|
عرار:
د. محمد عبدالله القواسمة لعل من يطلع على أدب نجيب محفوظ (1911-2006) يجد أن الرجل لم يخص فلسطين بعمل أدبي، ولم يتحدث عنها مباشرة في رواية من رواياته سواء قبل منحه جائزة نوبل عام 1988م أم بعدها، مع أنه عاصر ثورتها عام 1936م ونكبتها عام 1948م وعاصر الحروب التي دارت على أرضها، وانتقاضات أهلها المتتالية. ولا نكاد نلمح ذكر القضية الفلسطينية إلا في روايته «الحب تحت المطر» 1972م التي تناولت حرب 1967م. لكن، في الحقيقة، لقد اكتفى محفوظ بالحديث عن القضية الفلسطينية في عدة مواقف ولقاءات ومناسبات معينة؛ ففي حفل توزيع جائزة نوبل جاء في الكلمة التي ألقاها عنه محمد سلماوي إشادة بالانتفاضة الفلسطينية، ودعوة إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة بالحياة الكريمة والسلام العادل. وفي لقاء معه عام 1988 سأله سمير طنطاوي (جريدة الشعب المصرية، 1 تشرين الثاني1988) عن موقفه من الانتفاضة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، فأجابه بأنها ثورة يؤيدها دون قيد أو شرط، وأن على العرب تأييدها لتحقيق هدفها، وهو الدولة الفلسطينية المستقلة، وأدان ممارسات إسرائيل العنصرية. لكن تبين لنا بعد ذلك أن أحاديثه في تلك اللقاءات والمناسبات كانت تخفي وجهًا آخر من الحقيقة في موقفه من القضية الفلسطينية عندما انتهى به الأمر إلى أن أيد اتفاقات كامب ديفيد، وعد الرئيس أنور السادات عبقري الحرب والسلام حين وقعها. أما عن سبب عدم تناول فلسطين في رواياته فيجيب نجيب محفوظ عن سر هذا الموقف في لقاءاته المتعددة، منها لقاؤه جهاد فاضل في مجلة الحوادث اللبنانية (4 تشرين الثاني 1988) بأن الفن الروائي ليس كالشعر، فالشاعر يستطيع تناول أي موضوع يحس نحوه بعاطفة ما، لكن من المستحيل أن يكتب روائي عن بلد لم يره، عن بلد خيالي، كل الذين كتبوا عن بلاد خارج بلادهم زاروا تلك البلاد، فهمنغواي كتب عن إسبانيا التي زارها وعرفها. ويكرر محفوظ مثل هذا الرأي في لقائه فاروق شوشة التلفزيوني بعد أسبوعين من حصوله على نوبل؛ فالرواية في نظره عالم معقد يحتاج إلى معايشة حقيقية للأحداث؛ لهذا لن ينجح في الكتابة عن فلسطين إلا الفلسطيني. وكان قد قال مثل هذا القول في حوار مع الناقد غطاس صويص (نزيه أبو نضال) نشر في مجلة» الأفق الجديد» في آذار 1966، إذ أشار في ذلك الحوار إلى أنه لم يستطع أن يكتب عن فلسطين؛ لأنه لم يعش فيها، وأن اثنين نجحا في الكتابة عن القضية الفلسطينية، هما: غسان كنفاني، وسميرة عزام، لأنهما من أبناء فلسطين. إن القول بقدرة أدباء فلسطين دون غيرهم على التعبير عن قضيتهم بصدق وأصالة، وبأن التجربة شرط للإبداع قول ــ كما أرى ــ بعيد عن الحقيقة؛ فيوجد من كتب عن فلسطين من غير أبنائها، ودون أن يعايش معاناة أهلها، مثل: رضوى عاشور، وإلياس خوري، وإسماعيل فهد إسماعيل، وواسيني الأعرج، وعلي بدر، بل إن بعض الكتاب اليهود كتبوا عن فلسطين وحلموا بها دون أن يعرفوها، فهذا ثيودور هرتزل، الصهيوني المعروف يكتب رواية بعنوان «الأرض الجديدة القديمة» في منتصف القرن التاسع عشر، يتخيل فيها دولة يهوديّة على أرض فلسطين عام 1923. ونجيب نفسه استمد أحداث رواياته التاريخية الثلاث:» عبث الأقدار» 1939، و»رادوبيس»1943، و»كفاح طيبة 1944»من الماضي الفرعوني، فلم يكن مع أحمس الأول وهو يواجه الهكسس في طيبة. واستمد وقائع روايته «أولاد حارتنا» 1962م من التراث الديني والأفكار الفلسفية عن الدين والكون. ثم إن قوله بأنه لم يتعرف القضية الفلسطينية مثل أهلها فادعاء غريب. كيف يكون هذا وفلسطين بلد عربي، وجزء من الأرض الفلسطينية في قطاع غزة كان تابعًا لوطنه مصر منذ 1948 إلى عام 67، ذلك العام الذي هزمت فيه الجيوش العربية ومنها الجيش المصري، وكانت الكارثة ضياع كل فلسطين؟ كيف لهذا الأديب العالمي، الذي جدد في الرواية وأساليبها ألا يكون بمقدوره أن يقدم عملًا روائيًا عن قضية عايشها كل عربي، وأثرت في وجدان كثيرين في العالم؟ إذا كنا لا نقبل المسوغات التي يسوقها نجيب محفوظ لعدم تناوله القضية الفلسطينية مباشرة في رواياته، فأين تكمن المسوغات الحقيقية في ذلك؟ الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 02-09-2022 10:30 مساء
الزوار: 516 التعليقات: 0
|