اليوم العالمي للشعر وقفة مع الشاعر العروبي الدكتور عبدالرحمن العشماوي
عرار:
د.عادل جودة ونحن نحتفي باليومِ الحادي والعشرينَ من آذار بوصفهِ اليومَ العالميَّ للشعرِ، ولكونِه يومًا رُسِّخَ في أذهاننا ليكونَ يومًا للأم، ولستُ أدري ما سرُّ اختيارِ هذا اليومِ بالذاتْ ليكونَ يومًا عالميًّا للشعر، لكن؛ لا بأس، فالأمُّ لها الأيامُ كلُّها ولها الشعرُ في أبهى صوره. وأراني في هذه المناسبة أقفُ معَ شاعرٍ عربيٍّ سعوديٍّ يمثلُ قامةً سامقةً تتجهُ إليها العيونُ بوصفهِ واحدًا من جهابذةِ الشعرِ العربي، وقد أكرمني اللهُ سبحانهُ وتعالى بصحبتِهِ على امتدادِ مدةٍ زمنيةٍ غيرِ قصيرةٍ لامستُ فيها جمالَ روحِهِ، ونقاءَ نفسِهِ، وعمقَ فكرِهِ، وعبقَ إحساسِهِ، إنه الشاعرُ الفذُّ الدكتور عبدالرحمن بن صالح العشماوي. هذا الشاعر الكبير؛ لا أقول فقط إن لديه من النتاج الأدبي بوجه عام، والشعري على وجه الخصوصِ، ما يراه كبارُ النقادِ على امتدادِ الوطنِ العربيِّ تاجًا مرصعًا بأنفسِ الدررِ في المكتباتِ العربيةِ، إنما أقول أيضًا أن جل نتاجه الشعري يتسم بذاك الحس العروبي الماجد، وتلك المشاعر الجياشة تجاه فلسطين، وأرضها، وشعبها، وقضيتها. وأنا ـ في واقعِ الأمرِ ـ لستُ هنا بصددِ التطرقِ لسيرتِهِ الذاتيةِ، ولا تعدادِ بصماتِهِ في ميادين الفكرِ والثقافةِ والأدبِ؛ فهكذا أمرٌ لا تكفيهِ المقالات، بل سأكتفي بوقفتين اثنتين مع بضعةِ أبياتٍ (فقط) من قصيدتين يحاكي في أولاهما عيدًا هلَّ عليهِ وأعز الناس (أمُّهُ)تلازم سريرَها الأبيضَ تصارعُ المرضَ قبل وفاتِها؛ رحمها الله تعالى، فماذا قالَ هذا الشاعرُ العظيمُ في قصيدتِهِ الأولى التي بدأَها بقوله: «أمَّـاهُ أمَّـاهُ، غيثُ الـمقلـةِ انسكبـا في يومِ عيدِي، وجمرُ الحسرةِ الْتهبا قالوا: أتى العيدُ بـالأفراحِ، قلتُ لهم: بالعيدِ نـفـرحُ لـكــنَّ الأسـَى غَـلَـبَا» ثم راحَ يُتابعُ وصفَ آلامِهِ بقوله: «أَوَّاهُ، أَوَّاهُ يــــا أمَّـــاهُ مـــن ألــمٍ مـا زلتُ أكتمُهُ فـي خاطري لهبا أوَّاهُ من حالِنا في الـبيتِ حين بكى ثَغْـرُ الـصَّباحِ ومعنى نورِه اضطربا أمَّــاه دونَكِ صـــار البيتُ مُلْتحِفًا بـحـزنـه، وأَتــانــا الـعـيـدُ مُكْتَئِبَاً». ثم اتجه إلى الله سبحانه وتعالى مناجيًا: «إنَّــا طلبنـاكِ ممَّن لـيــس يُـعجِـزُه شــيءٌ، ونـســألُـه أن يُـنـجزَالطَّلبَا فنحن نطمع فـي إنعـام خـالقِنا ونرتضـي ما قضى فينا وما كَتَبـا». ومن قصيدتِهِ الثانيةِ أقفُ مع أبياتٍ أخرى ازدانَ بها الغلافُ الخلفيُّ لديوانِهِ الذي اتخذَ عنوانَ هذهِ القصيدةِ عنوانًا لهَ «شموخٌ في زمنِ الانكسارْ»، فتأملَ قارئي الكريم كيفَ راح الشاعرُ يحاكي طفلًا فلسطينيًّا يواجه الدبابةَ بالحجر، يقول في مطلعها: «سُحُبٌ تلوحُ ورعدُها يتكلَّمُ والأرضُ تسمعُ ما يُقالُ وتفهمُ وَفَمُ الربيعِ الطلقِ يحكي قصةً مما مضى وفؤادُهُ يتألَّمُ» ويواصل الشاعرُ قولَه: ومضتْ بنا الأيامُ؛ ليلٌ حالكٌ يسطو، وفجرٌ ضاحكٌ يتجهَّمُ ومضت بنا الأيامُ؛ بيتُ رذيلةٍ يُبنَى وبيتُ فضيلةٍ يتهدَّمُ ومضت بنا الأيام؛ مركبُ حسرةٍ ينجُو، وزورقُ فرحةٍ يتحطَّمُ ومضت بنا الأيامُ حتى أسفرتْ عَن وجههِا الأحداثُ واختلط الدمُ». ويواصل الشاعر صرخته قائلًا: «وسمعتُ صوتًا في مغارةِ خوفِنا يوحِي صداهُ بظالمٍ لا يَرْحَمُ صوتٌ ينادي أمتي ورجالَها جهرًا، ونيران ُ الضغينةِ تُضرَمُ لا ترفعوا رأسًا، فإنَّ حسامَنا بإزالةِ الرأسِ العزيزةِ مُغرَمُ لا ترفعوا كفًّا، فإنَّ عيونَنا مبثوثةٌ، والقيدُ قيدٌ أدهمُ لا تنطقوا حرفًا ففي قانوننا أن الثغورَ الناطقاتِ تُكممُ». ثم ينتقل الشاعر إلى طفل فلسطيني سلاحُهُ الحجرُ، فيقولُ «وَقَفْتُ، حينَ رأيتُ طفلًا شامخًا قاماتُنا من حولِهِ تتقزَّمُ طفلٌ صغيرٌ غيرَ أَنَّ شُموخَهُ أَوحَى إليَّ بأنَّهُ لا يَهرَمُ طفلٌ صغيرٌ، والمدافعُ حولَهُ مبهورةٌ والغاصبون تبرَّموا في كفِّهِ حجرٌ، وتحتَ حذائِهِ حَجرٌ، ووجهُ عدوِّهِ متورّمُ مَن أنت يا هذا؟ ودحرجَ نظرةً نحوي لها معنىً وراح يتمتمُ أَنا من ربوعِ القدسِ طفلٌ فارسٌ أَنا مؤمنٌ بمبادئي أنا مسلمُ سكتَ الرصَاصُ فياحجارةُ حدّثي أنَّ العقيدةَ قوةٌ لا تهزَمُ وهنا، أختم بتحية فلسطينية تلتف حولها الكوفية الفلسطينية موشحة بشموخ طفل فلسطيني؛ في يده حجر، وتحت حذائه حجر، ويهتفُ ملءَ صوته؛ دمت لنا شاعرنا الأغر، ولك العهد أن ثقتَنا بالله سبحانه وتعالى لا حدود لها، وأن صمودَنا سيحاكي بحول الله عدالةَ قضيتنا، وإصرارَنا على التحريرِ، والعودةِ، وإقامةِ دولتنا الفلسطينية، على نحوٍ يليق بما هتفتَ به يا سيدَ الشعرِ وسادنَه أيها الشاعر العظيم الدكتور عبدالرحمن العشماوي.