الحقائق الثابتة أن الأطفال يبدأون في سن مبكرة بالتمييز بين الاختلافات الظاهرة الواضحة على من حولهم، كاختلاف المعاملة بين الطفل المريض والطفل السليم، أو اختلاف يخص العرق أو الدول، أو الدين، ولذلك كتبت سوزان قصصا ذات صبغة إنسانية كونية، عن تقبل الأطفال للآخر، لكي تتم تنشئتهم على وجوب تقبل غيرهم مهما كانوا مختلفين، داعية لحقيقة أخرى تتمثل في أن نشأة الطفل في بيئة متوازنة اجتماعيًا، وواعية ثقافيًا، يجعل تقبل الآخر أسهل، ويتم دونما تعقيد أو مشاغبات، داعية لأن يكون هذا هو المناخ الذي يجب أن يعيش فيه الطفل، لكي لا ينشأ وهو مـُـنـْـتـَـم لفريق دون الآخر، علما بأن عدم تقبل الآخر قد يكون أمرا طبيعيا لهم بسبب الغيرة، أو حب التملك، أو طلب لفت النظر، ومن هنا تدعو سوزان غاوي إلى التعامل مع الأطفال بحذر وتحمل تقلباتهم النفسية دون توبيخ غير مبرر، ويبدو من سياق القصة أن المختلفين كـُـثر، وأن تقبلهم له مردود رائع على الشعور بالرضا والعيش في سلام وأمان. سوزان غاوي التي تكتب للأطفال تدعو في قصتها هذه أيضا الكبار إلى أخذ العبرة من الألوان حين تمتزج، فهي تبدع ألوانا أكثر جمالا منها فيما لو كانت منفردة، واندماج الأطفال المرضى بمجتمعهم سيجعلهم يخدمونه وسيزيد انتماءهم وعطاءهم له. وكما عهدنا سوزان في قصصها السابقة، نجد لديها عناية فائقة باللغة السليمة المُشكلة، اللغة التي توائم الأطفال الموجهة لهم من الروضة إلى الصف الثاني الابتدائي، والمثبت عليها حركات الإعراب (الفتحة، الضمة، الكسرة، السكون)، وأيضا ثمة عناية بالأسلوب السهل الممتنع، الأسلوب الذي يمتلئ جاذبية وتشويقا ، والتطوّر الذي حصل في هذه القصة، هو لجوء سوزان للغرائبية والعجائبية من خلال (البالون العجيب). سوزان غاوي، صارت جدة وهي في عز الصبا، وعبر العلاقة بينها وبين حفيدتها، فإنها تقدم للمجتمع نصائح كثيرة، منها ألا يظلم مجتمع الأطفال الشخصيات السلبية فيه، فلا يوجد طفل على رأسه خيمة كي لا يتعرض للمرض أو الإعاقة، ومن هنا وضعت سوزان أطفالها في مجتمع جميل ملوّن، يُدخل البهجة والسرور في قلب الأطفال، ويدفعهم للأخذ بأيدي زملائهم كي يعيشوا بسلام وأمان. مرة أخرى، واستكمالا لقصص سوزان السابقة، والتي تـُـعلم الأطفال العطاء والمحبة ومساعدة الآخرين، وتبعث في نفوسهم السعادة والطمأنينة، تجيد سوزان غاوي التبشير بالقيم الدينية، التي تسعى لتكريس المحبة بين البشر، ودفع كل منهم لأن يشعر بالآخر ويساعده، وليحاول إنقاذه من مآسيه، ودفعه للفرح، لتغدو قصّتها في طليعة الأعمال الإبداعية الإنسانية، التي تـُـعلم الطفل كيف يُحقق حلم الصداقة والسلام بين الشعوب. لا أدعو لمنح سوزان غاوي لقاء رسالتها الإنسانية المبثوثة في قصتها الجوائز الأدبية الكبرى فحسب، بل أدعو لوضع هذه القصة، بألوانها التي أبدعتها سمانثا هتشنسن ضمن المناهج المدرسية، كما أدعو لترجمتها للغات الحيّة، فهي تصلح لكل زمان ومكان، كيف لا؟ وهي تحقق أهم شرط في أدب الحداثة والذي يتمثل في الخلود، وأدعو أيضا، وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لإيلائها ما يليق بها من اهتمام. غاوي نفسها تتقن اللغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، والألمانية، وهي عضو في رابطة الكتاب الأردنيين والإتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، من مؤلفاتها: سلسلة «أنا أقرأ فالقراءة عيد»، سلسة «أنا أقرأ فالقراءة فرح»، سلسة «أنا أقرأ فالقراءة كنز»، قصّة «الفيلة الثلاثة» وهي قصّة تفاعلية على الأجهزة الذكية « الآي باد والآي فون» مع المؤسسة الكندية «أطفال يحبون العربية» 2012، مايا والبالون العجيب 2022 عن عالم الخيال للنشر والتوزيع. الكاتب:
اسرة النشر بتاريخ: الإثنين 26-09-2022 08:43 مساء الزوار: 444
التعليقات: 0
|
|