في الأزقة المزينة بألوان الفرح، وبين أحضان المدينة العامرة بالأصوات والأنغام، يولد العيد كفجرٍ يبعث الحياة في قلوب الغافلين. هو ذلك الضيف الذي لا يأتي إلا محملاً بالأمل، مزركشًا بأحلام الصغار وذكريات الكبار، حاملاً معه روائح الورود والعطور التي تعبق في الأجواء؛ مخلفاً وراءه الذكريات التي تتجدد كلّ عام. يبدأ العيد في قلوب الأطفال قبل أن يلوح في الأفق، فتتسابق الخطى نحو الأسواق، وتتعالى أصوات الباعة معلنة عن جديد الألعاب، وتتحول الساحات إلى أماكن فرح وسعادة، كلّ زاوية فيها تروي حكاية، من الأطفال الذين يركضون بين الأزقة؛ متلألئين بثيابهم الجديدة، إلى الكبار الذين يتبادلون التهاني؛ متذكرين أعياداً مضت، وآملين بأعيادٍ سعيدة ستأتي. العيد هو ذلك اليوم الذي تفتح فيه القلوب قبل الأبواب، تذوب الخلافات وتتجدد العلاقات، وتنسج الأسر حول موائدها خيوط المودة والمحبة والتقارب. يشارك الكلّ في تحضير الموائد، من أكلات العيد الخاصة، وحتى أشهى الأطباق التي تعكس تراث المدينة وثقافتها، تلك الأطباق التي تعيد إلى الذاكرة طعم الزمن الجميل. تعلو أصوات التكبير مع الفجر، فتمتلئ المساجد بالمصلين، وتصدح الساحات بالتهليل، معلنة بداية يوم مبارك سعيد. هناك، في تلك اللحظات الروحانية تتجلى وحدة المجتمع وتماسكه، وتتلاشى كل الفوارق، مجتمعين على حب الخير. ما أجمل العيد في عيون الأطفال! إنهم يرون فيه العالم من خلال بريق خاص، فكل لعبة جديدة هي كنز، وكل زيارة للأقارب مغامرة. يتحول العيد لديهم إلى مهرجان سحري من الأفراح والألوان، وكأنه رحلة في أرض الأحلام التي لا تنتهي. وبينما ينسج الليل ستائره السوداء على ختام يوم العيد، تبقى الذكريات معلقة في الأرواح، كنجوم تتلألأ في سماء الذاكرة. فالعيد بكل تفاصيله هو تجسيد للحب والتجديد، ودعوة مستمرة لتقاسم السعادة، وتذكير بأن الحياة مهما كانت صعبة؛ فإنها تحمل أيامًا معدودة بين طياتها؛ تعيد إلينا الأمل. يبقى العيد رسالة موسمية تعيد تجديد روابطنا الإنسانية، وتعزز فينا إحساس الانتماء والهوية، فهو ليس يوماً للفرح والاجتماع، بل فرصة لتجديد النفس والتفكير في معاني العطاء والبذل، وهو بكل بساطته وعمقه يعيد إلينا إيماننا الكامل بالجمال الذي يمكن أن يكون في كل يوم نحياه. إنه الوقت الذي يُعيد فينا الاعتقاد بأن السعادة يمكن أن تكون في قلب الحياة اليومية مهما كانت الصعوبات!