|
عرار:
أمينة الرشوق التعذيب، الظلم، القهر، العنف، الاستغلال، الإذلال، غير الإنسانية، التطهير العرقي، مفردات تختزل واقعا أليما عانى منه الشعب المسلم الروهينغا. الشعب الأكثر نبذا واضطهادا في العالم. تنطلق الرواية من ميانيمار حيث يعيش الروهينغا وهي فئة قليلة مسلمة إلى جانب الأغلبية البوذية. يأخذنا الكاتب إلى هناك، إلى عوالم مأساوية حيث يتعرض مسلمو الروهينغا على مدى السنوات الأخيرة الماضية (بسبب أصلهم العرقي وانتمائهم الديني) من طرف البوذيين إلى أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية. قدم الروائي أشكال مأساتهم و معاناتهم المخيفة على نحو درامي مشوق. لم تعمل منظمة 969 المكونة من الكهنة المتطرفة بمساعدة الجيش وسماسرة النظام في ميانيمار فقط على ممارسة أنواع رهيبة من القهر على مسلمي الروهينغا بل كانت تسعى لإبادتهم. تقوم كتيبة الاعتقال والسخرة بمهاجمة قراهم، يعتقلون الأقوياء من رجالهم في معسكرات الأشغال الشاقة، يأخذون بناتهم وزوجاتهم يغتصوبهم ويستغلونهم للخدمة في بيوتهم. ينهبون أشياءهم ويحرقون حقولهم و قراهم بأكملها. أما كتيبة حرس الحدود فقد كانت تطارد الروهينغا الفاقدين الأمل الذين لا يملكون سوى أقدامهم يفرون بها عبر الغابات الملغومة، متجهين إلى قوارب النجاة/الموت. يصطادهم الجنود، يبطحونهم على بطونهم وأيديهم مشدودة إلى الوراء ويرمونهم بالرصاص أو يلقون عليهم الديناميت والمتفجرات أو يلاحقونهم ويقومون بتصفيتهم على الحدود. انتهكت حقوق الروهينغا في ميانيمار فحرموا من كل شيء: من وطنهم، من طفولتهم، من تعليمهم، من حقهم في العلاج. جردوهم من جنسيتهم. قتلوا طفولتهم. أغلقوا وحطموا مساجدهم، بل تم تجميع الروهينغا بداخلها وحرقوها عليهم. صادروا أملاكهم وشركاتهم، نهبوا ممتلكاتهم، شردوا عائلاتهم. مارسوا عليهم كل أنواع التعذيب وأبشع أنواع العنف ..مئات الأموات وآلاف المهاجرين.. عاش مسلمو الروهينغا عشرات السنين في مطاردة دائمة، سنوات من الخوف والرعب، سنوات من الإذلال والابتزاز، سنوات من التسلط والاستبداد، سنوات من القمع والحصار، سنوات من الظلم والقهر، سنوات من الضرب والتعذيب، سنوات من الحرق والدمار، سنوات من المجازر والمذابح ، سنوات من الموت التراجيدي والإعدام الجماعي، سنوات من الاضطهاد والقتل البشع وكل شعوب الأرض لا تسمع هؤلاء المساكين، سنوات من الإجرام وحرق الصغار والمجتمع الدولي في سبات، سنوات من الاستضعاف دون مقاومة والعالم يراقب ما يدور ولا يهتم. «سنوات والعالم الفسيح ينكرهم ويتركهم للمطر، للجوع، للذئاب». تجسد الرواية عائلتين: العائلة الثانوية وهي عائلة لاي ذي الأنياب، الضابط المتوحش المسؤول على ملاحقة الروهينغا. رجل سكير، سيئ، حقير، قاس وتافه. رجل شرس لا يعترف إلا بالحياة البرية وأكل لحوم جميع أنواع الحيوانات البرية. هو نمودج للجيش البورمي الظالم، التعسفي، الفاسد. جيش له سطوة كبيرة مكلف بتنكيل وتعذيب وقهر ثم إبادة الروهينغا. يصيب لاي مرض غريب. يئس الأطباء عن علاجه، يحكم عليه بالموت رميا بالرصاص من طرف زملائه !!»جيش ليس معنيا بأية زمالة ولا وفاء ولا عهد ولا ذمة»!! زوجته جيا منخرطة ونشيطة في منظمة 969، نفرت من زوجها لترتمي في أحضان حبيبها الراهب. مرت بأزمة نفسية وانتهت بالجنون. يجعلنا الكاتب نعيش مع عائلة حبيب، بطلة الرواية، تراجيديا حياة مسلمو الروهينغا هي حكاية رمزية عن الوجع، عن الألم، عن القهر، عن الشتات عن الإذلال... عاشت العائلة رغم الفقر مجتمعة يعيلها الجد من صيده الذي يعبر المخاطر للوصول إليه. عائلة متشبعة بالحب والأخوة والأمل. هاجم الجيش قريتهم. أخذوا الأب حبيب إلى معسكر الاعتقال ليشتغل إلى جانب إخوانه الروهينغا في ظروف تفتقر إلى أدنى شروط الإنسانية مهانا وبالمجان في بناء الشوارع ونصب القنوات. زوجته مريم وابنهما صابر تمكنا بعد جهد جهيد من الفرار ودخول بنغلادش. أما ابنتهما سليمة أخذها قائده الرائد المتوحش لاي خادمة له بعد أن اغتصبها. مرضت سليمة وأرجعوها إلى البيت دون علاج. حاولت بطلب من أبيها الهرب مع عمها جبار. بعد أيام وليال من المشي والجوع والعطش والرعب من أهوال الغابات البرية الملغمة والمطيرة تنفجر فيها احد الألغام، تقع على الأرض وهي تنزف بشدة، ذهب عمها ليأتيها بالماء، حضر جنديا من الدورية وأطلق عليها النار لتصبح وجبة للنمور تنهش جثتها. موجوع وبقلب مجروح على ابنة أخيه واصل جبار طريقه إلى النهر، حمله قاربا متجها إلى التايلاند في رحلة طويلة ذاق فيها إلى جانب الجوع والعطش عنف المهرب الذي تخلص منه بعد أن عرف أن ليس له مالا لدفع تكلفة الرحلة. أما رب العائلة حبيب فبعد معاناة قاسية كابدها في معسكر الأشغال الشاقة ومطاردة وعناء عبر الحقول والغابات وصل إلى النهر راغبا في العبور إلى مخيمات اللاجئين للبحث عن عائلته. مرهقا امتطى مع آخرين مركبا هشا أمضى فيه رحلة محفوفة بالمخاطر رأى فيها الموت. خطف النهر بعضهم، لحسن الحظ تم إنقاذه مع قلة من طرف حرس الحدود الإندونيسية وساعدته الدولة واعترفت به كلاجئ. «وتستمر المعاناة» ويبقى المصير معلقا.. رواية « عائلة من الروهينغا» مليئة بالمشاعر الإنسانية. رواية تعرض قضية شعب يعيش مقهورا، آلامهم الشخصية وحالة الاغتراب في بلادهم والمعاناة اليومية. رواية تبني مشاهد مأساة الشتات، انهيار حيوات البشر، موتهم، تشردهم والخروج التراجيدي والأبدي من وطنهم باتجاه مصير يحمل أوجاعا من نوع آخر، اضطرارهم إلى العيش في خيام اللاجئين يتسولون لقمة العيش من المساعدات التي يقدمها المحسنون والجمعيات الخيرية. أعجبتني قدرة الكاتب على لملمة وتصوير ونقل الأحداث وصياغتها، رغم قساوتها وتأثيرها المؤلم، في قالب روائي ممتع. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الأحد 17-01-2021 11:07 مساء
الزوار: 1264 التعليقات: 0
|