مبدعون: العيد منقوص التفاصيل اجتماعيا مترافق مع زخم من مشاعر المحبة والتسامح والأمنيات
عمر أبو الهيجاء
ما زالت جائحة كورونا تلقي بظلالها على الشعوب كافة، فأخذت معظم الحكومات العربية الإجراءات الاحترازية أيام عيد الفطر السعيد للحد من انتشار الفيروس جرّاء الزيارات وممارسة طقوس العيد واحتفالاته المتعارف والمعتاد عليها قبل كوفيد19، لهذا ستكون أجواء فرحة العيد ناقصة تغيب عنها اللقاءات الاجتماعية وتبادل التهاني بين الناس. «الدستور» في ظل تداعيات الجائحة المستجدة والعيد، تحاورت مع مجموعة من المبدعين حول رؤيتهم للعيد وطقوسه في ظل هذا الظرف الذي يمر بها العالم من انتشار فيروس فتاك، وما نتج عنه من التباعد الجسدي، فكانت هذه الرؤي. الشاعر عاقل الخوالدة رأي أن العيد، استراحة الروح في أيقونة الفرح، ومحطة الوصول والوصل، نعم إنه لهفة المشتاق وحنين الأمهات وفرحة الآباء والأجداد؛ في أسوأ الأحوال يمثل العيد السعادة الإجبارية، ففي حين يخفيه بعض الكبار بسبب أحوالهم، إلا أنه لا بد أن يرتسم على وجوه أطفالنا، العيد يجدد الحياة فينا، ويذكرنا بمن نشتاق رؤيتهم.
وقال: أعتقد أن المبدع يستقبل العيد بإحساس مختلف لأنه يتعامل مع الأشياء الروحانية بحسية أكثر، بالنسبة لي العيد ضيف يشع سعادة وفرحا، تكبيرات العيد في الصباح الباكر، تثير في شعور السعادة بلقاء الغائب البعيد، وتعيد ذكريات الطفولة حين كنا نخرج بما تيسر بزهو الملابس الجديدة و برفقة الوالد رحمه الله إلى صلاة العيد، واليوم لا شك أن جائحة كورونا قد طالت كثيرا من سلوكياتنا وطقوسنا في العيد، فلا زيارات ولا تجمعات وتغيب صورة المصافحة والعناق بعد صلاة العيد، حيث اعتدنا في القرية أن نسلم على كل من نراهم حال فراغنا من صلاة العيد. إذن اليوم تؤنسنا مواقع التواصل الاجتماعي، والاتصالات الهاتفية ولربما اعتذرنا بالكورونا لكننا نتشبث بالأمل وقد يصل بنا تطواف العيد في أيام العطلة إلى مكتبة البيت لزيارة كتاب وأكثر ركنه طول غيابنا، وانشغالاتنا التي لا يوقفها إلا العيد، ويا كل عيد. في حين أكد القاص مفلح العدوان بأن يأتي العيد هذا العام، وما زال العالم يرزح تحت وطأة ظرف استثنائي يمر على البشرية، حالة من الدهشة والذهول والحيرة في مواجهة جائحة كورونا، ولذا فإنه وفي ظل شروط التباعد الجسدي وتقليص مدى الحركة مع الحرص على الآخرين يكون طقس هذا العيد منقوص التفاصيل اجتماعيا، حيث اللقاء مع أٌقل عدد ممن نحب من الأهل والأقارب والأصدقاء، مترافق مع زخم من مشاعر المحبة والتسامح والأمنيات بأن يكون القادم أجمل، مع الترحم على الغائبين الذين ارتقوا وغادروا بسبب طغيان ظروف هذه الجائحة، وأيضا تحضر في العيد حالة من التأمل والمراجعة والأمنيات بالنجاة للبشرية وبالاستقرار والمستقبل الأفضل لمن هم جزء من بعض مهجنا نريدهم دائما حولنا من اهل وأصدقاء ومحبين. وبيّن العدوات أن جزءا من طقوس العيد عندي هي في استثماره لمراجعة الذات والتخطيط لما بعد العيد لمتابعة بعض المشاريع الكتابية والقراءات، لا أحب أن أبقى أسير حالة الترقب السلبي ولكن اشحن روحي وذاتي بكثير من المشاريع والتخطيطات الإبداعية كنوع من التعزيز المعنوي في مقابل حالة السلبية التي جاءت في جوانب منها تأثرا بوطأة كورونا.. هناك أمل كبير بأن نتجاوز هذه الحالة، وبالتالي تعود الحياة الى وتيرتها، لذا فهناك فرصة للتخطيط ولإعادة النظر بمشاريع إبداعية كثيرة خلال عطلة العيد، وفي جانب آخر أعشق خلال أيام العيد أن أتوجه نحو الطبيعة، خلوتي هناك، حيث الفضاءات الرحبة التي أحب أن أنطلق فيها وعائلتي في مساحة للنقاء والتطهير وصفاء الذهن، وهذه الانطلاقة مع الطبيعة لها طقسيتها التي تتواءم مع انسجامي مع حالة التركيز على مفاصل بعض الأسئلة التي أجدني أتماها معها إذ أستنطق الفضاءات لمزيد من دهشة السؤال ومحاولة اجتراح الأجوبة. لافتا إلى أن العيد في كل الظروف هو حالة بهجة وألفة، وفي هذه المساحة أتمنى للجميع بأن يكون العيد بشرى خير ونظرة تفاؤل ودعوات بأن يكون ما بعد العيد أجمل نتخفف إن شاء الله من وطأة هذا الحصار الكوني جراء وباء كورونا، والأمل معقود دائما بطاقتنا الإيجابية وتفاؤلنا وتراحمنا الإنساني الأشمل. كل عام والجميع بخير ومحبة وألفة وحياة أجمل. الشاعر د. دريد جرادات أكد أن كل مناسبة لها طقوسها الخاصة و منها العيد، و تختلف باختلاف المرحلة الزمانية و المكانية و تطور الوعي و النظرة إلى هذه الطقوس و المناسبة و ما يحيط بها من ظروف، فطقوس العيد المنطبعة في أذهاننا في مرحلة الطفولة تختلف عمّا هي عليه الآن، و كانت الصورة واضحة من حيث الزيارات المتبادلة و ما يرافقها طيلة أيام العيد. وقال: مع تطور الحياة و تطور الوعي لدينا كنتيجة للتفاعلات الاجتماعية و المؤثرات الخارجية و الداخلية بدأت الصورة المنطبعة تتغير و كذلك النظرة للعيد بتغير الظروف المرافقة و المحيطة به، فقد تتالت علينا الأحداث و تسارعت و توالت المصائب و المآسي من نكبة إلى نكسة إلى انتكاسات متعددة إلى مؤامرات و دسائس خارجية و داخلية ممّا أثّر سلباً على طقوس العيد، إلّا أنّه بالمقابل كان هناك أثرٌ إيجابي في تطور و نمو الوعي في محاولة لمقاومة هذه التأثيرات السلبية. وأشار د. جرادات، كان العيد فيما مضى يحمل أثراً إيجابياً من الناحية الاجتماعية لما فيه من تواصل اجتماعي و فكري و ثقافي و روحي، و توطيد عرى الصداقة و المحبة بين الجميع رغم قساوة الظروف التي نعيشها، الآن العيد ليس سوى يوم كبقية الأيام التي تتوالى فيها المصائب و المآسي، و هذا ما دفعني للقول في بعض قصائدي: «أيّ عيد هذا الذي/من الدم و القتل ينتظر المزيد/كل الأنام تحلم بالعيش الرغيد/و نحلم أن لا نعيش حياة العبيد». مبينا أنه في زمن جائحة كورونا التي ألقت بأثقالها و ظلالها السوداء و عواقبها الوخيمة علينا من كل النواحي الاجتماعية و الاقتصادية و ازدياد الفقر و الفقراء و ازدياد البطالة، فالعيد هنا ليس سوى طقس تباعد اجتماعي و مناسبة لاجترار الذكريات بحلوها و مرّها و الانكفاء على الذات و ما يترتب عليه من تراجع في الفكر و الوعي و الثقافة خاصة بعد انعدام أو ندرة اللقاءات و الحوارات الثقافية و الفكرية و التي استعيض عنها باللقاءات عبر وسائل الاتصال الالكتروني التي لم نعتد عليها و التي قد لا تكفي و لا تفي بالمطلوب. لقد ضاقت الحياة على الناس و تراجع الاقتصاد و تدهورت الحياة الاجتماعية و تباعد الناس و ساهم هذا التباعد بازدياد التباعد الروحي و تراجع الوعي و الملكات الفكرية و ازدياد القهر و الاكتئاب، و قد عبرت في حوارية شعرية في بدء الجائحة أقتبس منها :»مرّت أسابيع لسنَ عجافا/لكنها زادتنا قهراً و اكتئابا/فلا طرقنا بشوقٍ باباً لأحبابٍ/و لا هم طرقوا بالحب لنا بابا/و لا تكحلّت عينٌ لنا /لرؤيتهم/و لا منهم سمعنا حتى العتابا.