|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
قصةٌ في آخرِ السطر
عاشقة
الصحراء :
حنان بيروتي * في طفولتي التي لا تزخرُ بالكثير من التفاصيل الوردية ،ولا تمتلئ بغير البهجات الصغيرة والألم الذي تحيله ذاكرةُ القلب لحزنٍ عابرٍ شفيف ،طفولةٌ ترتسمُ أمام ريشة الذاكرة كلوحةٍ ملطخة بالبياض ومكتظة بالفراغ ؛فلا شاشات ملونة غير شاشة تلفاز ليس في جعبته غير محطتين، ونصف ساعة يوميا مخصصة للأطفال ،ولا تكنولوجيا ولا اتصال وتواصل، وحدها تفاصيل لعائلة صادف أن أكون آخر العنقود فيها ، لا شيء غير فراشات الحلم التي ترفرف في مخيلتي وأفق مغلف بالاسمنت والجدران، ودرب معبدة بالمكرور، بدأتُ أنقش في خد العمر أمنياتٍ صغيرة، لا يمكن أن تكون الحياةُ ضيقةُ وممتدةُ كفراغ متروك سهواً ،ثمة بعدٌ آخر ،ثمة نافذة استنبتت نفسها بعد قرع الجدار، اكتشفتُها - أثناء إحدى عطل المدرسة الصيفية الطويلة والممتدة كسربٍ بلا بوصلة- في كتبٍ عثرتُ عليها أوعثرت علي، ولذتُ عبرها إلى الكلمات وتجاعيد المفردات من لجة السؤال، من هنا من هناك بدأتْ قصتي مع القصة. القصةُ القصيرة فنُ الحياة لا يمكن أن تموت لأنها تروي الجزءَ الناقص من ذواتنا المجروحة بعطش خفي، أو تلون تلك المساحة المخبأة في دواخلنا والتي نلوذ إليها من ضجيج الخارج الجارح، نعم هكذا أؤمن بعد رحلةٍ متواضعةٍ أحسبها في بدايتها مع كتابة القصة التي بدأتُها في المرحلة الثانوية هروبًا من ثقل المناهج وجمود التدريس ودحض سوء ظن معلمة اللغة العربية التي لم تصدق صدق موضوعي الانشاء، واختلطتْ المحاولات البكر بالخاطرة والتبس لدي هذا الفن السهل الممتنع حين بدأت بارسال محاولاتي لبرنامج «أقلام واعدة» ، ولا انسي ليلتي المقمرة بفرحٍ غامر تلك التي ردّدتُ فيها كلمات الثناء على مسمع الحلم عشرات المرات كأنها تميمة سرية للفرح بعد قراءة أول نص قصصي بعنوان «أحلام متاخرة « إعتبره مقدم البرنامج وصل لمرحلة النضج؛ بعدها بدأتْ ملامحُ الكتابة تتشكل حين اخترت دراسة الأدب العربي وحرصي على عرض نصوص قصصية على أساتذتي في الجامعة الأردنية وكانت مثقلة بالصور الشعرية التي تفيض عن الحاجة الفنية ،إذ بدأتُ مفتونةً بسحر البيان وقدرتي على غزل صور ربما يكون بعضها جميلاً لكنها تشتت الحدث وتعرقل فهم المتلقي وكثيرًا ما كنت أسمع عبارة»حلو...بس ما فهمت» لكن المرحلة الجامعية كانت عتبتي الأهم في مشوار الكتابة . اليوم بعد تسع مجموعات قصصية أجدني مدينة باعتذار لهذا الفن عن تقصيري؛ فكثير من الشخصيات القصصية تتزاحم في داخلي لكن تنبت بين أصابعي الحيرة ودهشة السؤال وأتركها تذبل كحصادٍ مؤجل، ربما الكتابة كما الأرض تُنبت في مواسم غلالاً وفيرةً ويصيبها اليباب في مواسم الألم والجراح التي تتسلق كنبتة عنيدة جدارَ النفس في زمن أصعب ما فيه وأكثر ما يثير الحزن أنّك لا تمتلك الحزن اللائق به. أعتذر بألم دفين ليس لموت القصة القصيرة لأنه فنٌ لا يموت لكن لتراجعه في جزيرة شبه مهجورة ربما بسبب متلقٍ عجول يطيل الوقوف تحت شلال الومضات التي تهديه بريقَ الدهشة كنبضة ضوء، وتزاحم الكلمة المطبوعة مع سحر الصورة وزخم التكنولوجيا وقربها البعيد، وقدرة المتلقي على مصافحة هاتفه متناسيًا أن يحصي بعدها أصابع الوقت! وفي ظل العراء الروحي والتشرُّد العاطفي الذي تفرضه الأحداثُ المتفجرةُ حولنا باتتِ الروايةُ هي الملاذُ والخيمة التي يلتجئ إليها ، نعم هو زمن الرواية، وفي منطقة الوسط ثمة القصة القادرة على النمو والتعايش والتأقلم بصفتها فنا مطواعا وصبورًا وقابلاً للتجريب لكنه متفلِّت ذكي في ما يتعلق بالشروط الفنية لثوب القص الذي كثيرًا ما يكون منقوصًا في فن القصة القصيرة جدا والذي بات يلتبس مع الومضة والخاطرة وكثيرًا ما يفقد رونقَ الألوان حين تغرقه بالغموض أو تحوله لمرآة بلهاء للواقع دون تحريف فني ممهور بحرفة القص. «الإشارة حمراء دائما» مجموعتي القصصية الأولى التي صدرت 1994 والتي انتقيتُها على عجل من نتاجي القصصي الغزير على شرفات الدراسة الجامعية كدرعٍ استباقي لإحساس خفي بالممحاة الموجهة ضد المرأة الساعية لرسم فراشة حلمها خارج نافذة المطبخ، وبعدها بسنوات في العام 1999 نجوتُ باصدار «فتات» بعد أن صرت في قبضة الأمومة وتفاصيلها الجميلة حد الوجع ،وفي العام 2007 وبعد فترة ركود ابداعي أعتبره مشروعا وخيارًا انسانيًا لم أكن أعي وقتها إن كان سيشكل نهايةَ مشروعي الابداعي أم اختزانا مؤقتا أو دائما صدر لي مجموعتيّ «فرح مشروخ» و»تفاصيل صغيرة» والتي عدتُ فيهما كمعتذرة للقصة عن اقتراف الغياب القسري، تلاهما مجموعة «ليل آخر» «وذكرى الغريب» 2012 و»بين بكاءَين» 2015 وب»أحلام متأخرة «2016 مسحتُ غبار النسيان وأعدتُ مشروعية الحلم لقصص تركتُها تنتظرأ كثر من عشرين عاما بعد أن اخترتُ منها دون ميزان نقدي تفاضلي مجموعتي الأولى، و ثمة مجموعة «ليت للبحر لسانًا يحكي « تنتظر أن ترى النور. لا أرى أنّ العمليةَ الابداعيةَ تنمو بالضرورة نموًا منطقيًا وتتطور مرحليًا كالكائن الحي، الإبداع كائنٌ حساسٌ مزاجي متطرف في طبعه وربما مشوه أو مريض، فكل قصة هي حالةٌ ابداعيةٌ متفردة ولا يعني طول التجربة وتعدد الاصدارات أنّ ما يكتبه المبدع اليوم هو الأفضل بالنسبة إليه أو لغيره ،فثمة قصص حين أقرؤها بعين الناقد المحايد أضع إصبعي على مواطن الضعف وأدرك بواطن التميز أو الخلل، وثمة ما أحس بأني غيرُ قادرة على كتابة ما يشبهها والأصعب ما يشبهني. لا تعجبْ حين تخونُكَ مفردةَ البوح أو تُغلقُ دونَكَ شُرفات الكلمات فالحزنُ صديقٌ تغويه الأسرار هو الحزنُ هو ما يلونُ شخصياتِ قصصي منذ بداية قصتي،لا أعرف لِمَ تعلق بعين القلب صورة المرأة التي تحرم من الميراث لأنه صدف أنها أنثى،وتتعرض للخيانة والاستغلال من أقرب الناس إليها لأنها الكائن الهش، ولم تطاردني نبرات صوت بائع التفاح الأخضر على عربة في حي الغويرية في الزرقاء وهو ينادي بصوت رجولي مجروح، لم لا يمكنني إلا أن أكون متصالحة مع الحزن متفهمة لأبعاده وأرى الفرح استثناء، لكن ما أعرفه أيضًا إني لا أترك شخصية في قصصي تعبر دون أن تطرق بابَ الخلاص،وأتوق معها لنور في آخر النفق..وأحس بأني النقطةُ المختنقة في آخرِ سطر ، من بوحٍ منقوص.
* شهادة ابداعية قُدمت في ملتقى عمان الخامس للقصة * قاصة من الأردن مصدر : جريدة الدستور الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 21-04-2017 10:25 مساء الزوار: 714
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
عشق المدينة بين القصّ والسّرد هدى عثمان ... | القصة والرواية | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 22-09-2017 |