مقاربة جمالية لمجموعة «معًا على الطريق» للشاعر عبد المعطي الدرباشي
عرار:
أحمد الكواملة يقول الشاعر في معرض حديثه عن ذاته في ما يشبه مقدمة تحت عنوان (هذا الديوان): (لم أكن في كل هذا شاعرا غزير الإنتاج، كنت شاعرا مقلا، تأثرت بموجة الشعر الحديث، ولكني لم اعتل الموجة، ولم أهمل الموسيقى). هو كما قال، وإن كان مقلا في كتابة الشعر، فقد كان ممتلئ بالتراث الشعري والأدبي العربي، قديمه ووسيطه وحديثه، يظهر هذا في مقالته (الشعر بين التجربة والإلهام) التي سبقت قصائد هذا الديوان، حيث يأتي على ذكر الشاعر الخارجي (عمران بن حطان) والشاعر (أبو العلاء المعري والفرزدق) ومن شعراء الأندلس (لسان لدين ابن الخطيب) ومن شعراء القرن الماضي، الشاعر العراقي هلال ناجي والشاعر بشارة الخوري إضافة إلى المتنبي وأبي تمام وغيرهم من شعراء الجزائر والسعودية والأردن وفلسطين. كان لوالده اثر كبير في لفت انتباهه نحو الأدب والشعر حيث يقول: كنت اسمع أبي رحمه الله بتحدث عن الأخبار الشعرية في مجلسه، أخبار من الجاهلية عن الزير سالم وعنترة، ومن العصر الإسلامي عن الحجاج بن يوسف وغزالة الخارجية، ومن العصر العباسي عن قصص الكرم عند معن بن زائدة الشيباني، وعن أخبار بني هلال وريادتهم وتغريبتهم، وكان أبي يتمتع بحافظة قوية، كما كان محبا لرواية الشعر وعنه أحببت الشعر رواية ونظما. و شاعرنا يرى أن المذاهب النقدية الأوروبية تأخرت عن مثيلاتها عند العرب، حيث يتحدث الغرب مثلا عن (الشكل والمضمون) وهو عندنا قديما جاء تحت مسمى (اللفظ والمعنى) و قد تنقل شاعرنا بين فلسطين والأردن وبيروت والجزائر وليبيا والسعودية ما بين معلم ومتعلم، ثم الاستقرار أخيرا إلى وفاته في الأردن. ولا شك أن كل مكان أقام فيه اكسبه خبرة وترك فيه أثرا، وإن كانت بيروت بدايته الحقيقية في كتابة الشعر، فقد كانت له محاولات من أواخر الأربعينات وخمسينات القرن الماضي، حيث انتقل إلى بيروت بداية عقد الستينات، وكتب عددا من القصائد، فقد أكثرها واستعاد من الذاكرة بعضها، من ذلك قوله: كنت في بيروت اسهر الساعات واغني بقصيدة خير زادي كان حرفا مشعلا وضاء في بطن جريدة فأغاني الشمس ترهب النخاس مذ كان على سوق الرقيق أخذوها أغنياتي ضيعوها نيفا وثلاثين قصيدة كنت ابكيها وابكيها و إني اليوم في البيت الجديد يحرق التحنان أحشائي إليها و إلى بيتي العتيق هذه القصيدة على بساطتها غير أن روح الثورة والرفض والتحدي بادية فيها، كما هو حال قصائد ذلك الوقت المشحون بالثورات الأممية والقومية. يقول الشاعر إجابة لسؤال إذا كان قد كتب شعرا في الغزل: (ليس في قلبي مكان للفزل، فقضيتنا هي الشغل الشاغل دائما، وعلي أن أحدو لها ولمجاهديها) و هذا يظهر في أكثر من قصيدة... ومن قصيدة (مناجاة) التي كتبت عام 1964م، يقول: بلادي وإن شت فينا الزمان و طال الموعد المرتقب بلادي فلا كان فينا حنان إذا ما سرينا بجيش لجب بلادي وإن فرقتنا الحدود و مزق شملا لنا الغاصبون و حقك لن تستقيم السدود فانا برغم العدا عائدون و شاعرنا إذ يقدم نماذج جيدة من شعر التفعيلة، غير انه بجلي وهو يقدم قصائده العمودية، ها هو يبكي القدس وفلسطين حين يقول من قصيدته (عتاب): ما بالنا عين منا الصبر في وهن على قليل من الرنان يأتينا لقد خسرنا وما هانت عزائمنا من بعد عشرين قد تتلى بعشرينا القدس إنا خسرناها وما دمعت لنا عيون ولا بلت مآقينا و فد حملنا رزايا الدهر لا شجن إذا نبا السيف أو قلت مواضينا يا هبة الدهر قمناها فلا خور فينا ولا يأس عند السير يثنينا سخرية ودعابة.. و لا يخلو شعرة من بعض الدعابة والسخرية.. من قصيدة (بطالة) يقول: قد جاءنا بطلب يوما قبيل المغرب و قال إني عاطل حيث أروم طاب أعرب المراسلات عن لغات الأجنبي و اضرب الآلة للنسخ كدف مطرب قال له كبيرنا فداك أمي وأبي خازننا مترجم و حارس للمكتب و فوق هذا كله ينسخ كل الكتب فانصرف مودعا يهزئهم وغضبي ! تأثر وتأثير... سبق وأشرت لما للشعر والأدب الجاهلي من اثر في شعره، حيث قال من قصيدة (عهد): الدار دارسة و لما يبق في عرصاتها من بعد ذاك اليوم طائر و من قصيدة (حديث وخبر) يقول: حدثونا أنهم كانوا هناك حدثونا أنهم كانوا على الرسم و إن الرسم قد أل إلى هذي الخرائب بعد أن كان لكل الأهل والأحباب عامر مقاطع شعرية لافتة.. يا وطني إنا سنجعل من جماجمهم منافض للسجاير ......... كذبوها حين قالت حدأة تظهر في زي حمامة ! ........ فان أثاروا على أطرافنا سحبا هل تطفئ الشمس إن مرت بها السحب ؟ تناص... في تناص يسقط فيه أسطورة زرقاء اليمامة على واقعنا... يقول من قصيدة (زرقاء اليمامة لا تكذب): كذبوها كذبوا رؤية زرقاء اليمامة كذبوها حين قالت حداة تظهر في زي حمامة سفهوا أحلامها و ناموا ليلهم لكن ارتال الجراد زحفت تأكل الأخضر واليابس لا تبقي على شيء و في تناص يسقطه على مقولة ياسر عرفات في هيئة الأمم المتحدة حين قال لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، قال شاعرنا من قصيدة (ناديت باسمك): ناديت باسمك أحبابي وخلاني و صنعت باسمك شعاري والحاني و يا فلسطين ما لي في الهوى سبب ألاك والشوق إني المتعب العاني و يا حبيبة صار الكون منتشيا قد احتفى بك من قاص ومن داني لما نهضت وفي يمناي ملحمتي ابغي حقوقي وفي يسراي أغصاني اقتباس مؤثر... من قصيدة (أغنية حب إلى سطيف) يقول في اقتباس مؤثر: يا سيد الأحباب أتيت والهوى يقول لي (نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يعشقه الفتى و حنينه أبدا لأول منزل) و إنا فتحت عليك عيني فأنت الحب أنت الحب يا جميلة الهضاب ! ممجد أيها المقلاع والحجر.. و من قصيدة (أغنية إلى الانتفاضة) يقول: فأهلي حول ساح القدس في جهد وفي كبد نحارب آلة المحتل بالمقلاع والوتد حجارتنا تهاجمهم و تمطرهم بلا رعد بنادقنا مقاليع قذائفنا بلا عدد». قيل في شعره: (فيه عبارات مونقة، وبلاغة مشرقة) احمد فرح عقيلان الفالوجي / شاعر وناقد (و هذا ديوان (معا على الطريق) جاء ليعطر تراب فلسطين الذي يجري في دمائنا بروح الشعر، فلا فض فوك) د محمود عمار / ناقد (قرأت بعض قصائدك، لغتك مسبكة وأفكارك ومعانيك مؤثرة) محمد الهادي الشريف/ سطيف / الجزائر
المجموعة الشعرية (معا على الطريق ج 1) شعر: الشاعر المرحوم (عبد المعطي الدرباشي) صدرت عن دار الكر مل / عمان / عام 1993م
المصدر: جريدة الدستور الاردنية
الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 08-01-2021 10:41 مساء
الزوار: 1024 التعليقات: 0