|
|
||||
هيئة إدارة تحرير مجلة عاشقة الصحراء التي تعنى بقضايا المرأة العربية والأدب والفن | ||||
أزهار اللاتنسيني الزرقاء
عاشقة
الصحراء :
خلود الواكد جلستْ أمام المرآة تسرّح شعرها الأشقرَ المنسدلَ حتى خاصرتيها. كانتْ ساهمةً كأنها تنظر في بئر ليس لها قرار. تتسرّب التعاسة من جميع مساماتها، لقد رحل دون أن يترك عذرًا. كان كاتبًا، وكانت في حياته هامشًا لا نصًّا، تركها جملةً بلا نقطة في نهايتها. تذكّرتْ قول أمها لها: «الرجال لا يتقنون البقاءَ طويلًا في أيّ مكان، ولا مع أيّ امرأةٍ، وإن يبقوا فيبقوا مرغمين بلا حبّ»! نفضتْ رأسها قبل أن يشتعل بأفكار ستلقيها في غيابة البكاء، نهضتْ وأعدّتْ لنفسها فنجانًا من القهوة، ثم روتْ «زهرة اللاتنسيني» التي وضعتها في أصّيص صغير على مكتبها، كانت أولَ شيء أهداه لها، ثم وقفتْ على النافذة بعينيها العسليتين اللتين كانتا كعينيْ طفلٍ على أُهْبَةِ البكاء. أخذتْ تراقب كومةً من أوراق الشجر الصفراء تطير بها الريح في الحديقة. ترتشف القهوة على مهلٍ، لقد جفّفها صيفٌ قاسٍ طويلٌ، كانتْ السماء رماديةً مقفِرةً، والمدى يتضاءل رويدًا رويدًا، يبتلعه ضبابٌ كئيبٌ، تذكّرتْ أنّها لم تخرج لتركضَ – كعادتها - في الغابة المجاورة هذا اليوم. الركض إحدى العادات التي ابتكرتْها لتنسى غيابَه، أو لتنسى أنّها كانتْ تعيشُ أملًا كاذبًا، لم تكن قادرةً على تحديد الخسارةِ، هل كان في غياب غير مبرّر، أم أن حضوره هو ما كان يجبرها على الحذر والتوجّس من ردود فعله غير المتوقّعة في الآونة الأخيرة، أو أنها لا ترى نفسها مع شخص آخر غيره، بعد أن اعتادتْ على أنهما مختلفان في كلّ شيء، وأن عليها ألا تنتظرَ أحدًا، فالفراغ الذي خلّفه وراءه لا يملأه أحدٌ. أخذتْ تركض كأيلٍ مذعورة، لا يقف في طريقها أحدٌ، تتنفّس بوتيرةٍ متسارعةٍ. العرق يتصبّب من جميع مسامِّ جسدِها، ومن شعرِها الذي تحرّر من قبضة ربطة الشعر، فتبلّل هو أيضًا، على الرغم من أن الجوَ كان باردًا، في يوم تشريني يقف بارتباكٍ بين فصلين. لقد كانت كجذوةٍ لا مطرَ يطفئها، ترزح تحت صمتها. فجأةً، ظهر لها رجلٌ يركض في الغابة، كان كشبحٍ، شاحبًا، أصلع الرأس، نحيلًا، توجّستْ خيفةً حين رأته، حاولتْ ألّا تنظرَ إليه مباشرةً، وأن تشيحَ ببصرها عنه. أخافها أنّها وحيدة في غابة خاوية، ركضتْ بأسرع ما تستطيع، وهي تستمع إلى صوت طبلٍ يدقُّ في صدرها. هيّأتْ نفسَها للصراخِ، وحاولت أن تعثرَ بعينيها على عصًا قريبةٍ، تدافع بها عن نفسها في حال حدث ما لا يُحمَد عقباه من رجلٍ غريبٍ مخيفٍ. حاولتْ أن تشجّع نفسها بأنه ليس هناك ما يخيف، من المؤكّد أن ثمة أحدًا في الجوار إن تعرّض لها بمكروه. دون أن تنتبهَ تجاوزَها، بصمتٍ دون أن يحدِثَ أيَّ صوتٍ، كأغموضةٍ. لم يفعل لها شيئًا. شعرتْ بالراحة والطمأنينة، لكنّه لا يزال قريبًا منها، مرّتْ بها رائحة عطره، حاولتْ أن تتذكّر أين اشتمّتها من قبلُ. شعرتْ به يتوقّف، رنّ هاتفه، كانتْ رنّة تعرفها، إنها حلّاق إشبيلية، المقطوعة الموسيقيّة التي تفضّلها. خرج صوته واهنًا، مثقلًا بالتعب أو المرض، هكذا افترضَتْ، توقّفتْ تحت شجرة السنديان خلفه، اتكأتْ عليها، تفتعل ربط حذائها لتسترقَ السمعَ. كان صوته مألوفًا، رغم عباراته القصيرة المقتضبة، وصوته الذي أقصاه صوت الريح. لم يلبث طويلًا، رمقها بغموض، لفّ وشاحه البنيّ على رقبته، أغلق معطفه الرماديّ ثم رحل، تركتْ نظراته أسئلةً غامضةً بلا إجابات، مضتْ تُكمل مشوارها إلى البيت، صادفها حارس الغابة، ناولها رسالةً، أخبرها أنها من رجل يرتدي وشاحًا بنيًّا ومعطفًا رماديًّا. تناسلتْ الأسئلة والإجابات عقيمة، دخلت البيت على عجل، فتحتْ الرسالة، لسبب غامض لا تدركه كانت يداها ترتجفان، قرأتْ: «اليومَ، ستكون آخر جرعة كيماوي، إذ لم أعد، سأدفن في الغابة تحت شجرة السنديان التي اتكأتِ عليها، وإن عدْتُ أنتظرك هناك ومعي أزهار اللاتنسيني الزرقاء». جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
سكرتيرة التحرير مريم حمدان بتاريخ: الجمعة 16-08-2024 10:53 مساء الزوار: 139
التعليقات: 0
|
العناوين المشابهة |
الموضوع | القسم | الكاتب | الردود | اخر مشاركة |
افتتاح معرض فن تشكيلي للفنانة هيام خروب ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الجمعة 07-06-2024 |
الزرقاء: افتتاح المعرض الثامن للفنانة ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 12-02-2020 |
افتتاح معرض " آفاق لونية " ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الثلاثاء 20-11-2018 |
(الأردن أفكار وأزهار).. معرض في جاليري ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأحد 07-05-2017 |
الزرقاء: افتتاح معرض فني بعنوان ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الخميس 23-03-2017 |
"لمسات لونية" معرض للفن ... | الخاطرة والفن والتشكيل | سكرتيرة التحرير مريم حمدان | 0 | الأربعاء 15-03-2017 |