|
عرار:
عمان صدرت عن دار الخليج للطباعة والنشر طبعة ثانية جديدة من كتاب «النص الأدبي تحليله وبناؤه» للناقد إبراهيم خليل في 146 صفحة من القطع المتوسط. تتقاسمها ثلاثة أبواب ومقدمة، وخاتمة تتضمن المرتكزات التي لا بد من الالتزام بها في نقد النصوص الأدبية، وتقويمها، وفق معايير مشتركة وغير منحازة. ففي المقدمة يعرِّف المؤلف النص مفرقا بينه وبين اللانص. فالنص الأدبي كلام متصل ذو وحدة جليَّة تنطوي على بداية وخاتمة، قد تكون مغلقة، أو مفتوحة. وبينهما مراحل من النمو العضوي القائم على التفاعل الداخلي، بشرط أن يحتل الدالّ فيه رتبة أسمى من المدلول بتعبير رولان بارط. أي أنْ يكون هاجسُ الناثر، أو الشاعر، الشكلَ التعبيريَّ بجلّ ما يعنيه، وليس المحتوى فحسب، على الرغم من أهميَّته. وفرَّق بين النص والخطاب الذي لا يقتصر على الملفوظ اللغوي، بل ينطوي على أركان أخرى منها: المشاركون في الخطاب، والظرف، والمناسبة، والمكان، ونوع الموضوع، والسياق بنوعيه: المقالي، والمقامي. وتبعًا لذلك لا يخضع الخطاب لبعض مزايا النص، كالاتساق، والتماسك، والتنظيم الداخلي الدقيق. وفي الفصل الأول من الباب الأول يتناول المؤلف مفهوم النص، والفروق بين الشعري منه والنثري، وبم يختلف النص القصصي والدرامي عن الشعري. أما الفصل الثاني من الباب فيجيب عن السؤال كيف يتأتى للنص الأدبي أن يكون وسيلة من وسائل التواصل بين القارئ والمبدع شاعرًا وناثرًا؟ فالنص الجيد يحتضن في داخلة حزمة من القواعد والشروط التي اكتنفت إنشاءه، وأحاطت بإنجازه. وهذه هي التي تحيل جلّ ما فيه من علاماتٍ، إلى رموز يتواصل بوساطتها القارئ مع الكاتب، وكأن القارئ يقتحم خلوة الكاتب، أو الشاعر، مُطلا على ما لديه من أفكار وأسرار أراد التعبير عنها بهذه البنية اللغوية التي تتجلى في نسيج متماسكٍ يحيل بعضه إلى بعضه الآخر، ويفسر الواضح منه ما فيه من المبهم، والغامض، ويُضفي على المتفرق فيه وحدة نسقية، فلا نستطيع حذف شيء منه، أو زيادة شيء آخر، دون أن يختلّ هذا النسق. مما يتيح للمتلقي أن يتفاعل بما فيه تفاعلا يؤدّي لبلوغ الفائدة المرجوّة. وفي الفصل الثالث من الباب يقدّم المؤلف عرْضًا لضوابط القراءة الجيّدة للنص الأدبي، مبيّنًا ضرورة الجمع بين الخارجي والداخلي، وبين البنيوي والتفكيكي، فتضافرُ أنماط التواصل مع النص، قديمًا كان أم حديثا، يضمن للقراءة حسن التغلغل فيه لتجاوز القشرة إلى ما تحتها، وصولا إلى النواة. أما الباب الثاني، فجعله المؤلف مقصورًا على عالم النص الأدبي، مشيرا لأبرز مكوناته المباشرة، وهي: العواطف والإحساسات، ثم الحقائق، لأن النص الأدبي- في رأيه - لا مندوحة لمؤلفه من أن يمسّ الحقيقة، سواء تلك التي تهتم بها الفلسفة، أم الفن. وفي الفصل الثالث من الباب يقف بنا المؤلف إزاء المعنى، مؤكدًا أن المعنى شيءٌ مختلف عما هو شائع من أنه المدلول الذي يحدّده المعجم. ومن الأمثلة التي يناقشها الفصل يتَّضح أن المعنى معنيان: معجمي، وهو الذي سماهُ ريتشارد المعنى الإشاري، ونصّي وهو الذي يُفهم من السياق، وهذا لا يخلو من ظلالٍ، وإيحاءاتٍ، لا يُعنى بها المعجم. وفي الفصل الرابع من الباب يحدّد المؤلف الطرائق التي توظف فيها الكلمة شعريًا، وأدبيًا، مسلطا الضوء على الفرق بين الشعر والنثر على هذا الصعيد، لأنّ الكلمة في الشعر غاية، وفي النثر وسيلة. وفي الفصل الخامس يحلل الظاهرة الموسيقية في النصّ الأدبي، نافيا أن تكون الموسيقى حِكرًا على الشعر والنظم، فللنثر هو الآخر موسيقاه. ولكن الوزن والقافية والإيقاع أركانٌ ثلاثة تشترط في الشعر، واختيار ذاتي في النثر. وفي السادس والأخير من هذا الباب يتوقف بأناةٍ، وتؤدةٍ، إزاء الأسلوب، وهو على ثلاثة أنماط، هي: أسلوب الشخص الذي يميزه عن سواه، وأسلوب الحقبة الذي يطغى على الأدب في زمن ما، وأسلوب النوع الأدبي؛ فأسلوب القصة القصيرة مباين لأسلوب الرواية، وأسلوب الرواية مباينٌ لأسلوب الدراما، وهذه جُلّها مباينة لأسلوب الشعر، والشعر الغزلي أسلوبه مختلفٌ عن الهجاء أو الفخر أو المديح أو الوطنيات. وفي الباب الثالث «بناءُ النصّ». ثلاثة فصول، تناول في الأول منها التوليف والتوافق، ملحًا على ضرورة أن تكون المادة التي أدرجها في الباب الثاني مما يأتلفً بعضها مع بعضها الآخر، وينسجم انسجامًا تاما، ويتسق اتساقا بيّنا، فلا يستطيع الدارس أن يحذف منه شيئا، أو يضيف إليه، إلا ويؤدي ذلك لتغيير صورة النص بصفةٍ كلّيّة. وفي الثاني منهُ، يوضح لنا ضرورة التماسك النصّي، محيلا إلى الكثير من الآراء التي قامت عليها مدرسة علم اللغة النصّي. وفي الثالث منه يتطرَّق لما يصفه بتواشج النصوص، متخذًا من قصيدة « البكاءُ بين يدي زرقاء اليمامة» لأمل دنقل نموذجًا للتطبيق، ومن قصتي زكريا تامر: الذي أحرق السفن، واللحى، نموذجين للتناص في القصة القصيرة، مشيرًا لرواية «الزيني بركات « لجمال غيطاني، ورواية «العمامة والقبعة» لصنع الله إبراهيم، نموذجين للتناص في الرواية. يُذكر أن هذا الكتاب صدرت طبعته الأولى عن دار الكرمل في عمان 1995. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 22-11-2024 10:10 مساء
الزوار: 23 التعليقات: 0
|