|
عرار:
عمان - موسى إبراهيم أبو رياش «قمرُ ورد» للكاتب الأردني رمزي الغزوي، رواية ماتعة لليافعين، وسياحة جميلة في العلوم والفضاء والسلوك والأمثال والحكايات الشعبية والتربويات والدراما التربوية والجغرافيا الأردنية والتاريخ وغيرها، وكل ذلك بلغة رشيقة، وسرد رائق مشوق، وترابط محكم بين الموضوعات، وتنقل سلس بينها. ومعظم الموضوعات والقضايا التي تناولتها الرواية تقدم فوائد جمة لليافعين والكبار على حد سواء، وهذا يُسجل للكاتب الذي قدم كمًا كبيرًا من الحقائق والمفاهيم العلمية بطريقة تطبيقية مبسطة تستهوي الجميع، على شكل مواقف وتحديات طريفة، ومشكلات مسلية، توصل المعلومة دون عناء. ففي العلوم، نجد مجموعة كبيرة من المشكلات والمواقف التي قدمت بطريقة ممتعة وذكية، تتحدى التفكير، وتقدم الحقيقة العلمية بطريقة تطبيقية لطيفة، مثل: تحديد اتجاه الماء في الأنابيب بالتسخين، البرق والرعد، الصوت والضوء، حماية كأس الشاي من الكسر، فصل الفلفل عن الملح، الملح يصهر الثلج، البطاطا تخفف ملوحة الطعام، دفء الثلج، العلكة تهزم الضغط وتقتل العصافير، آلية طنجرة الضغط، الكثافة وبيضة الزيتون، معرفة نضج البيض المسلوق، الصدى، الماء حارس الحلوى، الشمس تبرد البطيخ، النار تحرك الهواء وتلطفه، وغيرها وفي المفاهيم، أوضحت الرواية الفرق بين الذوبان والانصهار، فالثلج ينصهر ولا يذوب، كما فرقت بين مفهومي الضياء والنور، فالشمس مضيئةوالقمر منير، كما فصَّلت المقصود بأربعينية الشتاء وخمسينيتها التي تتكون من أربعة سعودات هي: سعد الذابح، وسعد إبلع، وسعد سعود، وسعد الخبايا. وتجولت الرواية في عالم الفضاء، وبينت سبب الاختلاف النسبي لحجم القمر من مكان إلى آخر، وأن الغلاف الجوي للأرض يدور معها، وأن القمر ينخسف، والشمس تنكسف، وسبب ذلك، وذكرت اعتقاد بعض الأقوام السابقة بأن خسوف القمر بسبب ابتلاع الحوت للقمر. وتعرضت الرواية لهجرة الطيور من مكان إلى آخر، وإلى ظهور الكمأة وشروطها وفوائدها، وكيفية إخراج السلحفاة من صدفتها، وضرورة المحافظة على وطن الكائنات، وكيف نبت التين في صخور البتراء، ومعرفة البطيخ الناضج، وقصة النمل والقمح، وكيف يمنعه من الإنبات. وتنقلت الرواية في الجغرافيا الأردنية ما بين صحراء الجيزة، والأغوار، والبتراء، والعقبة، ووادي رم، وجبل أم الدامي، وعجلون، وعمان وجبالها وخاصة عين غزال، والكرامة ومعركتها الخالدة، وقلعة الشوبك، ووادي شعيب، والزرقاء وغيرها. واحتوت الرواية طائفة من القصص الجميلة المعبرة، ومنها: ذهب بلا خرائط، اتفاقية الكلب والقط التي تنص على أن يعلم الكلب القطة السباحة، وأن تعلمه تسلق الأشجار،أرخميدس ويوريكا، اختراع الحذاء، اختراع الشطرنج والقمح، الذئب العاشق، القلم والممحاة، ناي أبوسليم وعين الماء، الفئران والزيت، الطيور والماء بين الصخر. كما تضمنت الرواية بعض الأشعار والأغاني، والأمثال الشعبية، والألعاب والخدع، والمسرحيات والمشاهد الدرامية، والكلمات الإذاعية، والمواقف المدرسية، والطرائف الحياتية، وطقوس البذار والحصاد، وعمل القلية وغيرها. الرواية لم تقدم مادة جافة، بل كانت عبارة عن لوحة فسيفسائية بألوان زاهية، وحديقة غناء مليئة بثمار ناضجة وأزهار يانعة، وأبدع الكاتب في عرض الموضوعات بسلاسة ولغة جميلة وشاعرية، امتازت بالصور والتشبيهات الرائعة، ومن ذلك، هذه الصورة البديعة للقمر: «افترشت العائلة بساط الرمال الدافئة، وما أن أرخى الليل أول ظلمته الباهتة، حتى انشدت أبصارهم مبهورةً نحو الشرق؛ فثمة نورٌ شعَّ من الرمل وكأنه نباتٌ ينمو». وأيضًا«ابتعد –ورد- يتأمل الرغيف الطالع من فرن الرمل». ولم تخلُ قصة أو موضوع أو مشكلة من جانب تربوي أو أخلاقي أو تعليمي، مؤكدة أن الخلفية الأخلاقية والقيمية ضرورية، وذات أهمية قصوى في تربية الأجيال؛ ليخرجوا إلى الحياة أصحاء أسوياء، كما ركزت الرواية على جانب التفكير والبحث عن الحلول والأسباب، بل واعتبرته الركيزة الأساسية للتعامل مع كل مشكلة أو عقبة تواجه المرء في حياته، وهذا ما أكدته الأم مرارًا بقولها: «أنتم عائلة مجنونة»، «أنتم عائلة لا تمرر شيئًا دون أن تفكر به»، وهذا ينسجم تمامًا مع أهمية التفكير والتفكير الناقد والبحث في نضج الأطفال وتنمية عقولهم. رواية «قمر ورد»، تحمل راية الريادة في أسلوبها وطريقتها في تناول الموضوعات ومعالجتها وخاصة العلمية منها، وهي تفتح بابًا ما زال مغلقًا–حسب علمي- لتقديم العلوم بشكل ممتع مشوق جذاب، يسهل على الأطفال فهمها وتقبلها وإدراك مفاهيمها وتطبيقها عمليًا بسهولة ويسر، أو على الأقل إمكانية توظيفها في مشكلات حياتية قد تصادفهم لاحقًا، وأجزم أن العلوم في المدارس لو قُدمت بهذا الشكل، لوجدها الطلبة مادة سهلة رائعة، ولقدموها على كثير من المواد الدراسية الأخرى، ولكن ما زالت الكتب المدرسية العلمية جافة بعيدة عن الحياة ومشكلاتها، بعيدة عن اهتمامات الطلبة واحتياجاتهم. تنوع الموضوعات في الرواية والتنقل بينها من خلال راوٍ عليم، أبعد الملل عن القارئ، وجعله يحرص على المتابعة، ليتعلم ويعرف المزيد، بالإضافة إلى ما يجده من متعة وإثارة، كما أن أسلوب طرح المشكلات والموضوعات أعطى فسحة للتفكير والتأمل؛ احترامًا لعقل القارئ، وإشراكه في إيجاد الحلول. تربية الأطفال لا تقوم على الأب والأم وحدهما، ولا يمكن أن يتقبل الأطفال ذلك أيضًا، ولذا حرصت الرواية على تنوع مصادر التربية والتعليم، كما في الواقع تمامًا، وأعطت لكل منهم دورًا مهمًا لا غنى عنه، فاشترك الجد والجدة، والمعلم والمعلمة، وقائد الكشافة، والصديق والأخ والأخت، وغيرهم، فتنوع المصادر يعني تنوع الأساليب والألوان والخبرات وتكاملها، مما يؤدي إلى إثراء الطفل وتزويده بوجبات مختلفة ومتنوعة تساهم في نضوجه وتكامل شخصيته وتوازنها. «قمر ورد»، ليست رواية كلاسيكية نمطية بمقدمة وعقدة وحبكة ونهاية، بل قامت على مجموعة كبيرة من المشكلات، ولكل منها بدايتها وعقدتها وحبكتها ونهايتها، وشكلت جميعها رواية متكاملة سائغة لكل قارئ، وهذا الشكل يتناسب تمامًا مع رسالة الرواية وغايتها، التي تسعى إلى الإعلاء من شأن التفكير النقدي، والتحليل، والبحث، وإعمال العقل في كل شيء، ضمن إطار أخلاقي وتربوي إنساني، وانفتاح على مصادر المعرفة وميادين الحياة. وقد كانت شخصية الكاتب واضحة في الرواية من خلال تخصصه في الفيزياء، وعمله الصحافي؛ ما أضفى على الرواية بعدًا واقعيًا وأسريًا دافئًا. وبعد؛؛؛ فإن «قمر ورد»،للكاتب رمزي الغزوي، والفائزة بجائزة عبد الحميد شومان لأدب الطفل 2014، قد تبدو رواية سهلة في الظاهر، وفكرتها عادية متاحة للجميع، يمكن لأي أحد أن يكتب مثلها، ولكن الواقع غير ذلك تمامًا، فهي لا تتأتى إلا لمبدع، هضم العلم والأدب معًا، وآمن بالتربية والقيم، ومزجهما في وعاء واحد، فأخرج رواية ثرية غنية فاتنة، مؤكدًا ما قاله الكاتب في روايته «إن الأفكار متاحة للجميع، لكن الصعوبة في أن تجدها، وتوظفها بشكل مفيد. الأفكار تطير في الهواء، والذكي من يلتقطها». الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 17-05-2020 01:04 صباحا
الزوار: 660 التعليقات: 0
|