|
عرار:
محمد المشايخ تـَطـَـلــّب إعداد هذه الموسوعة، كل دقيقة من عمر مؤلفها العلاّمة الدكتور أحمد شريف الزعبي سادن التراث الشعبي الأردني وحارسه، ولذلك انفتحت موضوعاتها وغطـّت كل تفاصيل وجزئيات الحياة الشعبية الأردنية، وخلاصة تجربة الأمة العربية وتجليات وجدانها وأرق جماهيرها. ورغم أن هذه الموسوعة أردنية، إلا أن فيها الكثير مما جرى على الصعيد الفولكلوري في بلاد الشام وفي الخليج العربي وفي غيرها من الدول العربية، بل تجاوزتها إلى بعض أقطار العالم، فالزعبي في موسوعته وطني أردني، وقومي عربي، وصاحب أفق إنساني أيضا، فهو يقول عن البشكير الرمثاوي مثلا، إن شباب الرمثا أحضروه من ألمانيا التي عملوا فيها ستينيات القرن الماضي. ولأن الأعمال الموسوعية تحتاج عادة إلى مؤسسات يعمل فيها عشرات الباحثين، فإن د. أحمد شريف الزعبي كان مؤسسة في فرد، أصغى عبر عمره المديد، ورأى، كل ما يدور في بيوت الشَّعر والصواوين والمضافات والدواوين والمؤسسات الشعبية من حوارات ونقاشات وأسئلة وإجابات ومن أغانٍ وأمثالٍ وأقوالٍ وقصص وحكايات وطرائف وأساطير ونظريات وعادات وتقاليد، عدا عن قراءاته على مدى العمر في المصادر والمراجع، حتى جنى ثروة وطنية رأى أن (من بين أهدافه الكثيرة) أن يقدمها لقرائه، سعيا منه لإعلام ولتعليم الجيل الجديد، بما خلـّفه الأجداد والجدات على صعيد التراث المادي وغير المادي، والذي خلّده في هذا العمل الموسوعي الذي توقف في بابه الأول عند: العادات والتقاليد، وفي الثاني: عند الأدب الشعبي وأشكال التعبير الثقافي، وفي الثالث عند الفنون الشعبية وتقاليد أداء العروض، وفي الرابع عند: الخرف والصناعات الشعبية والمهن التقليدية، وفي الخامس عند: المعارف المتعلقة بالطبيعة والكون، وفي السادس والأخير عند التراث المادي. صاغ الزعبي موسوعته وفق أسلوب السهل الممتنع، وتجنّب الإطالة والإسهاب «فعنده» خير الكلام ما قل ودل»، واستخدم في موسوعته الكثير من الألفاظ العامية، ولا سيما التي لا تـُعبر الفصحى عن معانيها ودلالاتها، كما استخدم ألفاظا أجنبية، أو عربية أو عامية غريبة، كلما تطلب السياق ذلك، فهو يتحدث صفحة 299 عن قماش (الكلمنظة)، وفي صفحة (302) عن قماش (المارونس). ولئن كان نجيب محفوظ يتجوّل بين المهنيين المصريين في خان الخليلي ويستلهم في أعماله الروائية من تشكيلهم ودقهم بأزاميلهم الإبرية على النحاس وغيره من المعادن الثمينة والحفر على جنباتها، فإن أحمد شريف الزعبي قد استلهم من مهنيي الشعب الأردني الكثير من المعلومات الدقيقة المحفوظة في قلوب أبنائه، وإلا كيف عرف أن طول الثوب الذي ترتدية المرأة السلطية (حوالي اثني عشر متر)»صفحة306»، وكيف عرف أن الفروة الرّمسية تحتاج إلى اثني عشر جلدا، والفروة الطفيلية تحتاج إلى سبعة عشر جلدا»صفحة442»، وكيف عرف أن للثوب في كل محافظة في المملكة اسما يختلف عن المحافظة الأخرى، إذ يقول»صفحة300»:ففي حوران اسمه الثوب المطرز، وفي السلط اسمه الخلقة السلطية، وفي الكرك اسمه المدرقة، وفي معان اسمه الثوب الموثل، وفي العقبة اسمه الكاب أو الملاية اللف والنزك. ورغم ثقافته الموسوعية الضخمة، وخبرته الحياتية الطويلة والمهمة، إلا أن مراجع الموسوعة الكثيرة والمتنوّعة، تدلّ على سعة اطلاعه، وعلى موضوعيته، وعلى إعادته كل معلومة كان يوردها إلى مصدرها، فأحالنا في نهاية الموسوعة إلى عشرات المصادر والمراجع، وشكلت الهوامش الواردة في صفحاتها الـ761من القطع الكبير موسوعة داخل موسوعة، ومن الفولكلوريين الأردنيين الذين عاد إلى ما كتبوه حول التراث الشعبي الأردني: أحمد الربابعة، أحمد عويدي العبادي، روكس العزيزي، طه الهباهبة، عارف عواد الهلال، عبد الله آل حصان، عمر الساريسي، عيسى الجراجرة الضمور، فايز علي الغول، محمد أبو حسان، نايف النوايسة، نجيب القسوس، نمر سرحان، نمر حجاب، نايف النوايسة، هاني العمد، وغيرهم الكثير. وكان لأدباء ولكتاب ولمؤرخي الأردن، ولأساتذة الجغرافيا في المملكة، ولكل من كتبوا في البلدانيات، وللأجانب الذين سبق لهم أن زاروا المملكة، ولمن ترجموا كتاباتهم، كان لهم حضورهم في الموسوعة، وكأني بمؤلفها د. أحمد شريف الزعبي، يؤشر على الثروة الفلكلورية والكنوز التراثية التي تتمتع بها المملكة، وفي الوقت نفسه، يؤشر على علماء الأدب والتراث والتاريخ والجغرافيا والبلدانيات الأفذاذ الذين أنجبتهم المملكة، فهم ثروة وطنية، وما كتبوه حول تراث المملكة الخالد يُعتبر كنزا، استحال إلى مراجع له وللباحثين من أساتذة وطلبة الجامعات ولكل المختصين بالفولكلور في المملكة. ولئن كان بعض الذين كتبوا في التراث قد استفزوا بعض القراء، فإن الهاجس الوطني تقدّم على مؤلف هذه الموسوعة، لأنه وضع الأردن بكل ثرواته المادية والمعنوية، في موضع الرصد والتوثيق دون إثارة أي نعرة، أو إغضاب أي عشيرة أو شخصية رسمية أو شعبية، لقد ركز في أثناء تأليفه على ما يجمع في التراث ونـَـبـَـذ ما يُفرّق، كما توقف طويلا عند الإيجابيات، وأهمل السلبيات، وكان الجيش العربي الأردني والأجهزة الأمينة المختلفة، ودورها الوطني، وإنجازاتها، حاضرة في معظم صفحات الموسوعة، انطلاقا مما ذكره في مقدمته لها حين قال إن التراث الثقافي غير المادي مهم، لأنه يسعى لما يلي: 1.الحفاظ على الهوية الوطنية2.تعميق الانتماء الوطني3.البحث في الكنوز التراثية وإبرازها4.معرفة الثقافة الشفوية لدى الشعب5.ترسيخ القيم الإيجابية وذم القيم السلبية. توقظ هذه الموسوعة في نفس الشعب العربي، أيام هداوة البال، أيام الإنجاز والعمل والعطاء، بعيدا عن الانشغال بمعطيات وسائل التواصل الاجتماعي التي تـُـلهي الفرد عن أهله وحتى عن طعامه، الأيام التي كان فيها كل مواطن مزارعا أو حراثا أو حصّادا، أو صاحب مهنة تساهم في تقدّم الوطن، يُعد قوت أسرته ومجتمعه بنفسه، دون الاعتماد على ما يتم استيراده من الخارج، كل ذلك نهارا، أما في الليل فثمة أوقات للسهر وللسمر، ولإنجاز التفاعل الاجتماعي الذي غدا جزءا كبيرا في هذه الموسوعة. لا تغني هذه القراءة عن مطالعة هذه الموسوعة، التي نتمنى على الإذاعات والفضائيات الأردنية أن تتيح لمؤلفها أن يقدم ما فيها، في حلقات، تـُنعش الذاكرة وتـُطرب الوجدان، كما نتمنى على وزارة الثقافة، وغيرها من الهيئات الثقافية والفلكلورية والبلديات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، منح العلاّمة الدكتور أحمد شريف الزعبي الجائزة التقديرية التي تليق به وبما قدمه في موسوعته، فتكريمه هو تكريم للشعب الأردني صاحب هذا التراث الخالد. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الإثنين 22-01-2024 07:11 مساء
الزوار: 378 التعليقات: 0
|