مزجت الروائية في كتابها خليطا من السيرة الذاتية والكتابة الابداعية في قراءة تاريخ وواقع الأماكن التي عاشت فيها الكاتبة، وترصد خلاله ما شهدت عليه من نمو وتغيير للمدن في المكان والانسان لتقدم ما حل بها من تطور، فهو سيرة المدن التي تنقلت فيها الكاتبة وإن اقترب من السيرة الشخصية، ، يتخلل النص إلى جانب سيرة المدن سيرة البشر الذين عمروها، ويمثل النص ذاكرة حية على كثير من الاحداث في الوطن العربي كأنه وثيقة عن الزمان الذي كان.
وقرأت خريس في كتابها تاريخ وواقع الأماكن التي عاشت فيها متنقلة ومقيمة رسمت خلالها صورة واضحة عن هذه الأماكن وعن حياتها السياسية والتغيرات الاجتماعية التي طالت العمران وايقاع الحياة والنسيج الاجتماعي فيها، في الفترة الممتدة لخمسة وعشرين عاماً، حيث وقفت خلالها على متغيرات الإنسان والمكان، وقدمت تجارب ثقافية برؤية نقدية، كما كشفت النقاب عن أجزاء من حياة كثير من الأعلام المعروفين في الثقافة والسياسة في الوطن العربي، إضافة إلى جمعها قدراً كبيراً من فلكلور تلك المجتمعات.
وكتبت خريس :»هذا النص حلم بكل سميحة كنتها، ولكن المخاتل والخطير أن واحدة فقط، هي التي صارت عليها الكثيرات، واحدة فقط تكتب عنهن، عن لحظاتهن، عن أماكنهن وأزمانهن، هي أنا، ففي هذا النص جئت بذلك الوهج الغريب الذي نراه من نور النار حين تشب، أو اللفح البارد المتأتي من مرور الريح، ومن وجيب القلب الواقع بين الخوف والمتعة، كلما دفعت أرجوحة الطفولة المعلقة على شجرة بلوط عالياً، وخيل إلي أني أمسكت العالم بين يدي، أين ستفضي بي الأخيلة؟ أليس هذا هو سؤال الرواية؟».
يتحدث الكتاب الذي جاء خلافاً لنتاجها السابق الروائي والقصصي في فصوله عن كل من الدوحة والخرطوم وأبوظبي وعمان والذي جاء بنياناً متكاملاً على الاعوام التي عاشت فيها الكاتبة في تلك المدن، كما أن هناك فصولا فرعية لكل من اربد والسلط، وعرجت خريس في سوريا على دمشق والسويداء والرقة، وكان لتونس وطرابلس وبيروت والقاهرة نصيب، وفصل كامل بعنوان متفرقات يعرض بعين السائح ما شهدته في مدن مرت بها وخبرتها في زيارات متفرقة مثل وسويسرا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا.
وعللت خريس سبب اختلاف الكتاب عن نتاجها الإبداعي السابق أنها شعرت خلال الأعوام الأخيرة:» بفائض من الذكريات يضغط علي دائما، وأثناء مراجعة رواياتي وكتاباتي حاولت البحث عن اصول هذه الأفكار والنصوص ومصادرها، فقمت بمراجعة ما قرأت في حياتي وأثره علي، هذا جعل كل ذكرياتي تتجمع لدي عن الأماكن التي عشت فيها، ووجدت أن ذكرياتي لا تخصني كسيرة حياة».
وتابعت في تصريحها لـ «الرأي»:» فلمحت في سيل الذكريات نمو المدن التي عرفتها ورأيت أن مجمل التفاصيل التي أتذكرها تمثل شهادة على حقبات زمنية متفاوتة منذ الطفولة إلى الان، خاصة أن تلك المدن التي عشت فيها شهدت انقلابات وتغييرات في نمط الحياة وطالت هذه التغيرات الإنسان والمكان، فالدوحة التي نعرفها اليوم والخرطوم وأبو ظبي ليست ذات المدن التي رأيتها في السابق، فقد كانت بكرا وبسيطة، مما جعلني أعتقد أن تشكيل هذه الحياة ترك بصمات على أعمالي وعلى تفكيري، ولكنه في الوقت ذاته معلومات معرفية تستحق أن تقدم للقارئ وبالذات للجيل الذي لم يعرف هذه المدن في ماضيها، وربما على الصعيد الشخصي كانت أهم تفصيلة في هذا النص أنه ساعدني على كشف منابع الأفكار والكتابات عبر رحلتي الإبداعية».