عرار:

تحت عنوان "هذيان...بين الــــواقع والخيــــال .. بين الحقيقة والجمال"، يفتتح الثلاثاء المقبل في جاليري دار المشرق بعبدون معرض تشكيلي جديد للفنان اللبناني المقيم في عمّان جورج باسيل، ويتضمن مجموعة من أعماله الجديدة التي تحلق في عوالم المرأة، وتغوص في كينونتها معبرةً بشفافية عن مشاعرها وأحاسيسها، وحالاتها المختلفة.

مناخ الأيقونات
ويقول الناقد حسين بن حمزة عن تجربة الفنان باسيل: ما يرسمه جورج باسيل يقترب ويتداخل مع مناخ الأيقونات، من دون ان يشبهها في المعنى الروحي، اذ تبدو شخصياته منتمية الى أبدية شاسعة، وليس الى حياة يومية يمكن ملامسة صخبها وشواغلها في الألوان. والألوان بحد ذاتها مركزة، تحاول ان تكثف وجود الشخصيات في اللوحة، لا ان تنقل وجودها في الحياة. إنّها، حين تظهر في اللوحة، تفقد معظم التفصيلات التي تصنع وجودها الفيزيائي، لذلك تبدو خفيفة الجسد ثقيلة المشاعر والأحاسيس. كأنها أطياف هائمة لبشر سبق لهم ان عاشوا آلاماً قديمة، وتجارب مريرة. والأرجح ان المقصود ليس جعل تلك الأطياف الهائمة موضوعاً للرسم فحسب، بل محاولة إيجاد الخيط التشكيلي الذي يجمع بين اللوحة كمعطى تخييلي وابداعي، وكسلعة يمكن بيعها واقتنائها في الوقت نفسه.
لوحة باسيل تتسع لعالم صغير ودافئ، يشبه أجواء المسرح الصغير الذي يضم شخصاً او شخصين لا ينتظران شيئاً، ويدفن الصمت كل ما يتفوهان به. شخصياته صامتة أصلاً، صمت الملامح والتعابير والايحاءات المباشرة والبديهية. ثمة إصرار على جعلها غامضة ومجهولة وبلا تاريخ. قد يتم ذلك بإشاعة ترتيبات ضبابية، تمحو الخطوط الممكنة التي ترشد الى هوية ما. الرسام يحاول، طوال اللوحة، ان يضع شخصياته في الشبهة والاقصاء وعدم اليقين. انها بلا وثائق وبلا حضور صارخ. كأنها جُلبت الى الرسم معصوبة العينين، وتُركت هناك بلا أية دلالة. وحده المتفرج في إمكانه ان يلمس كمية العاطفة والحزن الشفيف التي ترزح تحتها الشخصيات، إذ تظهر في حال نشوة ووجد: إننا أمام جرحى العاطفة، وشهداء الشغف.
جـورج باسيل
ولــد الفنان جـورج باسيل في بيروت سنة 1965ونشأ فيها وهو حاليًّا مقيم في الأردن.بدأ مسيرته الفنية سنـة 1995، حيث لم يتلقَّ تعليـماً أكاديميـاً بل مـارس الـفن و تعلَّمه بنفسه، وقضى حياته يبتكر ويبدع، واعتمد على إحساسه وما ارتبط به بصرياً كملهماتٍ لأعماله الفنية تنير له طريق الإبداع.
عمل الفنان جورج باسيل في لوحاته على الشخـوص، وبالأخص المـرأة، وما تنقـله ملامحها من عواطف بصريـة، وحاور النفس البشريـة بانفعالاتها، بطبقاته اللونية الشفـافة وطريقة مُعالجته للضوء، حيث يُنشئ من مُفرداته تعبيراتٍ مُتقـاطعةٍ مع حركاتٍ تشبه الأثير، يرصد فيها الطاقة الكامنة في الجسد الأنثوي، غير المتأثرة بالنزعة الاستهلاكية السائدة. تحيا شخوص الفنان جوج باسيل في عالمها الخاص، وتضِجُّ فيه مُجتمعةً مع أفكاره ومشاعره، منسابةً على قماشه مجردةً دون أي قواعد. تقف لوحات باسيل وحيدةً، حتى لو عُرضت مع غيرها، تُطالب المتفرّجين بالنظر إليها طويلًا في محاولةٍ للفهم أو النقد أو إصدار الأحكام.
وتميز باسيل بالتنوع ولديه كذلك حضور قوي من خلال أعماله المثيرة للجدل، ورصيد كبير من المشاركات في المعارض العالمية في باريس ولندن ومونتريال، ويقول باسيل «من أكثر المواضيع التي تشد اهتمامي وتثير مخيلتي هو وجوه الناس وكل ما استطيع استنطاقه منها، فالفن بالنسبة لي هو المكان الذي أرى فيه العالم والناس.