|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
إليك بنيّـــتي: نُثار الذّكريات «2»
وسرنا في الطّريق. وكم مرّة وقفنا عند نفس الإشارة. نعبر الطّريق لنصل إلى المكتبة، صار من عاداتك أن لا رجوع إلى البيت قبل تفقّد جديد الكتب وقبل شراء مجلّة أو كتاب، وكم مرّة لم نكن نجد جديدا فكنت أشتري رضاك عاشقة الصحراء :بالشوكولا. ومفاجآت الشوكولا. أنا أحبّ الشّوكولا وكنت أحلم بأن أذهب إلى سويسرا لآكل الكثير منها، ثمّ فكّرت أن أزور باريس في عيد رأس السّنة فيحمل إليّ» بابا نويل» شوكولا كثيرة كما يفعل مع الصّغار هناك لأنّه لا يزور ربوعنا. حاولت أن أكون معكِ أكرم منه وبغير مواعيد وطيلة السّنة. فكلّ أيّام السّنة تنفع للهدايا ولم أجد أفضل من الكتب ومن الشوكولا لأنّني ألبّي رغبة في نفسي. فسامحينيفكلّ أيّام السّنة تنفع للهدايا ولم أجد أفضل من الكتب ومن الشوكولا لأنّني ألبّي رغبة في نفسي. فسامحيني. فأنا بذلك أرضي نفسي قبل أن أرضيك. ليس هذا فقط، بل كنت أقترح عليك شراء لعب معيّنة أشتهي أن ألعبها بها. حتّى الدّمية الّتي سمّيتها «أمل» كانت فكرتي. الرّائع أنّك قبلتها في عيدك الثّالث بكلّ فرح وحفظت ما كانت تغنّيه وكنّا نستمتع بالأنشودة معا» على جسر أفينيون»، كنت حفظتها في المدرسة وحفظتها أنتِ قبل المدرسة. والحمد لله أنّ فكرة الدّمية المتحرّكة لم تكن لي، أنت أردت دمية تمشي، فأوصيت من جاءني بها من إسبانيا، وسمّيتِها «دنيا». لم تحبّيها كثيرا ولكنّك استمتعت بها. دفعتك إلى الدّمى واخترت أنت السّيّارات والطّائرات ولعبة الجنود، ولمّا كبرت صارت ألعاب السباقات والعنف هي المفضّلة لديك كأنّك تنتقمين من الهدوء الّذي أنتِ عليه غالب الوقت. عندما سألتك لِمَ تعجبكِ مثل هذه الألعاب لم تجيبيني بغير أنّها مثيرة وتصلح للأذكياء ليتخلّصوا من المآزق، إجابتك لم تكن تقنعني ولكنّي لم ألحّ في السّؤال، أعرف أنّ لكلّ شيء نهاية وأنّك لن تلعبي كلّ الوقت. وما كان يخفّف من انزعاجي حبّك للكتب والمطالعة. تذكرين عندما تسابقنا من منّا ستطالع كتبا أكثر في العطلة الصّيفيّة؟ كنت لا تفعلين شيئا غير القراءة، حطّمتِ أرقاما قياسيّة، سبع مائة صفحة في يوم واحد، كم كتابا؟ ما أذكره أنّك في تلك الصّائفة التهمت كلّ مؤلّفات توفيق الحكيم التهاما وأنّك كنت تحدّثينني بعدها عن محتوى الكتاب وتنقدينه وتضحكين. لم أكن أعرف أنّك ستحبّين كتب توفيق الحكيم مثلي. وأذكر أنّ ثلاثيّة نجيب محفوظ أخذت من وقتك ثلاثة أيّام، حتّى خفت أن تنتهي مطالعتك لكلّ ما عندنا من الكتب قبل نهاية العطلة. هل تذكرين كم فرحت بنسخة ثرثرة فوق النّيل عندما وجدتها قديمة؟ أخبرتك أنّنا نملك الكتاب، فقلت لي بأنّ للنسخة الّتي اقتنيتِها رائحة مميّزة، هي رائحة الورق القديم، أجمل رائحة. وكنت لا تقرئين كتابا إلاّ بعد أن تشمّيه وتتعرّفي على رائحته. كم قرأنا من الكتب معا؟ وكم طلبت رأيي في كتب قبل قراءتها. ويوم طلبت منك قراءة كتاب»الحضارة أمّاه» وجدتك تتفاعلين معه من بدايته، ولأوّل مرّة وجدتك تقطعين قراءتك لكتاب بكثير من الكلام عنه، بعدها قدّمت إليّ ورقات مطالعة لتكشفي قدرتك على الفهم والتّلخيص وتحليل القضايا والشخصيّات، ولولا أنّني أتابعك لقلت إنّك نقلت العمل. احتفظت بأوراقك كما احتفظت برسالة بعثتها إليّ في أوّل سنة في الإعداديّة. وكانت أروع رسالة من بنت إلى أمّها عنوانها»أبصرت النّور في ينبوع ذلك القلب»، كتبت فيها: )تيّمتني، أحببتها... لماذا؟ لحسنها ولجمالها أو لرقّتها؟ لا أدري...كلّ ما أدريه أنّني أصبحت كالسّنبلة الخضراء المنتظرة أشعّتها لتنضج وتُقطف. من دونها أكون مَجرّةً تنتظر كواكب وكواكب لتملأني. بل البحر الخالي من الأسماك، والجملة المجرّدة من المعاني والكلمة الخالية من الحروف، لقد صرت قلبا لا يعرف معنى المحبّة إلاّ بها، قلبا محبّا لذكرى اسمها. ... «أمّي، الكلمة الّتي بقيت تغنّي الفرح في قلبي وتنشد لك لحن الحبّ الجميل وتقول لك من القلب إلى القلب : أحبّك أمّي.( ربّما أسأت إليك بنيّتي عندما لم أقبل فكرة اختيار شعبة الآداب وحفّزتك على العلوم، لم أكن أنوي الوقوف أمام طموحك ولكنّ تميّزك في العلوم كان يضمن لك ما تحلمين به. ألست أنت من حلمت بأن تكوني مهندسة وأن تصعدي إلى المرّيخ وأن تصلي إلى الكواكب البعيدة؟ أنا كنت أحاول أن أضع أقدامك على الأرض في تصوّر علميّ فيزيائيّ، فنحن نعيش على الأرض بفعل الجاذبيّة ونطير بأحلامنا ثمّ نعود لننفّذها على أرض الواقع، وأردت أن تكوني على أرض الواقع لتحقّقي أحلامك. اليوم عندما تدخلين أوّل دروسك ستحلمين أكثر، وستجدين أنّ الأحلام ممكن تحقيقها بالاجتهاد وأنّ المعادلة الحقيقيّة الّتي نعيش بها هي أن ننفّذ في الواقع ما نحلم به وإلاّ فما فائدة الاحلام؟ افتحي الباب بنيّتي، واخرجي إلى هذا العالم الكبير ولا ترهبي. لن تبتعدي. فكلّ ما في الأمر أنّك تعودين إلى العاصمة حيث كانت دروسك الأولى قبل المدرسة، وهي كما احتضنتك صغيرة ستحتضنك اليوم. أنا أيضا أحاول أن أستوعب فكرة أن لا تكوني معي كلّ اليوم وأن تعيشي بعيدة عنّي، ولكن هذا الابتعاد ضروريّ لتكوني كما تريدين. ولأراك تحصلين على شهادة عليا. أطلقي العنان لطموحك وحلّقي بجناح الأمل وعودي إلى الأرض لتجعلي حلمك واقعا. سنكون معا دائما وردتي الجميلة وسأسقيك من حناني وحبّي كما فعلت دائما. ابتدأتِ طريقكِ وافتتحتُ نهاري بالدّعاء لك وبخفقات من قلبي أرسلتها وراءك تحرس خطاك وتحدو طموحك. حفظك الله ملاكي، كم تمنّيت أن أمسك من جديد يدك لأدخلك قاعة الدّرس، وتودّعينني بلمعان عينيك وتورّد خدّيك وهمسة حبّ من شفتيك تطردينني بها زاعمة أنّك كبرتِ ويمكنك الاعتماد على نفسك. وهيبة حمادي قويّة/تونس
الكاتب:
زهور العربي بتاريخ: الثلاثاء 18-09-2012 12:38 صباحا الزوار: 1778
التعليقات: 0
|