وتغزّل في (وجناء) مذيعة ذلك الزمان، وباح للقدس زهرة المدائن، مثلما ضمن شعره الغزلي مروج السلط ومغاريبها، وتغنى بالبترا، ورصد إنجازات المرأة العربية، وافتخر بأردنيته شاعراً كتب بصدق (فدوى لعيونك يا أردن).
الشاعر محمود عبده فريحات قرأ قصيدةً لـ(الرأي)، وبكى القدس، وعبّر عن احترامه للمعلم راثياً، وباح بحديث العيون، وتغنى بالأردن، وحدد شروط الشعر الذي يؤمن به، وقال إنّ غزل الشيوخ هو أرقّ وأبلغ من (ولدنات) هذا الزمان.
الأمسية التي احتفى بها المركز الثقافي الملكي بريادة الشاعرين وقدّمها الزميل الشاعر إبراهيم السواعير مساء أول من أمس، ضمن العنوان (شعراء روّاد)، امتدت وربت وأنبتت ألفاظاً ماتت لدى هذا الجيل، ووعاها الشاعران المولودان على وجه التقريب نهاية العشرينات من القرن الماضي، في محاورة ومساجلةٍ ومعارضة واتساق، وفيها كان الفحلان غير مستمعينِ إلا إلى عمود الشعر وبيانه وموسيقاه.
قال السواعير إنّ المركز الثقافي الملكي يسعى إلى الحفاوة بالرواد وتقديرهم في خضمّ تغوّل الأصوات الشابة وحفاوة الأوساط بها، ناقلاً عن مدير عام المركز محمد أبو سماقة جملة البرامج الثقافية التي جددت وفعّلت من تشاركية هذه المؤسسة الثقافية مع المبدع الأردني والعربي، في الأدب والفن والفكر وكلّ حقول المعرفة وندواتها المنتظمة أو المستجدة.
قال المشيني في قصيدة (وحدة العرب): (وحدةَ العُرْب يا حُداء الأماني// وهتاف الأبطال عند المشانق// يا نشيد الخلود عذباً شجيّاً// بالمروءات بالمآثر ناطق// أنت أمنيّةُ الأماني تليداً/ وطريفاً، ذكراكِ ملء الخوافق// أنتِ حُلمُ الأباة قبلة جيلٍ// عربيٍّ لشامخ المجد تائق// في حماك الحياةُ فجرٌ بهيٌّ// وبكِ العزّ شاهق الصّرح سامق// وحدة العُربِ إننا بالضحايا// سوف نمحو ما أوجدوا من فوارق).
وتابع المشيني ماخوذاً بالنصر: (قسماً لن نكون أحفادَ عمروٍ// والمثنى وابن الوليد وطارق// إن توانى عن الجهاد أبيٌّ// أو تخلّى عن الشهادة وامق). وفي عتابه لمادبا، التي توشك أن تنهي احتفالها هذا العام مدينةً للثقافة الأردنية من دون أن تستضيفه أو تدعوه إلى أمسية: (إلى ربّة الحسن قلبي صبا// وما أصبا قلبي سوى مادبا// وكيف يُغيّب عني حمىً// به عاش جدّي سِنيّ الصبا// أمادبا عفوكِ إن قصّرت// قوافيّ منحكِ ما أوجبا// فإنكِ في خافقي دائماً// وحبّك طيّ الضلوع اختبا).
وفي تحيّته للأردن قال المشيني: (إن تسل عني فإنّي أردنيُّ// لبني غسّان أنمى عربيُّ// وجدودي طاولتْ راياتهم// ذروة الجوزاء والدّهر فتيُّ// وبلادي أينع المجد بها// والحضارات تسامت والرقيُّ). وفي نشيد القدس الفائز في خمسينيات القرن الماضي بجائزة أفضل نشيد قال: (القدسُ تفدّيها المُقلُ// القدس القلب لها نُزُلُ// والروح لأربعها مهر// والموتُ لنصرتها يحلو// والأقصى أبداً نذكره// وقيامة عيسى لن نسلو// يا أرض المعجزة الكبرى// الفجر المشرق سيطلُّ).
الشاعر فريحات قرأ من قصيدة القدس: (يا قدسُ لاسمك تركع الأسماءُ// فبكِ التقى المعراجُ والإسراءُ// إن هوّدوكِ فما الذي سيقوله// إسلامكم ويسوعُ والعذراء).
ومن قصيدته لـ(الرأي) قرأ: (صحيفة الرأي نبض القلب والمقلُ// وإنها الواحةُ العذراء والمقلُ// والعين بين سطور الرأي نزهتها// ونزهة العين تروي وهي تحتفلُ). فريحات قال إنه مع أنه يؤمن بأن وراء كلّ رجلٍ عظيم امرأة؛ إلا أنه أشدّ إيماماً من أنّ وراء كلّ العظماء معلماً؛ فقال: (لله درك.. كيف تشبعكَ الدنا// وخزاً.. ويتركك الزمانُ عليلا// ولكم.. وكم لصٍّ يعيش مبجّلاً// وعلى يديه تناوبوا التقبيلا).
قال فريحات من قصيدته (الرسم بالشعر): (ولكم وكم رجلٍ تراه بشيبِهِ// طفلاً.. وكم طفلٍ تراه رجيلا// ما كلّ من ركب المطهّم فارساً// قدراً.. وما صوت الغراب هديلاً)، ومن قصيدته (الشعر)، قرأ: (إذا الشعر لم يسكرك فهو مزيّفٌ// وإن هو لم يسحركَ فهو خديجُ// وإن هو لم يجعلك طيراً محلّقاً// ودونك ظهر الغيم فهو ضجيجُ). وواصل فريحات بـ(حديث العيون): (حدثيني بهدب عينيك أفهم// فحديث العيون عندي مترجم// بلغاتٍ تكلّم العين عينٌ// إنّ عينيكِ للغات كمعجم). وقرأ للأردن: (أردن باسمك قد باهت أسامينا// وإنّ لاسمك نسغاً في أسامينا// ولو أتوا بجنان الخلد لي وطناً// ما اخترتُ غيرك أوطاناً وتوطينا).
الأمسية كانت لقيت حضوراً نخبوياً طيباً عبر عن سعادته باستعادة ألق الروّاد، وحثّ الكاتب الساخر الصحفي من أخبار البلد أحمد الغلاييني على مثل هكذا أمسيات، كما عدّ الكاتب حنا ميخائيل سلامة الأمسية أنموذجاً لأمسيات ناجحة تشعر الرواد وكتاب الوطن بأن الجميع معهم يستذكر ما قدّموه للأجيال، ومثل ذلك قال رئيس اتحاد الكتاب مصطفى القرنة في حفزه الأصوات القديمة على أن تعلو؛ مبيناً أن الشاعرين المشيني وفريحات قدّما مشواراً يليق بالاحتفاء.