- ما الذي جاء به هذا الصباح ؟ الدروس تسير عادية، و تلامذتي يستوعبونها في يسر، و البريد لم يحمل اليوم منشورا جديدا عن وزارة التعليم، فما الداعي لهذه الزيارة؟

سمعت صوته يأتيها عبر الجهاز عذبا حنونا. ارتبكت أكثر أحمر وجهها خجلا و كأنها بنت السابعة عشر، حلقت مع الصوت القادم من بعيد لحظات، انتبهت بعدها لوجود المدير بجانبها و نظرات تلاميذها، فأنهت المكالمة على وعد باللقاء...

ماهو باللقاء الأول. ولكن كل لقاء له مذاق البداية.
عادت جذلي... نشوة لقائه لم تغادرها... لتحفظها و تذكيها حتى اللقاء القادم.
فتحت حقيبتها و أخرجت المفتاح و جعلت تعالج قفل الباب لكنها لاحظت غياب خنصرها من بين أصابع يدها. تتثبت فتحققت عدم وجوده بين أصابعها عدتها و كررت العد و النتيجة واحدة . يئست... جزعت... حزنت... ذرفت تساءلت: 

أين اختفى إصبعي؟ ... كيف اختفى؟
أيمكن أن يكون قد سقط مني في مكان لقائنا؟ عادت أدرجها مشطت المكان نقبت لا جدوى... أين إصبعي؟
استعادت تفاصيل اللقاء...

أمسك بيدها و ركضا بعيدا بعيدا حلقا كعصفورين. حدثها كثيرا... نسي أرقام البورصة و المصاعب التي تمر بها شركته و أنساها منطق- أفلاطون-وعقلانية -ديكارت- و بيداغوجيا التعليم. غفت بين يديه، لملمت أصابعه خصلات الشعر عن وجهها... رسم قبلة حارة على الجبين البارد... ارتعش الجسد.
ضمها إلى صدره ضما و كأنها سمعته يهمس بالكلمة العجب...

تنهدت و كأنها تجيب: أي سحر لهذه الكلمة؟ 
ترددت و هو ممسك يدها المرتعشة بين يديه الحنونتين الدافئتين أتخبره عن ضياع إصبعها؟ و لم تخبره...
حين كانت تعالج قفل الباب مرة أخرى لاحظت اختفاء بنصرها... دار رأسها ... وغشي بصرها..
تكررت لقاءاتهما و تكرر اختفاء أصابعها الإصبع تلو الإصبع، الخنصر و البنصر و الوسطى و السبابة و الإبهام.

بعد كل لقاء تفقد إصبعا من أصابع يدها اليمنى ثم اليسرى. و لم تبح له بالسر، وحدها تحملت جزع الفقد، و لهيب الحيرة.

عند عودتها بعد لقائها آخر مرة افتقدت أحد أصابع قدمها اليمنى و عرفت أن دور بقية أصابع رجليها آت لا محالة فعزمت أمرا: عند ذهابها للقاء المقبل ستقتلع ما بقى لها من أصابع و تتركها مخبأة في البيت و تحكم إغلاق بابه...

عادت جذلي وواثقة أنها هذه المرة لم تفقد أي إصبع من أصابعها فتحت الباب، اتجهت مباشرة إلى مخبأ أصابعها تحسستها، عدتها ، ابتهجت، أعادتها إلى مكانها من قدميها و هي مطمئنة... و لكن حين وقع بصرها على المرآة المعلقة في الممر جمدت نظراتها و هي تتأمل مكان أذنها اليمنى فارغا.
فجر 6 ماي 2001

بسمة البوعبيدي 
تونس