تفاحة بطارسة، الشاعرة والروائية التنويرية، التي ترفض أن يتعرّض وطنها العربي وأشقاؤها فيه إلى أي عدوان خارجي، تنتقد في روايتها «الرصاصة666»، الحروب الداخلية التي يتعرض لها هذا الوطن، ضمن ما سمي بالربيع العربي، الأمر الذي أسفر عنه تهجير سكان بعض أقطاره من مناطقهم الآمنة، إلى مخيمات رملية، وموت بعضهم في البحر، أو عبر الغام الطريق، ولم تترك الروائية المهجرين وحدهم، بل وصفت أوضاعهم في الخارج، مبرزة انتهاكات الدواعش: الاغتصاب، والقتل، والجرح، والخطف، والأسر، مشيرة إلى دورة الاعلام في الكشف عن ألاعيب الدوعش وعيوبهم ومواقفهم المتآمرة، ومنتقدة العملاء ودورهم في سفك دماء الثائرين ولو بالأحلام، ومنتقدة أيضا ملاحقة التنويريين لبعضهم، حتى وصل بطل الرواية إلى حالة قال فيها إنه لم يعد يعرف من معه ومن ضده، هذا عدا عن نقد الروائية الساخر لأبناء جلدتها وهم يفتكون ببعضهم ، مسلطة الضوء على دور الدول النفطية ، مركزة على تجدد الحياة في الرواية وسط الخراب والدمار والموت، فـ»رعد» الغائب عن الخيام تلد زوجته بنتا اسمتها «رجاء»، وللأرقام في الرواية دلالات مهمة، فرقم خيمة عهود202ورقم خيمة سلمى606، ورقم الرصاصة التي قتلت الأب 666، هذا عدا عن خوض الرواية في عدد من القضايا الانسانية ومنها الحب، والصبر، وقد اختتمت الرواية بقول علي بن ابي طالب: «سأصبر حتى يعلم الصبر أني صبرت على شيء أمر من الصبر».
وفي الوقت الذي كانت فيه بعض شخصيات الرواية سلبية، فإن بعضها الآخر كان في قمة الوعي واليقظة، وساهم في المقاومة، عبر «ثورة الخيام»، والتي كانت انطلاقتها من خلية في «البيت الجبلي» الذي استحال إلى قلعة للحب والحرب، بل إن بطل الرواية نفسه كان مثقفا، فهو يسترجع تجربة حنا مينا في سوريا، وثورة عمر المختار في ليبيا، وأشعار الشابي في تونس، ورواية السوداني الطيب صالح موسم الهجرة من الشمال، وقول نزار قباني: «كل وزارات الإعلام تدق على الطبلة»،ويضيف: سنكتب حكايتنا في كتاب نسميه «عودة الأقحوان»، وحين كانت الشخصيات النامية تغيب، بالموت أو غيره، فإن الروائية كانت ترفدها بشخصيات جديدة كـ»سارية» الباحثة الاجتماعية في المخيم التي ظهرت في نهاية الرواية.
ويتنقل قارئ هذه الرواية التي سيّست الأدب، وتحرّكت في اقانيمه الثلاثة: «السياسة والدين والجنس»، بين حالاتها المختلفة، فهو في حضرة الرواية السيكولوجية حينا، وفي حالة رواية أدب الحرب، وأدب المخيم، والأدب التحريضي في حين آخر، علما بأن الجنس كان آخر اهتمامات بطل الرواية، رغم قوله: «وتذوقنا لهيب الشهوات»، وعلما بأن هذه الرواية اهتمت كثيرا بـالتكامل بين الرجل والمرأة، وكثيرا ما كانت العلاقة بينهما قائمة على الحب والعشق، وقد تبدى ذلك في قصص الحب الواردة فيها بين كل من»عهود ويوسف»و»سيف وشهد»، و»سارية وحسام»، و»صخر ونتالي»وغيرهم.
تالفت الرواية من أحد عشر فصلا، ولكل فصل منها حكايته التي ترتبط بسابقتها ولاحقتها، ومصاغة بأسلوب يتكئ على توالد الكلام وتدفقه، مع الإسهاب في التفاصيل، واللجوء إلى الحوار، وإلى المفارقة، ولا سيما بين:» العودة والغياب، الفرح والحزن، الموت والحياة، الليل والنهار، الحب والحرب»، وعدا عن أهمية التأثر والتأثير في الرواية، فقد لجأت تفاحة بطارسة إلى النهاية المفتوحة، وإلى تقنية الحلم، وإلى التداخل بين الرواية والشعر وخاصة على صعيد الصور الشعرية والتجسيد والتشخيص، عدا عن امتلاء الرواية بالمونولوجات الداخلية والتداعيات، وامتزاج بعض أحداثها بالمشاهد السينمائية، وبالفن التشكيلي من خلال الصور البصرية، والأهم هنا، ابتعاد الروائية عن القصة التسجيلية، وفصل الرواية الأدبية عن الرواية التاريخية، واتباع الروائية اسلوب وجهات النظر المختلفة، وطغيان الواقعية على الرواية، في الوقت الذي طغى فيه الخيال على اسلوب الصياغة وعلى عملية السرد.