محمود الداوود ربما لم تجر العادة أن يكتب الروائي مقدمة لروايته، إذ كما هو معروف فإن الرواية تبدأ أو حكاية الرواية تبدأ من الصفحة الأولى بعد العنوان الداخلي، وتنتهي أيضا دون خاتمة، كما جرت العادة، ذلك لأن الرواية تتحدث عن نفسها وتترك للقارئ حرية الفهم، حرية التأويل والتفسير، حرية القناعة بنهاية القصة أو الحكاية التي تدور حولها الفكرة. لكن كاتبنا عطية عبد الله عطية هو من بين القلائل الذين رأوا أن يكون لروايتهم مقدمة، تأتي على شكل تمهيد، ربما للتشويق، أو ربما لاستدراج القارئ إلى زاوية ما، يريد الراوي وضع القارئ فيها حتى يدخل الرواية وهو مستسلم لإغراء الكاتب أو ربما عنصرا للتشويق كي يواصل القارئ القراءة دون ملل في محاولة منه لمعرفة النهاية وفق التسلسل الذي فرضه عليه الراوي. في روايته الجديدة التي حملت اسم «رويدك يا زمن» للروائي والكاتب عطية عبد الله عطية، نجد ذلك الاستدراج فمن المقدمة التي كتبها عن نفسه، بدأت الحكاية في الفصل الأول وكأن من كان يتحدث في المقدمة هو نفسه الراوي الذي يحكي لنا القصة، فيجعلك تتساءل هل هي قص واقعية والكاتب نجح في الاستدراج المطلوب؟ هل كان يتحدث عن نفسه؟ أم هو للتمويه لمزيد من عناصر الجذب؟ المهم أنك كقارئ استسلمت وبدأت القراءة ودخلت في عالم الراوي، وتسلسلت في الأحداث التي تروى بكل بساطة ودون تعقيد، وبأسلوب سردي خفيف ليس فيه لغة صعبة، لكنها كلمات واضحة وبسيطة، فأدخلك إلى عالمه، بدءا من حفل التوقيع ليسحبك إلى أول عناصر التشويق من خلال تلك المعجبة بهذا الكاتب الذي يروي حكايته معها لنا، ولا أريد كتابة القصة لأتركها أنا أبضا للقارئ، فلا أفسد عليه حلاوة القراءة والتعرف إلى الأحداث والشخصيات بنفسه. القصة ليست صعبة، بل يمكن تلخيصها بعدة أسطر قليلة، لكن أسلوب الكاتب على لسان الراوي كان هو التحدي في هذه الرواية، وأظن أن أي أسلوب سهل وسلس وسردي هو بحد ذاته أمر فيه مغامرة، لأن بين النجاح وعدمه خيط رفيع يكمن بين الأسطر وبين حسن اختيار الكلمات وعناصر الجذب الأخرى، وأول هذه العناصر بساطة اللغة، تتابع الأحداث، الدخول في بعض تفاصيل الشخصيات، فتح موضوع وتركه مفتوحا حتى تواصل القراءة لبلوغ النهاية، وربط الأحداث مع بعضها البعض، فتح المجال للصدفة في أكثر من موقع ما جعل للدهشة أكثر من تأثير، وقد تكون الصدف في الروايات أمر يقير التساؤل ولكن الصدف التي تقع في الواقع ربما كانت أكثر دهشة عن تلك التي يضعها الكتاب في رواياتهم، لذلك فإن وجود الصدف يثير الدهشة فعلا، ويخلص الكاتب من أي عقدة قد يصل إليها في الرواية. ورغم أن الراوي تركنا في بعض الأماكن التي نحتاج فيها إلى تفاصيل دون الخوض فيها، وانتقل إلى مواقع أخرى، ربما أراد لنا أ نضع نحن في مخيلتنا التفاصيل لنصنع الرواية في أذهاننا، فبعض الأحداث كانت تجري وتحتاج إلى تسلسل نجد أننا ذهبنا إلى مكان آخر لندخل في حدث جديد، وتكرر هذا أكثر ما تكرر في الحوارات الثنائية، وفي سرد بعض الأحداث، أو ربما أن الكاتب وعلى لسان الراوي لم يرد لنا التشعب والابتعاد عن القصة الرئيسية التي يتحدث عنها لنبقى في إطارها. تلك المرأة (شهناز) التي لفتت انتباه الكاتب (أسامة) كانت هي محور الحكاية، والشخصيات حولها هم التفاصيل، وأسامة كان محور الأحداث ومن حوله جزء من الحكاية حتى زملاء (أسامة) في العمل قدموا للقارئ صورة عن بعض أبعاد شخصية أسامة رغم أنهم كانوا في الرواية عابرين إلا أن عبورهم كان له الأثر في تطور الأحداث عند الكاتب أسامة، وأراح الراوي نت المباشرة في التحدث عن بطله وجعل هذا يأتي من قبل زملاء أسامة. شخصية باسل زوج شهناز أو طليقها وحكايتهما معا رغم وضوحها إلا أنها كانت بحاجة إلى تفاصيل أكثر، فقد بدت حكايتهما سريعة رغم أنها كل الحكاية، لكن كان هناك الكثير يمكن قوله وهذا ما أشرت إليه سابقا بأن الكاتب ربما لم يرد لنا الغوص في تفاصيل أكثر بل أراد لنا العبور إلى إنسانية ما يجري، لكن تلك النهاية التي وضعها الكاتب على لسان الراوي كانت نهاية هادئة أنهت عقدة السرد الذي اختصر سنوات طويلة في حدث واحد، أترك للقارئ التعرف عليه، رغم قناعتي أن الكاتب كان قادرا على إيجاد المزيد من التعقيد ليشكل عناصر جذب أكثر للقارئ، لكنه ربما أراد الاختصار وليتخلص من أي حشو زائد، وليحقق الهدف المرجو دون تشتيت القارئ. الرواية امتلكت أدواتها وعناصرها من وجود القصة الرئيسية وتوابعها، والشخصيات والأزمنة والأمكنة، وبعض تفاصيلها والحبكة وتعقيداتها والغوص فيها ومحاولة تفكيك الأحداث وإعادة ربطها، ومن حيث بساطة اللغة وتشعب الأفكار وإدخال العديد من القضايا منها الاجتماعية والعلاقات الزوجية وعلاقات العمل والعمل النيابي والانتخابات والمرأة والرجل والأسرة وغيرة الزوجات وكبح جماح بعض الفاسدين وغيرها من القضايا التي جاء ذكرها والتطرق إليها بشيء من التفاصيل في بعض المواضع وإلى مرور الكرام في مواضع أخرى بحسب حجم الحاجة الروائية وفي سياق الأحداث. الرواية تعكس صورة إنسانية لكاتب مرهف يقدم مصلحة الآخرين على حساب مصلحته ليحقق إنسانيته، ويحاول الإصلاح في زمن قد تغلبت فيه الأنانية على الإيثار، إضافة إلى كونه إنسانا ناجحا صادقا ومثاليا، للوصول إلى هدف أرقى هو أن في الدنيا رجالا يحبون الخير ويحبون العطاء. إنها رواية يضعها الروائي عطية عبد الله عطية بين أيدي القراء للاستمتاع بحكاية اجتماعية ذات بعد إنساني هادف، وفيها التشويق وتسلسل الأحداث التي أرجو أن تحقق للقارئ الفائدة والمتعة، رغم إنا تحتوي على تناقض الأهداف بين الشخصيات في زمن صعب مرت به الشخصيات في الرواية، رواية تضطرك إلى قراءتها دون توقف لتسلسلها الرشيق وجذبها للقارئ ليعرف ماذا سيحدث.