تعتبر القراءة بالنسبة للشاعر والإعلامي خالد الظنحاني أسلوبَ حياة، وإيقاعا لا يفتر منه على مدار السنة، ولكنه ينحسر لديه حيناً، بحكم الالتزامات المهنية والنشاطات الثقافية التي بقوم بها، ويتوهج أحياناً خاصة في فترات الإجازات التي يعتبرها متنفساً قرائياً مهما، وخلوة له مع الكتاب في كنف الهدوء والصفاء الذهني، والتعطش للنهل من درر أمهات الكتب.
يَعتبر الظنحاني الإجازة الصيفية - بشكل خاص - فترة مناسبة لمجالسة الكتاب ومرافقته أينما حلّ، سواء أثناء الجلوس في البيت هروباً من حرارة الجو، أو أثناء السفر بالطائرة، أو مجالسة البحر، أو السّمر ليلاً، فالكتاب حاضر معه بقوة، كرفيق درب، يروي منه ظَمَأهُ الثقافي الذي لا حدود له، هو بمعنى ما ماء المعرفة.
وعن نوع الكتب المفضلة لديه، يقول الظنحاني: «أميل في القراءة للتنوع بين المحلي والعالمي، فلا يمكن أن تكون قارئاً نهماً إلا إذا تنقلت كالنحلة بين أزهار الكتب، ترتشف رحيقها، لتُصقل تجربتُك الثقافية رُويداً رويداً، وتتعتّق مع مرور الزمن» ويضيف: «وقد تأثرت بعدة كتب، منها على سبيل المثال لا الحصر كتاب «أيقظ قواك الخفية» لأنتوني روبنز، وكتاب «كليلة ودمنة»، وغيرها من الكتب والروايات، والدوريات التي لم أنقطع عنها البتة طيلة مسيرتي». ويرى الظنحاني أن لكل مرحلة عمرية وحقبة إبداعية أنماطاً محددة من الكتب، فكل كتاب يحرك فينا إحساساً معيناً وشغفاً ثقافياً وحياتياً ما، حيث تنسجم اختياراتنا في الكتب مع المرحلة العمرية والنفسية التي نمر بها، وتشدنا عناوين بعينها، فنتنقّل بين هذه الكتب، وتنقلنا بتجاربها ومحتوياتها القيمة نحو مراحل نضج مختلفة، نتدرّج في سلمها ونرتقي يوما بعد آخر، نحو بلورة تجربتنا الثقافية، فكل كتاب بمثابة لبِنة من بناء صرح وعينا الثقافي، وكلما زاد نهمنا للقراءة علا ذلك الصرح، وكان أكثر متانة، ومناعة، وتألقاً. وقود ويؤكد الظنحاني أن فصل الصيف، والإجازة الصيفية عموماً، هي فترة «السكون المنزلي»، الذي هو بمثابة الصومعة، إذ يلجأ إليها القارئ، والمثقف، أو الأديب، للتأمل والتفكر والتزود بمختلف المعارف الإنسانية، وبالتالي يجدد روحه الإبداعية، ويوسع من معارفه، وثقافته لتكون له وقوداً في المستقبل لمواصلة كتاباته الإبداعية. ويقول الظنحناني: «في الإجازة الصيفية أركن إلى كتبي التي أكون قد اقتنيتها في فترات ماضية، من مختلف معارض الكتب على مدار السنة، أو تلك المؤلفات التي أهداني إياها بعض الكتّاب والأصدقاء، ولم يتسع الوقت لقراءتها»، ويضيف: «وقد وجدت متعة كبيرة في قراءة عدة عناوين منها رواية «ليتوما في جبال الأنديز» لماريو بارغاس يوسا، ورواية «قايين» لجوزيه ساراماغو، وكتاب «الداينتكس» ل: ل.رون هابرد المتخصص في علم الطاقة البشرية، والمجموعة القصصية «منتعلاً الملح.. وكفاه رماد» لناصر الظاهري. ويرى الظنحاني أن هناك الكثير من العناوين المحلية والعالمية التي يمكن للقارئ تخصيص إجازته لقراءتها، لأنها في منتهى الإفادة والتشويق، ومن بينها كتاب «حضارتهم وخلاصنا»، للسياسي البارز والزعيم الروحي للهند «المهاتما غاندي»، الذي يرى أنه ذو فائدة وقيمة كبيرتين لأي قارئ، مهما كان مستواه، فهو كتاب يجمع بين السلاسة والجرأة، ويدعو إلى السلام، والحرية، والعدالة، والتسامح، ونبذ العنف، ولا يتميّز بما يقدمه من دلائل دامغة فحسب، بل بالحقيقة التي يقدم المؤلف حياته الشخصية كمثال عليها، فهو ليس فيلسوفاً، ولا عالماً اجتماعياً ولا مؤرخاً، ولا ينتقد حضارة الغرب نتيجة دراسة معينة أو مذهب محدد، وإنما يتأسس انتقاده لها على تجاربه في حياته الخاصة ومعتقداته، وهذا ما يفسر ميزة هذا النقد وقوته. إلهام وفي حديثه حول طقوسه للكتابة، خاصة في الإجازة الصيفية، يقول الظنحاني: «إن أهم طقس لدي للكتابة هو الإلهام، وهو ذلك الإحساس الذي يداهمك فجأة من دون سابق إنذار، فتجد القلم مستقراً بين يديك، يدعوك بإلحاح للبوح بما يجول في خاطرك، وهذا هو طقسي المفضل للكتابة، والذي قد يداهمني صيفاً أو شتاء، في البيت أو خارجه، مسافراً أو راجلاً، ولا يمكنني مقاومته البتة»، ويواصل قائلا: «ولكن ما يميز فترة الإجازة الصيفية هو الهدوء والصفاء الذهني، وقلة ضغوط الحياة، والاسترخاء، وذلك ما يحفز على الكتابة، لما توفره من ظروف استقرار قد تدفعك للارتماء في أحضان القصيدة، أو النص السردي والروائي بسلاسة أكثر، رغم أن المبدع قد ينطق إبداعاً حتى في ظروف ضغوطات الحياة، وتحدياتها أيضاً، فهو قادر على استدعاء قريحته الإبداعية في حالات الرخاء والشدة على حد سواء». ويختم الظنحاني بتأكيد أن الكتاب يجب أن يكون حاضراً على رفوف أولوياتنا، وعلى رأس سلم اهتماماتنا، لأن القراءة يجب أن تكون أسلوب حياة وإيقاعاً لا يعرف الفتور، فقد يشتد أو يرتخي، ولكنه لا يجب أن يتوقف، فيجب أن يرافقنا الكتاب أينما حللنا ورحلنا، وألا يغيب عنا أبداً، خاصة في الإجازة الصيفية، فالقراءة وحب الكتب والتعلق برائحتها عادة حميدة جدا، إذا سرت فينا تتَّحد مع أرواحنا وتلازمنا، ولم تغادرنا ما لم نغادرها، ولذلك يوصي المواهب الصاعدة بملازمة صداقة الكتاب، وجعله دائماً خير جليس لهم، وإعطائه مساحته من الاهتمام والتقدير الدوري، فمفتاح الثقافة القراءة، وروحها الكتاب.