|
عرار:
نضال برقان صدر حديثا للأستاذ الدكتور مجد الدين خمش كتاب بعنوان «المدن في الحضارة العربية الإسلامية: من الإيلاف إلى عولمة الأسواق»، عن دار الصايل للنشر والتوزيع، في 432 صفحة من القطع الكبير. تعتبر مكة المكرّمة من أقدم مدن الجزيرة العربية التي سكنها العرب، خصوصًا قبيلة قريش التي اهتمت بالتجارة وطرقها، والتوصل إلى اتفاقات مع القوى المجاورة لحماية قوافلها التجارية تمثّلت بالإيلاف والعصم، ما جعل من مكة في عهدها سوقًا واسعةً للتبادل التجاري، ومقصدّا للقبائل العربية بعد أن نظّمت قريش شعائر ومواقيت الطواف في مكة والكعبة المشرّفة التي أولتها قريش العناية والاهتمام. ويتبيّن من تحليلات الكتاب المستندة إلى النصوص الدينية الإسلامية، والكتابات التاريخية، وروايات الإخباريين والرحّالة، والتحليلات السوسيولوجية المعاصرة باللغتين العربية والإنجليزية أن اهتمام قريش بطرق التجارة الصحراوية، وتطوير الأسواق التجارية بدأ منذ ما قبل الإسلام بقرون. كما يُوثّق الكتاب تزايد هذا الاهتمام بعد انتشار الإسلام العظيم، وإنشاء الدولة الأموية، وتوسّع الفتوحات الإسلامية المظفّرة شرقًا وغربًا بحيث سيطر تجّار قريش، والتّجار العرب والمسلمون بشكل عام على غالبية طرق التجارة العالمية البرّية والبحرية التي تمرُّ فيها السلع والبضائع من جنوب الصين والهند، وسواحل أفريقيا الشرقية مرورًا بالبوادي العربية لتصل إلى المدن الأوروبية الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط لتوفير ما تحتاج إليه من منتجات. وازدادت هذه السيطرة وتوسّعت في فترة الدولة العباسية والدولة الأموية في الأندلس. ومكّن ذلك الفئة التجارية والمجتمع بشكل عام من تحقيق مداخيل مالية كبيرة، إضافة إلى ما كان يتحصّل من غنائم الفتوحات، وموارد الخَراج والجزية والزكاة، وكانت جميعها ترفد دخل المجتمع بقبائله المختلفة، وفئاته المهنية والحِرفية المختلفة، وبيت مال المسلمين، وتضمن للأسر حياة رغيدة ميسورة. وبالإضافة إلى مكة المكرّمة والمدينة المنوّرة والطائف، وتدمر والحيرة والبترا، وغيرها من المدن والممالك التجارية العربية القديمة أنتجت الحضارةُ العربيةُ الإسلاميةُ سلسلةً من المدنِ الكبيرةِ الجديدةِ خارج الجزيرة العربية التي اتخذت منذ بداية إنشائِها طابعًا عربيًّا إسلاميًا، ومثّلت قلاعًا شامخة لنشر الإيمان، مثل: البصرة، والكوفة، والفسطاط (بدايات القاهرة)، والقيروان، وتونس، وغرناطة، وقرطبة، وإشبيلية. أسهمت جميعها _ كما يتضح في فصول الكتاب- في انتشار الدين الإسلامي، وتقوية وازدهار الحضارة العربية الإسلامية ورسوخها، وفي التأثير على الحضارة الأوروبية للبدء برحلة تطوّرها السريع إلى الرأسمالية الصناعية، وصولاً إلى مرحلة العولمة وتسيّد اقتصاد المعرفة والمعلوماتية. وتبذل الحكومات العربية حاليًا جهودًا متواصلة لاستثمار اتفاقيات العولمة، وتقنيات اقتصاد المعرفة والمعلوماتية لمصلحة بلدانها، وتنمية المدينة، والمجتمع بشكل عام لزيادة الإنتاجية، وترسيخ المواطنة والهُوية الوطنية الجامعة في إطار المبادئ السمحة للشريعة الإسلامية، والدساتير الوطنية، والاتفاقيات الدولية. إضافة إلى تيسير الخدمات، وتحسين مستوى الدخل والمعيشة للدولة وللمواطنين بجميع فئاتهم، وخلفياتهم الاجتماعية، والدينية، والاقتصادية. ويتّبع الكتاب منهجية علمية سوسيولوجية تاريخية رصينة، تجعله يتميّز بالأصالة والابتكار مما يشكّل إضافة جديدة للثقافة العربية والمعرفة الإنسانية، تسهم في تنمية الفكر والإبداع في الثقافة العربية المعاصرة، خصوصًا في مجال علم الاجتماع التاريخي. ويتكوّن الكتاب من ستة فصول، الأول منها حول المدن في الجزيرة العربية، نشأتها وتطوّرها، ودورها الديني والتجاري؛ والثاني منها حول التحوّلات الحضرية في العالم العربي الإسلامي، موثًقا نشور المدن العربية الإسلامية خارج الجزيرة العربية وأدوارها العسكرية والدينية والتجارية؛ والثالث منها حول التنظيم الاجتماعي للمدينة العربية الإسلامية، خططها، ومكوّناتها الاجتماعية والمهنية، ومؤسساتها الاجتماعية. أما الفصل الرابع من الكتاب فيوثّق تأثيرات المدن العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية الحديثة، بينما يحلّل الفصل الخامس من الكتاب ببعض التفصيل تأثّر المدن العربية الإسلامية بالحضارة الأوروبية، ومظاهر تحديثها على النمط الأوروبي. ويُختتم الكتاب بالفصل السادس. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الثلاثاء 12-09-2023 07:57 مساء
الزوار: 794 التعليقات: 0
|