يعد النقد تابعاً للرواية أو لغيرها، كما كان في النصف الأول من القرن العشرين، إذ له فلسفته ورؤيته ومناهجه، وذلك لتطور العلم والمنجزات الحضارية واللغة الرقمية.. إلخ. 
وكان لهذه دورها في بلورة المدارس النقدية واتجاهاتها، وبخاصة في الغرب، الأمر الذي أدّى إلى بلورة النقد باتجاهاته النقدية. وفق ذلك، من البدهي أن يكون الأدب، وبخاصة الرواية، تابعاً للحركة النقدية ولتوجهاتها النقدية الحديثة.
كان الناقد تابعاً للكتاب في مراحل النقد الأولى، مثل النقد الانطباعي والصحفي، ولكنه استقلّ بتطور الحركة النقدية على صعيد النقد الأكاديمي والثقافي، وأصبح النقد شريكاً فعْلياً وفاعلاً، ومؤثراً ومؤجهاً لرؤية الكتاب الإبداعية.
ولا بُدَّ من إضاءة حقل النقد العربي الحديث بمساراته المتعددة؛ الابن الشرعي للنقد الغربي، فهو يعيش في جلباب أبيه، ولم يخرج منه بصورة أو بأخرى، لكن الظروف الآنية والإرهاصات الحالية في الوطن العربي، ربما تساعد في وجود اتجاهات نقدية حديثة ذات طابع عربي، كما فعل النقد في العصر العباسي، فبعد أن كان النقد انطباعياً بصورته الساذجة في العصر الجاهلي، تطوّر بالانفتاح على الفكر اليوناني والروماني والفارسي: رؤى ثقافية وفكرية وعلمية، تتصل بحقل الشعر والأدب والفلسفة واللاهوت، كان لها دورها في تنمية العقل العربي أولاً، وتطويره ثانياً. 
لقد استوعب العقل العربي ثقافة الآخر بانفتاحه على علومه وثقافته بحقولها المتعددة، واستطاع أن يضع تصوراته لكثير من قضايا الفكر العربي آنذاك؛ الأدبية منها والفكرية والفلسفية والعلمية.
ولن نتطرق هنا إلى موقف العقل العربي في العصر الحديث من المدخلات الحضارية، ومن الفكر الغربي ومن الموروث الثقافي العربي بمواقفه الثلاث: الأخذ بنتاج الفكر العربي دون الالتفات للموروث الثقافي العربي؛ وإحياء التراث العربي؛ والوسطية، أي الأخذ من الغربي ما يفيدنا تقنية وعلماً وغير ذلك، ومن الموروث ما يفيد واقعنا المعاصر.. وذلك لبناء عقل عربي غير تراكمي، بل لبناء عقل تركيبي تحليلي حتى يثبّت بصماته على حركة التاريخ الحديث، فالغرب تشكّلت هوياته الثقافية والعلمية ومنجزاته الحضارية بحكم حركة التاريخ منذ عصر النهضة في أوروبا، ومنذ القرنين التاسع عشر والعشرين في أميركا الشمالية.
لقد نجح الغرب، وبخاصة فرنسا، من فرض ثقافته ولغته على الإنسان العربي في الجزائر وتونس والمغرب، إلى حدٍّ ما، دون أن يبدي المثقفون العرب وفلاسفتهم وأدباؤهم حراكاً مضاداً، لانبهارهم بالحضارة الغربية أولاً، ولضعف مفاعيل الحضارة العربية القديمة ثانياً، إلى درجة أن النقاد العرب أمثال: أحمد ضيف ومحمد روحي الخالدي وقسطاسي الحمصي والعقاد وطه حسين وأحمد حسن الزيات ومحمد حسين هيكل وأمين الخولي أخذوا بالمنهج التاريخي، وبنظريات فلاسفة هذا المنهج وغيره مثل: سانت بيف وهيبولت تين بنظريته التي قامت على أسس العرْق والزمن والبيئة.. قاعدةً ومنطلقاً للدراسات الأدبية والنقدية. كما تأثر غيرهم بالمنهج النفسي والاجتماعي والجمالي وبالبنيوية وتوالداتها من مدارس نقدية حديثة مزّقت فكر النقد العربي دون أن تلتفت إلى قضايا الأمة المركزية في أتون العالم المتصارع.
لقد انثالت النظريات النقدية الغربية والمدارس الأدبية واتجاهاتها على الفكر العربي الحديث، الذي بدأ يتشكل في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والعشرين، وقد أدّى إنتاج قرون في بلاد الغرب وخبراته في الساحة الأدبية والنقدية والفكرية والفلسفة العربية إلى ضعضعة بُنية الفكر العربي، ووضعه في خانة التيه بدايةً والإرباك ثانياً.
فالمدارس الأدبية والنقدية والفلسفية الغربية وُضعت على مائدة الفكر العربي الضعيف آنذاك والمرتبك، مثل الكلاسيكية الجديدة، والطبيعية والرومانسية والتعبيرية والواقعية بأنواعها، والرمزية والدادية والتكعيبية والسوريالية، وأخيراً الشكلانية الروسية ومدرسة براغ والبنيوية اللغوية، وتوالداتها مثل البنيوية التكوينية، ثم التفكيكية والسيميائية. ولا غرابة في المزيج النقدي الذي أرهق العقل العربي.

المسارات
مسارات النقد العربي الحديث متعددة الرؤى والاتجاهات، فهناك النقد الانطباعي والنقد الصحفي والنقد الأكاديمي والنقد الثقافي. أما المدارس النقدية واتجاهات النقد فهي المدرسة الكلاسيكية الجديدة أولاً. وقد قام النقد الكلاسيكي أحد أعمدة النقد في الغرب في القرون 16-18 ميلادية، على القواعد المعتمدة آنذاك، أو وفق معايير القيمة التي يطبقها الناقد على العمل ضمن إطار مدرسته النقدية.
وهناك النقد السياقي ثانياً، ويشمل الظروف التي ظهر فيها، كما يشمل تأثيراته في المجتمع، ويشمل بوجه عام «جميع العلاقات والعلاقات المتبادلة بين العمل وبين الأشياء الأخرى باستثناء حياته الجمالية (المذهب الجمالي)». وبعبارة أخرى، فإنه يبحث في السياقات التاريخي والاجتماعي والنفسي، ويرى بعض النقّاد أنّ كارل ماركس يُعدّ أباً لمدرسة معينة من مدارس النقد السياقي. فهو بفكره الثاقب والواسع يُعدّ قوة كبرى في تطوير النقد السياقي.
لقد حرصت المدرسة السياقية بأنواعها، وبخاصة الماركسية، على تمييز الحقائق المنشئية المتعلقة بأصل العمل، ودور المجتمع في تكوينه. وهناك نوعٌ من النقد السياقي الذي يولي نفسية الفرد أهمية كبيرة عند تشريح النص وقراءة دلالاته (فرويد، إدلر، ويوغ).
أما البنيوية التي انتهت في فرنسا العام 1968 على يد مقالة لمؤسسها رولان بارت، فما تزال سارية المفعول في نقدنا العربي الحديث، دون البحث عن جديد. فالبنيوية اللغوية وفق رؤية دي سوسير، هي النسق أو النظام الكلّي، ولمعرفة أيّ سياق يجب البحث في خصائص النسق الأصغر، أو الأنساق الصغرى في علاقاتها بعضها ببعض، وكذلك في علاقاتها بالنسق أو بالنظام الكُلّي.
وتقوم البنيوية بعملية النقد في ظل ما يُسمى «النوع الكامن»، وذلك بنقد ما يتّصل بشبكة علاقات اللغة، ودون أن تحفل بالعالم الخارجي للنص، بما يكمن فيه من علاقات داخلية، ووسائطها اللغة فقط. وتكتفي البنيوية بلعبة التحويلات دون أن تتعدى حدودها أو تستعين بعناصر خارجية، كما يرى جان بياجيه.. وتتحدد البنية ضمن ميزات الجملة والتحويلات، والضبط أو الانتظام الذاتي.

التحديات
يواجه الواقع العربي تحديات جمّة داخلية وخارجية، ويعيش الإنسان العربي في أيامنا هذه في أتون الاحتلال الصهيوني والأميركي والغربي للوطن العربي، ويجب ألا يغيب الأدب أو يحيّد نفسه عن معالجة الورم الخبيث الصهيوني –الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين- برؤى فلسفية واجتماعية وسياسية وعسكرية.
وعلى النقد أن يعزز رؤية الأدباء والكتاب بنقده الإيجابي الفاعل لما يجب أن يكون عليه الأدب، ومادته الإنسان، برؤاه وأفكاره وفلسفاته واتجاهاته وتوجهاته، وببناه الفكرية والثقافية والاجتماعية والإنسانية، وذلك لبناء أدب قومي وإنساني فاعل. ويجب على النقد أن يلعب دوراً في تنوير الطريق وتثويرها: فلسفة وثقافة وفكراً واجتماعاً وسياسة واقتصاداً. ولا شك أنّ الأدباء والنقاد يجب أن يكون لهم دورهم الفاعل والبنّاء في رصد إيقاع حركة الإنسان العربي وتوجيهها نحو بناء فردٍ ومجتمع ووطن وأمة، ونحو إضاءة طريق بنى الفكر العربي.
الرواية العربية هي ديوان العرب، لذا لا بُدّ لها من ضوابط وإيقاعات فنية ترقى إلى مستويات فنيّة متطورة، وهي ترصد لبنات المجتمع وما يجب أن تكونه.
لقد شهدنا حقولاً مختلفة للرواية العربية، ففي الأردن على سبيل المثال توجَّهَ بعض كتّاب الرواية إلى اعتماد تشظّي النص الأدبي وتفتيته تقليداً لبعض الأعمال الروائية الغربية، وذلك بكسر العمود الفقري للنص، الفاعل في بناء الرواية أو بالأحرى إلغاء هذا العمود. ونحن هنا لا نريد رواية كلاسيكية، ولكن نريد أعمالاً فنيّة لها دورها في نقد المجتمع وبنائه وفق رؤية شخصيات هذه الأعمال. 
صحيح أن الأعمال الفنيّة المتشظية لها قيمتها الفنيّة، ولها رؤيتها وفق رؤية الكاتب الروائي الذي اتخذ هذه الرؤية البنائية، لأسباب تقنية وأمنية وفنيّة، لكن القارئ يريد منجزاً فنياً يستطيع من خلاله تكوين فكر ورؤية وثقافة.
وبنظرة سريعة نجد أن كتّاباً لا حصر لهم ملتزمون بقضايا الأمة وشعوبهم، وببناها على تعدديتها، وبخاصة في تونس والجزائر والمغرب، وموريتانيا، مثل الطاهر وطّار وعبد الحميد بن هدّوقة وفرج الحوار وعرعار محمد العالي والطاهر بن جلّون وأحمد إبراهيم الفقيه.
ولا شك أن كتّاب الرواية قد أثْروا الرواية بالتزامهم بالإنسان العربي، وقضاياه ومشاكله وحراكه ومستقبله في إطار الأدب الملتزم. ومن هؤلاء: نجيب محفوظ وسهيل إدريس وحنّا مينة وجمال الغيطاني وغسان كنفاني وعبد الله العروي وعيسى الناعوري وتيسير سبول وسالم النحاس وغالب هلسا وهاشم غرايبة وسميحة خريس ومحمد سلام جمعان وإبراهيم نصر الله ومطاع صفدي وإلياس خوري وإميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا.
ولا شك أن للنقد دوراً كبيراً في ذلك، فهو الملازم الأول للرواية العربية، رؤية ومنهجاً ونقداً وتحليلاً، وهو الأدب الروحي الآن للحركة الأدبية بمفاهيمه ومناهجه. فهو ضرورة من ضرورات تطور الحركة الأدبية لصقل المواهب والإبداعات المتعددة، ولدفع عجلة التطور نحو الأفضل بما يتناسب وحاجيات الثقافة والفكر.

عن الزميلة الرأي الاردنية