«الصخرة وما تبقى» لفيصل حوراني.. رواية الأصوات المتعددة
عرار:
د. إبراهيم خليل شاعت ظاهرة الأصوات المتعددة في الرواية منذ نشر لورنس دارييل روايته رباعية الإسكندرية The Alexandria Quarter 1957فقد كتب العراقي غائب طعمة فرمان رواية بعنوان خمسة أصوات، نشرتها دار الآداب ببيروت1967 اتبع فيها تقنية السرد القائم على اختلاف زوايا النظر Points of view وما فتئ آخرون يسلكون هذا المسلك في رواياتهم، وينهجون هذا النهج، ومن هؤلاء نجيب محفوظ في روايته « ميرامار «1967، وجبرا إبراهيم جبرا في رواية «السفينة «1970، ويوسف القعَيِّد في روايته «الحرب في برِّ مصر «1974، وقد توافر هذا النوع وفرة دفعت بأحد الدارسين لدراسة هذه الظاهرة في كتاب بعنوان: وجهة النظر في روايات الأصوات العربية (*) . وفيصل حوراني، الذي يواصل كتابة الرواية منذ 1972 دون أن يلتفت إليه النقاد، يطالعنا في « الصخرة .. وما تبقى « برواية جديدة (رام الله 2018) يتَّبع فيها تكنيك « وجُهاتِ النظر « مستخدمًا خمسة شخصيات تتعاقب على سرد الحوادث التي تتألف منها الحكاية نفسها: حكاية الفلسطيني الذي ولد، ونما، وترعرع في أحضان الحروب، التي تتخللها وقفاتٌ قصار لإطلاق النار، ومهادناتٌ لا تخلو في طبيعتها الارتجالية من مؤامرة. ففيصل الحوراني، كدأبه في بير الشوم، وسمك اللجة، والمحاصرون، وحياة حِصار، وروايته الأخيرة هذه، لا يفتأ يتناول المشكلة الفلسطينية، وتبعاتها، وتأثيراتها على شخصيات رواياته، ونماذجها الإنسانية المسحوقة، والمهمَّشة، وحتى الوصولية، والانتهازية، والفاسِدة، المنتقاة ببراعة فنية لا يخطئها النظر. وهذه الرواية تجمع بين فضاءَين: فضاء الداخل؛ غزة، أريحا، الضفة، وتلك التي احتلَّت عام 1948 – عام النكبة- وفضاء المنفى الذي تقلبت فيه مصائر الشخصيات، ومآلاتها، في عمان، ودمشق، والقاهرة، وفي الكويت، وتونس، وبيروت، والجنوب اللبناني أيضًا. فبطل هذه الرواية، إذا ساغ أن نسميه بطلا – سالم المؤتمن- ولد في الليلة التي اسْتشهد فيها أبوه دفاعًا عن مدينته يافا في العام 1948(ص12) لتجد الأسرة نفسها مضطرة للنزوح: الأم، وصبيٌ في الثانية عشرة (فادي) وثلاثٌ من البنات، وحديث الولادة(سالم). وجدتْ هذه الأسرة ملاذا في مخيم بعمان. ويروي سالم- في ما يشبه الاعترافات – ما لقيته هذه العائلة من معاناة، حتى إذا كبر فادي، وأتيح له العمل في الكويت، تمكن من أن يبدل السقيفة بيتا، أما الفتيات الثلاث فقد زُوِّجْن، وغادرن مع أزواجهن، وبقي سالم وأمه وحدهما فيه، حتى إذا حقق نجاحًا في الثانوية العامة رُشِح لدراسة الطب في جامعة دمشق على نفقة أخيه فادي. وعلى الرغم من أن الراوي- ها هنا- وُلد في العراء، خارج مدينته يافا، إلا أنه لا يفتأ يتصور منزلهم الذي أجبروا على مغادرته عشية النكبة، وقد تمكن من تكوين هذه التصورات عن طريق الذكريات، والمحكيّات السردية، التي تكرِّرها الأم، مذكرةً بذلك المنزل الذي اقتلعوا منه اقتلاعا، ليقضوا حياتهم ملتحفين بالحنين إليه صغارًا وكبارًا. يقول في اعترافاته هذه: « كبرتُ قليلا وكبُر الوطن فيّ. لم يعد هذا الوطن هو دارنا في يافا. بل صارتْ يافا كلُّها هي الوطن « (ص 17). أي أنَّ سالما، الذي لم يعش يوما واحدا في يافا، كوَّن لنفسه صورًا عنها من تلك الحكايات التي ظل يسمعها من أمه تارة، ومن أناس المخيم تارة أخرى. وعلى الرغم من أنه لم يعش في تلك الأيام التي شهدتها البلاد في الحرب عام 1948 إلا أنه بخياله المفعم بالحنين كون لنفسه أيضا فكرة عن الخيانات المتكرِّرة التي آلتْ بالوطن إلى ضياع (ص21). نشاط سياسي وفي العام 1965 يكتَشِفُ سالم، وهو على كثبٍ من تقديم امتحانات الثانوية العامة، أنّ شقيقه المقيم في الكويت ذو نشاط سياسي سري، وقد تأكد له ذلك عندما زارهم أحد النشطاء في منزلهم في المخيم ليخبرهم بأن فادي معتقل، ليظهر بعد ذلك أن فادي هو أحد الأشخاص الذين بكَّروا في تنظيم حركة « فتح « التي أطلقت الرصاصة الأولى في يناير – كانون الثاني- من العام 1965(ص23). وعندما أُطلِق سراحُهُ طلب من أخيه مغادرة دمشق للدراسة في القاهرة، وعهد إليه بقيادة فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين (ص25). وفي الأثناء يروي لنا حكاية العملية الفدائية التي استشهد فيها فادي، فقد وقع فريقه في حصار استطاع أنْ يفتح ثُغرة فيه، فنجا أفراد الوحدة باستشهاده هو، ضاربًا بذلك مثلا يُحتذي في القيادة(ص 27). وعلى هذا النحو تمْضي الرواية بنا إلى أن يصبح سالم آمر قاعدة عسكرية في الجنوب اللبناني (ص29). ولا يمنعه إخلاصه للتنظيم من أن يراقب ما فيه من فساد، لا سيما في صفوف القيادة: فساد في الذمم، فساد في الإدارة، فساد سياسي، فساد تنظيمي.. « وسرعان ما وجدْتُني في فريق المتذمِّرين « (ص21) لذا كان لا بد من إبعاده عن القواعد(ص33). ومما زاد الطين بِلَّة إبعادُ المقاومين طرًا بعد الاجتياح الإسرائيلي للجنوب 1982 إلى ليبيا واليمن والجزائر والعراق، أما القيادة فاختارتْ تونس. (ص36) الرواية والتاريخ تبدو لنا مسارات الرواية وكأنها تسجيلٌ وثائقيٌ لمسيرة المقاومة، ولكيْ تتجاوز الرواية الاستعادة السردية لما جرى، وحدث، فقد اخترع الكاتب شخصياتٍ أربعًا إلى جانب هذه الشخصية عهد إليها بإعادة الحكاية، ومن هؤلاء (أم فادي) وأمير قاسم، وحازم المدني، وسامر البَعْنيني. ومع أنه يتيح المجال لكل شخصية من هذه الشخصيات كي تروي الحكاية من زاوية رؤيتها لها، إلا أنه لم يُتحْ لفادي مثل هذه الفرصة. علاوة على أنه أهمل الفتيات الثلاث، إلا ما كان من شأن (ساجية) التي ساءت علاقتها بزوجها، وعادت من أميركا إلى المخيم، وهي تعاني من تدهور صحّي، مما أضفى على الرواية، وعلى حكاية سالم، جوًا عاطفيًا يكسر حِدَّة ما في مروياته من جفاف. خيبة وإحباط تستوقف الراوي سالم، بصفة خاصة، الأخبار التي تتناقلها وكالات الأنباء عن مفاوضات تجري بين القيادة الفلسطينية والعدوّ، مفاوضاتٍ علنية في مدريد، وأخرى سرية في أوسلو بالنرويج. ووقع خبر توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى على سالم وقوع الصواعق، على الرغم من أنه لا يعارض، من حيث المبدأ، التسوية السلمية بدليل أنه لم يعترض على قرار مجلس الأمن 242. وقد ظنَّ، لأول وهلة، أن في هذا الاتفاق حلا – ولو مؤقتا- لمعاناة الملايين من الفلسطينيين المنفيّين منهم في الشتات، والصامدين في الوطن. لهذا اختلف مع أمه التي لم ترَ في الاتفاق إلا مؤامرة جديدة تذكرها بما حدث عام 1948. وأنه لا يعدو أن يكون حلقة أخرى في المسلسل الدموي المستمرّ منذ ذلك الحين. ولم تجد آراؤها أذنًا مُصْغية لدى سالم الذي أبرق من فوره للقائد الرمز مهنئًا، قائلا: « أنا الثائر الذي أهَّلته الثورة لأقسى الظروف، أضع نفسي تحتَ تصرُّفكم، على الطريق إلى نصرنا الكبير.. « (ص60) على أن سالما، بُعيْد قدومه لغزة، واستمراره مدة متنقلا بينها وبين الضفة الغربية، يعود إلى المخيم في عمَّان. وقد امتزجتْ مشاعر الأم بين الرضا والسخط: الرضا بعودته أولا، والسخط - ثانيا- لما كان يُهيمن عليه من إحساس قوي بالخيبة. أم فادي في هذا السياق يدير الكاتبُ عَجَلة السرد لتحتلَّ أم فادي مركز الراوي، على طريقة الرواية التي تعتمد وجهات النظر(ص63). فهي تفرق بين كلمتي عودة وإقامة. فالإِشعار الذي تمنحه إسرائيل لمن عادوا من تونس يمنحهم حق الإقامة فقط، لا العودة (ص66). وهذا اصطلاح يرسخ لديها الاعتقاد والقناعة بأن ما يقال عن اتفاق أوسلو غير دقيق، ولا يعدو أن يكون ضربًا من الأكاذيب التي تذكرها بأكاذيب العام 1948. وهي لا تطمئن لرئاسة القائد الذي لم يكد يوقع الاتفاق حتى أعلن نفسه رئيسًا لدولة فلسطين، ولما تنشأْ هذه الدولة حتى على الورق. وهوعلاوةً على ذلك رئيس كلّ مجلس فلسطيني، المستحوذ على جُلّ الصلاحيات (ص84). لذا لا ترى في ما يظنه سالم حلا سوى ورطة جديدة، والتفاؤل الذي يشعر به سالم وغيرُه ينقلب- في رأيها، بعد زمن قصير- إلى يأس، بل إلى فجائع(ص87). وهذا ما تشاطرها الرأي فيه أم أمير صديقتها في أيام العزّ بيافا بفلسطين (ص89). واللافتُ أن المؤلف حوراني يحاول إقناعنا - في هذا الفصل - بأن لدى المرأة الفلسطينية وعيا سياسيًا لا نجده لدى الشبان. فقد حزَّ في نفسها، وهي التي تذكرنا بأمّ سعد لغسان كنفاني- قول سالم لها، وقد احتد نقاشهما: ما لَكِ وللسياسة ، أنتِ لا تفهمين في هذا. وهي تؤكد - في ما يشبه المونولوج - أنها نشأت على السياسة في البيت، وفي المدرسة، وفي حياتها اليومية.. سياسة في سياسة (ص71). وهي لذا نموذج نسائي يتخطى المألوف، والسائد. والمؤلف يسلط الضوء على هذا الجانب مهملا ما لقيته من معاناة، ومصاعب، في تربية الأبناء، والحدب عليهم، وإغراقهم في الحنان. وهي بسبب ذلك تنتسب إلى ما يعرف بالشخصيات النمطيَّة الثابتة flat التي لا تُرى من إلا من جانب واحد لا من جوانبها كافة. أمير قاسم أما أمير قاسم، وهو من الشخصيّات الأربع التي كانت على علاقة وثيقة بالشهيد فادي، وبسالم، فقد عاش طفولته وصباه في دمشق. وواجه الكثير من المشكلات مع السلطة, وفُتح له ملفٌ في الأمن السياسي على أنه فارٌّ من الخدمة العسكرية. وابتَهَجَ هو الآخر بالإعلان عن توقيع اتفاق أوسلو، وازداد بهجة حين بُشر بأنه أول لاجئ يحظى بالموافقة على طلب القدوم إلى غزة (ص 100). ولكن فرع فلسطين في الأمن السوري حال بينه وبين السفر، واشترطوا عليه، لكي يسمحوا له بالغادرة، أن يدين اتفاق أوسلوا علنًا. قال له ضابط المخابرات « تعهدتَ أن تمتنع عن أي نشاط سياسي يخالف سياسة القطر، وسياسة القطر العربي السوري تدين اتفاق قيادتك مع العدو. ولن تسافر إلا إذا أدنْتَ هذا الاتفاق» (ص101 ). تمكن في النهاية من المغادرة بجواز سَفَر مزوَّر، وعلى الرغم من حماسته لهذه العودةـ، فقد واجه الكثير من المنغصات التي لا تختلف عن تلك التي واجهت سالم، وروى لنا بعضها في الفصل الخاص به في الرواية. فمنذ دخوله غزة، وهو لا يفتأ يقعُ بصرُه على مشاهدَ تنمُّ على سطوة الاحتلال، وهذه السطوة تبدو أكثر قسوة وتشدُّدًا من ذي قبل. فحضور الاحتلال تضخَّم بدلا من أن يتقلص. والمستوطنات اتسعت بدلا من أن تضيق. والمستوطنون ازدادوا بدلا من أن تتراجع أعدادهم. وتحكُّمُ المحتلين في كل صغيرة وكبيرة لم يتغير، بل ازداد سوءًا. وثقة الزعماء الإسرائيليين بقدرتهم على الخداع والمناورة بلغت الذروة. وعجز السلطة أظهر من أن يخفى على الأعشى والبصير. وزاد الطين بِلَّة استِشْراء الفساد فيها وأيّ فساد.(ص125). ولهذا سرعان ما انطفأ بريق الهوس بالاتفاق، وقفل أمير عائدًا من حيث أتى. ولسان حاله يقول: إذا كنا
قد تراجعنا في المستوى الذي كنا عليه قبلا، فكيف نأمل الوصول إلى المستوى الأرقى، كيف؟ (ص127). البَعْنيني والشخصية الرابعة في هذه الرواية لم يسبق ذكرُها ضمن من ذكروا من رفاق (المصطبة) ولعله هو الشخصية التي أشار إليها سالم دون أن يذكر لها اسمًا، ووصفها بالثعلب المتقلب، والمتغيِّر المتسرّع رأسًا على عقب. وهو سامر البعنيني الذي يشغل مركز الراوي بعد أمير. ومن روايته للأحداث يتضح ألا هَمَّ له سوى تكديس الثروة، وتقديس المال. أو هذا على الأقل همه الوحيد بعد أن رفع راية الاستسلام، طاويًا راية الكفاح المسلح(ص131). وكان قد بدأ مشوارَهُ السياسي بتنظيم يساري متطرف على مذهبي ماوتسي تونغ، وجيفارا (ص139). ولكنه ترك اليسار، واتجه إلى فتح، مسوغا هذا التحول بالانتقال من الأقلية إلى الأغلبية أولا، وثانيا لأنه سئم الشعارات الرنانة التي يتشدق بها اليساريون.. وهو لا يرى في اتفاق أوسلو فخَّا مثلما يراه سالم، أو أمير، أو حازم المدني. بل يعده فرصة على طريقة» خذ وطالب « (ص152). ومن موقعه الجديد في السلطة، وقربه من القائد الرمز، توسَّع في أعماله التجارية، واستثماراته العقارية الخاصة، مع أنه لم يكن يملك- وهو في بيروت- شروى نقير. ولهذا يبالغ خصومُه في تعداد مثالبه، فينعتونه بالفاسد، والمنتفع، وذلك كله لا يصدر إلا عن حسد في رأيه(ص152- 153). ومع إقراره بفساده يتحدى الجميع أن يمسكوا به متلبّسًا بالجرم المشهود، أو أن يقدموا دليلا واحدًا يدينه. وهو مقتنع – قلبيًا- بأن اتفاق أوسلو (مقْلَبٌ) ومع ذلك يصر على التمتُّع بما يجنيه من هذا الاتفاق، فإذا أفضى هذا الدرب إلى مُستراح، فإنه غاية المنى، وإلا ، فلا أقلَّ من أن يظفر بهذه الثروة، فيهنأ بها، ويتجنَّب الكثير الجمَّ من الكوارث. (ص158) حازم المدني ولا يحرجُ الشخصية الأخيرة في هذه الخماسية السردية - وهي شخصية حازم المدني- أنْ تبدي رأيها في مرويات من سبقوها، فسالم باح بما لديه (فَشّة خُلُق) وأمير قاسم بيَّن سبب تغيُّره، وتنقُّله، من موقف لآخر. وأم فادي- كعادتها- لا تقول إلا الصدق. والبعنيني دافع عن نفسه (ص159). وحازم لا يختلف عن سالم في أنه يتقبل التسوية السياسية، غير أنه لا يؤيد اتفاق أوسلو. وهو موقفٌ يُغضب الإسرائيليين؛ لأنهم يفضلون من يرفض التسوية رفضا تامًا، أو يقبل بها قبولا لا يُعارض معه هذا الاتفاق. وهو الوحيد من بين الأشخاص الخمْسة الذي يفْسَحُ المجال في ما يرويه لبعض الذكريات عن قريته بيت صفافا (ص166- 167). ولا يفوته أيضا أن يروي لنا شيئا عن دراسته في القاهرة، وعن دوره في الاتحاد العام لطلبة فلسطين. كان قد جرى التعارف بينه وبين فادي في الكويت، وعهد إليه بمهمَّات تؤدي إلى توثيق علاقته بقيادة فتح (ص179). وتعقيبًا على مرويات البَعْنيني يؤكد المدني أن سامرًا ليس عميلا ، وإن كان يحظى ببعض التسهيلات التي هيأت له النجاح في المجالين: اللصوق بالقيادة، وتكديس الثروة(ص184). وإلى هذا يُعزى موقفُه الدفاعي من الاتفاق، ومن المفاوضات العبثية التي تستمرّ على هيئة إملاءات يضطر فيها المفاوض غير الكفء للخضوع إزاء المفاوض القويّ (ص187). ولذلك ساءت – في رأي حازم- ظروف الفلسطينيين بعد أوسلو أكثر من ذي قبل، وبلغ الأمر أن صاروا يترحَّمون على أيام الاحتلال الذي لم يزل. وموقف حازم هذا أفسد علاقته بالقائد الرمز الذي لم يعد يعرف إن كان حازم من أنصاره أم من خصومه. وهل هو متفق مع سياسته في إدارة شؤون الشعب الذي اختاره رئيسًا أم أنه يقف ضد هذه السياسة. وأخيرا: هل يستغل المدني سعة صدر القائد ليوسع دائرة المعارضين؟ وهو، أي القائد الرمز، يظنُّ ذلك، متناسيا أن سياسة استرضاء العدو لا تجلب إلا الخسران(ص190). ولا ريب في أن هذا الجدل يلقي الضوء على الأسباب التي تؤدي لانفصام عرى الصداقة بين حازم المدني والرئيس القدوة. أسباب دفعت به إلى اليأس، لذا عاهده على عدم اللقاء به أو المثول بين يديه إلا إذا قرر تغيير هذه السياسة. اليتيم الغريب ورب سائل يسأل: لمَ لمْ يتيح الكاتبُ الفرصة لفادي كي يدلي بروايته للحوادث، ورأيه في المجريات. صحيح أنه استشهد قبل الاتفاق، بزمن طويل، وقد كان استشهاده قبل حرب عام 1967. وقد يكون الكاتبُ – عن قصد أو غير قصد – يرمز بتغييب فادي عن تعاقب الرواة لما يظنه كثير من القراء، وهو أن الشهداء الذين روَوْا التراب بدمهم الزكي، وقاتلوا في سبيل التحرير والعودة، هم وحدهم الذين يحق لهم الكلام، ولكن السلطة التي تحتكر القيادة لا تمنحهم هذا الحق أولا، وهم لا يؤمنون ثانيًا بالكلام بوصفه وسيلة لتحرير الأرض، واستعادة الأوطان، فهم الذين يظفرون دائما في مهرجان المنتفعين بموقع اليتيم الغريب. * محمد نجيب التلاوي: وجهة النظر في روايات الأصوات العربية، ط1، دمشق: اتحاد الكتاب العرب، 2000 وكانت قد تناولت هذه الظاهرة يمنى العيد في الراوي والموقع والشكل، ط1، بيروت: مؤسسة الأبحاث، 1986 وتناولتها أيضا إنجيل بطرس سمعان في كتابها دراسات في الرواية العربية، ط1، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1987 وقد توقف عندها صاحب هذا المقال في بنية النص الروائي، ط1، بيروت: الدار العربية للعلوم (ناشرون) 2010 ص 87.
الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 18-10-2019 09:18 مساء
الزوار: 1179 التعليقات: 0