جنين القطّ ، قالت حذام ، طالاسو، ، يحدث هنا ، نقطة هروب، الطابور وهارون يأخذ المنعطف..
وسبق لنافلة ذهب أن أصدرت المجاميع القصصيّة التّالية : أعمدة من دخان 1979 ، الشّمس والاسمنت 1983 ، الصّمت 1993 و حكايا اللّيل 2003 بالإضافة إلى الكتابة والتّرجمة في مجال قصص الأطفال....
ينهض العنوان على اسم العلم هارون وهو يحيل بالضّرورة على هارون الرشيد الخليفة العبّاسي الخامس وهو ما يعنى أنّ الكاتبة تنهل من نصوص ومشارب متنوّعة ، أوّلها التّراث العربي الذي يحضر من خلال اللّغة في ثراء معجمها وتنوّع جملها و التّشكيل البنيوي القائم على ثنائيّة السّند والمتنن في قصّة قالت حذام.. كما نهض السّرد أيضا على الواقعي الاجتماعي الذي يمكن أن يحدث والرّمزي الذي يطرح قضايا حضاريّة و فكريّة بالأساس...
تقول الكاتبة في قصّة يحدث هنا:
"انتقل اللّيل إلى أبواب المدينة العتيقة حيث نور الفوانيس الكهربائيّة يختلج في ظلّ جدران مبرقعة تقشّر طلاؤها..حجارتها الرّمليّة بارزة، وقد خطّت السّنوات فوقها خدوشا وتضاريس عديدة ..في أحد الأزقّة ، قرب سوق العطارين، هديّة أبي زكرياء الحفصي للمدينة..رأى اللّيل نصل سكّين يلتمع ، يستفزّ ظلام اللّيل، ثمّ يهوي به حامله على عنق الرّجل الرّاكض أمامه..."(ص44)
ويبرزالزمن عنصرا مركزيّا في القصص من خلال العلاقات الزمانية في مستويات الاسترجاع والاستباق والحذف.. ويكون الاسترجاع في القصص أكثر من الاستباق لأنّ الكتابة في الأصل هيّ استرجاع واستدعاء لزمن سردي فيه حنين وتأمّل ورموز لقراءة الواقع...
أمّا المكان فقد التحم بالشّخصيّات وعبّر عن أزمتها وإحساسها بالاختناق والضّيق في المدينة العتيقة خاصّة أو هجس بأحلام التحرّر النفسي و المادي : طيور شارع الحبيب بورقيبة- الضواحي الشمالية - المسبح البلدي..وراوحت الكاتبة بين السّرد الذاتي والسّرد الموضوع مع تنويع زوايا الرّؤية حتى تكسب المكان حضورا مميّزا في البناء القصصي..فليست الشّخصيّات إلا تجسيما لبيئة مخصوصة ، تكون المدينة العتيقة فيها الإطار العامّ والمحرّكة لكلّ الأحداث و القضايا....
واعتمدت الكاتبة في كلّ القصص باستثناء قصّة طلاسو على شخصيّات أنثويّة : إمرأة درست لتعمل، إمرأة ناطقة على لسان بنت الخامسة عشرة، سميرة ، نهى...وهي شخصيّات تنتهي إلى الخيبة والفشل والاحباط عاطفيّا واجتماعيّا وفكريّا ...ففي الغالب وإن اكتسبت هذه الشّخصيّات الحضور الذاتي الفرديّ ، وإن عكست أيضا بعض ملامح السّيرة الذاتيّة فإنّها تعدّ أوعية فنيّة جسّمت من خلالها نافلة ذهب بعض القضايا التي يعيشها النّاس ويعرفها المجتمع التونسي الحديث مثل النسيان والصدام والصراع والانكسار...
أمّا شخصيّة هارون فقد عبّرت عن منطق الانقلاب الغريب في القناعات والسلوك ، فبحكم البطالة والبحث المحموم عن الشّغل فإنّ هذه الشّخصيّة تخون زمنها وعاطفتها و تغوص في فكر منغلق غريب عن المدينة وعن الهويّة....
تقول الكاتبة:
" صورته، وهو يسوس نوقا شهباء في شطّ العرب، تراودني الآن، فيما تطفو بيننا صحراء مترامية الأطراف..تسمّرت في مكاني على ضفّة البحر الأبيض المتوسّط أتطلّع إلى حبيببي المتشيّخ وقد تجاهلني..."(ص 60)
لقد عبّرت نافلة ذهب في مجموعتها القصصيّة الجديدة هارون يأخذ المنعطف عن نبض المجتمع التونسي في تحوّلاته الرّاهنة، في قلقه وخيباته ، في ضبابيّة المشهد اجتماعيّا وحضاريّا...
و من المهمّ التّأكيد على جماليّة التشكيل الحكائي عند نافلة ذهب ، تشكيل لا يستسلم للحدود الفنيّة وإنّما يوغل في التّجريب بلغة دقيقة لا ضبابيّة أو تهريج فيها ..وبعمق إحساس وتجربة في الكتابة والحياة....