مازلتُ يا أمّي أحنُّ إلى حشرجةِ الهاتفِ
وأنتِ تبحثين عن الزرِّ المناسبِ كَي تردِّي
والتَّوترُ يزحفُ عليكِ
مخافةَ أن تنقطعَ المكالمةُ
قبل أنْ تَسمَعي صَوتي
وتعرِفي ما عِندي
وتُهمهمين لاعنةً الجهلَ والعجزَ
وقد بدأ اليأسُ يعرِفُ طريقَه إليكِ
أرفعُ صَوتي...
بكُلِّ ما أوتيتُ مِن حبِّ
وقلبي يكادُ يتفَطَّر شفقةً عليكَ
أطَمئِنُكِ؛
أنْ أبحثِي عن زرِّ الجوابِ على مَهلكِ
فأنا أتقنُ فنَّ الانتظارِ...
عُمري كلُّهُ لكِ يا رَيْحانتي
أنتظركِ بلا مللٍ ولا كللٍ
ألم تنتظرِي وهنَ بطنِك؟ وأنا هنالِك أكبرُ على راحَتي!؟...
ألمْ تتَلهّفي بصبرٍ إلى شهرِك التَّاسِعِ يأتي على مَهَلّ؟
ألَمْ تحمليني وَهَنًا على وهَنٍ
حتّى عليكِ أُطِلُّ؟
ما أجملَ أن أنتظرَ صوتَ أمِّي...وأناعلى يقينٍ أنّه سيصلٌ في النّهايةِ
صوتُك سيمسَحُ قلقِي
سَيسكبُ في ثنايا الروحِ حلاوةَ الطمأنينةِ والسَّعادةِ
صوتُك كالعسَلِ
لم يُسعفْني عمرُك أن أنتظرَ أكثر
يا أمِّي
وذاك الهاتفُ خَرَس إلى الأبدِ
كلُّ صوتٍ دونَ صوتِك يصفَعُني بالسُّكونِ
ينتزعُ سكينتي...حُرمتُ مذاقً العسلِ
أنا أسترجعُ ذبذباتِ حروفِك التي أنتظرُهَا ولا تصِلُ
فأشرَقُ بدمعِي
وألعنُ الهاتفَ
حتَّام يتربَّصُ بي هذا الانتظارُ
حتَّامَ يرجِف خافقِي كلّما رنَّ الهاتفُ
صَباحاتي كانت تبدأ بإشراقةِ صوتِك وجميلِ أُمنياتِك
وشهيِّ دعواتكِ
ومَساءاتي لا تَنقضي إلا بلذيذِ حديثِك وأحلى كَلماتِك
وبين الصّباحِ والمساءِ
كان اللّقاءُ أيسرَ السُّبلِ
لعناقكِ والتمتعِ بدفءِ حِضنِك
وامتلاءِ عيني بنورِ وجهِك والقُبلِ
في أوقاتِ العملِ، كنتُ أخرُج بين الحصّةِ والحصّةِ لأطمئنَّ عليكِ
أكتفي بسماعِ تلكَ الحشرجةِ والهمهماتِ أحيانا
فأتأكّدَ أنّك بخيرٍ فيختفي وَجلي
يا أمّي كم ينقصُني اليومَ صوتُكِ والحشرجةُ والهمهماتِ
أشتاقُ للرائحَة والصّوتِ والدّعواتِ
يا أمّي أحنُّ إلى خبزِك وإلى حَليبِك
ويَحرقُني شوقُ مغِيبكِ
أرى العالمَ قد تَهاوى ولا شيءَ فيه جميلٌ
فهذه أمّي تخطّفَها الموتُ منّي
مضت نحوَ دَربِ الرحيلِ
وبعد الغياب عمّ السكون
كيفَ أرتّبُ فوضَى الحياةِ
لقد اختلطتِ الأسْماءُ بالأصواتِ
وشَوٍَهَ القبٌحُ كلَّ أصيلٍ
الغيابُ سرقها مني بلا خجلٍ
كلُّ شيءٍ تمَّ على عَجلٍ
وقلبي عليلٌ
يا أمُّ
أنت معي في كل حينٍ
صوتُك نِبْراسي
وصاياك درعِي، هي الدليل
أشياؤك حُرَّاسي
عطرُك، شالُك، ابتسامتُك
حديثنُا الجميلُ
مناراتٌ اهتَدي بهَا
لأجتازَ أحزَاني
حتّى أكونَ كما تحلمينَ
فراشةً ساحرةً بلا مثيلٍ
يا أمُّ انتِ محالٌ تموتين لأنَّك
صَوتي وعَطريِ وفخري الأثيلُ.