«شحذ الأفهام بأحاديث المنام» كتاب جديد لصلاح جرار يدعو للاستمرار في الحلم بالحياة الحرة الكريمة
عرار:
عمر أبو الهيجاء وُلد فن المنامات من رحم فن المقامات وتطوّر عنه، وكانت قصص المنام، وحكاياته كثيرة في التراث الأدبي العربيّ، إلا أنها قد نضجت على يد الوهراني في القرن السادس الهجري، الذي كان أوّل من كتب المنامات التي كسرد ما يراه النائم في نومه. وقد جمع الدكتور صلاح جرار في مناماته بين فن المنامات وفن المقامات والتزم بشروط الفنين في كتابه الصادر سنة 2003 بعنوان «المنامات الأيوبية المسماة إخبار الأنام بأخبار المنام»، وقد اشتمل على أربعين قصة منام، وجعل لها بطلا واحدا هو أيوب الهندي وراوية واحدا هو علقمةّ بن مسرّة الشيباني ثم أتبع ذلك بكتابه الجديد «شحذ الأفهام بأحاديث المنام»، ويشمل على عشر منامات جديدة لم يغيرّ فيها اسم البطل أو اسم الرواية، ولكنه أدخل فيها الشعر كثيرا، مراعاة لما اشتهرت به المقامات من الجمع بين النثر والشعر.
وقد أراد الدكتور جرّار بهذا الكتاب الجديد أن يتمم عدد مناماته مع كتاب «المنامات الأيوبية ...»إلى خمسين منامة، عملا بما جرى عليه المقاميوّن من الالتزام بعدد خمسين مقامة في كتبهم كالذي فعله الحريري والهمذاني والسرقسطي وسواهم. وقد التزم جرّار في كتابه بالسجع والصنعة البديعة، لكن دون تكّلف أو تعسف، حيث كان تركيزه على المعاني التي أراد تحميلها لنصوصه. ولئن كان المؤلف قد جرى وفق أساليب القدماء في مناماته إلا أنه حملها مضامين عصرية، فجعل المنامات تتسع لكل ما يشكو منه وما يحلم فيه، وما تشكو منه الأمة وما تحلم فيه من عدالة وحرية ونهضة وإبداع وسلام وتحرر من الاستعمار. ولذلك رأي أبو أيوب الهندي في كل منامه رؤيا جديدة عذبة وشائقة، واجترح المؤلف لكل منامة سببا للخلود إلى النوم الذي يؤدي إلى الحلم، كما اجترح سببا للاستيقاظ من ذلك الحلم، وفي كل حلم يسافر أبو أيوب الهندي إلى مكان جديد يقف فيه على ما تتوق إليه نفسه، لكنه يستيقظ بعد ذلك على الواقع المرّ الذي يعيشه. ويدل عنوان كتاب «شحذ الأفهام بأحاديث المنام..» بأن من أهداف المؤلف تنبيه العقول إلى كثير من معاناة الإنسانية ومعاناة الشعوب والأفراد في عالم تشيع فيه القسوة والأحقاد والتباغض والتنافر وسفك الدماء، وينبه إلى البدائل التي يراها في عالم أحلامه لتجاوز تلك المعاناة بصورها المختلفة. وقد جعل المؤلف لكتابه مقدمة وصفها بتهويمة البدء، يصف فيها بدء علاقته بعلقمة بن مرّة الشيباني الذي كان يروي أحلام أبي أيوب الهندي، ويبين فيها سبب استئنافه كتابه المنامات بعد نشره سابقا لأربعين منامة. وجعل لكتابه خاتمة سمّها رجفة اليقظة وصف فيها قرار أبي أيوب الهندي التوقف عن النوم وعن الحلم أيضا، وتوقف علقمة من رواية منامات أبي أيوب وكما وبيّن تهويمة ورجفة اليقظة. وتضمن الكتاب عشر منامات هي: المنامة المعرّية، وجرّت أحداثها في معرّة النعمان، والمنامة الأمازونية، وجرت حواراتها في بلاد الأمازون، والمنامة اليونانية، والمنامة الرمضانية، ومنامة الحمّى، والمنامة الأيوبية، ومنامات شحذ الأفهام، والمنامة الصحراوية، والمنامة الحاسوبية، والمنامة الزلزالية ، والمنامة الكندية. ويلاحظ أن المنامة الأمازونية والمنامة الكندية تشفّان عن توق أبي الهندي إلى الهجرة عن الأوطان التي تفتقر إلى الحرية والعدالة. إن أهم ما يدعو إليه هذا الكتاب وكتاب المنامات الأيوبية سابق الذكر، هو الاستمرار في الحلم بالحياة الحرة الكريمة، لأن الحلم هو المرحلة السابقة للإبداع والتقدم والوصول إلى الطموحات، ولكن على أن لا تتجمّد الحياة عند الحلم ولا تتقدم نحو العمل على تحقيق هذا الحلم، لذلك نجد في غلاف الكتاب أن للنوم فوائده «فهو يحملك إلى حلم مفعم بالأمل لا حدود له، تنعم فيه بالحرية والعدل والأمن، وإن كنت تصحو في نهايته على الواقع الذي تسعى للهروب منه». وأيوب الهندي كما يذكر المؤلف لم ينل منه اليأس والإحباط، فهو ماض في أحلامه حتى يقترب الواقع من الحلم، ويتحقق ما يرنو إليه من عدل وحرية وسلام، وما تصبو إليه البشرية من كرامة وأمن وطيب عيش واستقرار. يقع الكتاب في مائة وست عشرة صفحة من القطع المتوسط، وهو صادر عن الآن ناشرون وموزعون في الأردن – عمان، كتاب جدير بالاهتمام والقراءة والمتابعة النقدية، وكما يعد إضافة حقيقية للمكتبة العربية وللدارسين والباحثين وطلبة الجامعات. د. جرار نفسه كان ولد في مدينة جنين بفلسطين، عام 1952، من مؤلفاته: دراسات أدبية ولغوية وتحقيق: المصادر وطريقة البحث في اللغة والأدب، عمان، 1989، مرج الكحل الأندلسي (سيرته وشعره)، دار البشير، عمان، 1993، جنّة’ الرضا (3 أجزاء) لأبي يحيى بن عاصم (تحقيق ودراسة)، دار البشير، عمان، 1989، ديوان الحمراء (الأشعار المنقوشة على جدران الحمراء)، المؤسسة العربيّة للدراسات، بيروت 1999، أدباء مالقه لابن خميس (تحقيق ودراسة)، دار البشير، عمان 1999، جمهرة توقيعات العرب، مركز زايد للتاريخ والتراث، أبو ظبي 2001، دراسات ثقافية عامة: الثقافة والشباب في القرن الحادي والعشرين، وزارة الشباب، عمان، 2000. المقنع في الفلاحة لابن حجاج الأشبيلي (تحقيق ودراسة) بالاشتراك مع الأستاذ عبد العزيز الدوري والدكتور جاسر أبو صفيّة، مجمع اللغة العربية الأردني، 1982. الإبانة في اللغة العربية الشريفة (معجم لغوي – تحقيق ودراسة) بالاشتراك مع مجموعة من الأساتذة، وزارة الثقافة والتراث القومي، سلطنة عمان 1999.