|
عرار: أبو ظبي - إبراهيم السواعير - قال عضو أكاديمية الشعر في أبو ظبي د. غسان الحسن إن هناك الكثير من الشباب لديهم العزيمة والهمّة في قول الشعر وإلقائه، لكنهم لم يلحقوا آباءهم أو يعاصروهم، ليأخذوا عنهم، فكثرت الكسور في الأوزان واضطربت الأبيات، وأصبحنا أمام شباب يريد قول الشعر لكنه لا يستطيع تجاوز معيقات معينة، فنشأت أكاديمية الشعر لهذا الغرض. مع محكم برنامج (شاعر المليون) الحاصل على دكتوراة اللغة العربية في الأدب العربي الذي يناقش هنا الكثير من المفردات التي تتعلق بصنعة الشعر، وتالياً الحوار. هل وجود الأكاديمية دليل قوة للبرنامج في كشفه ضعفاً عند الشعراء؟!...أم دليل قوة تحاولون تأجيجها واستثمارها أكاديمياً لدى شعراء بعينهم؟! قبل أن أعطيك لمحةً عن فكرة الأكاديمية في نشوئها، أحب أن أمهّد بأنّ البيئات التي نشأ فيها الشعراء تتباين، فقد تجد البيئة التي لم تنفتح على غيرها، كأن يلقي الشاعر لوالده أو أعمامه في المجالس، وقد تنفتح هذه البيئات فتحمل الهم الوطني أو الاجتماعي أو القبلي أو العشائري أو السياسي في المهرجانات، فحين يأتينا هؤلاء الشعراء فنحن نعلم حكماً أنهم تشرّبوا الشعر من بيئاتهم. وظاهرة أن تلد القبيلة شاعراً هي ظاهرة مهمة جداً لديّ، حيث تسهم في خلق شعراء على مستوى عالٍ من النضج فيما بعد، لأنهم يكونون مؤسسين جيداً على قول الشعر والاشتغال على أوزانه أو (طروقه)، فهؤلاء الشعراء المستعدون أصلاً لا ينقصهم سوى الاشتغال على الكيفيات أو التقنيات أو المقدرة على التوليف بين الألفاظ والمعاني، وربما هم أيضاً من خلال اختمارهم الشعر قد تمرّسوا بكل هذه الأمور، لكن، نحن وجدنا أن أكاديميةً للشعر يمكن أن تتخصص في الأساسيات وتطوّر المواهب وتعتني بها لنصنع شعراء واثقين يشتغلون على الفن الجميل. رعاية المواهب.. وتعليم الشعر لكن، تأمّل فترة قريبة جداً منذ ثلاثة عقود أو أربعة، لتجد في الساحة الإماراتية على سبيل المثال- وقس على ذلك كثيراً من الساحات الشعرية العربية- أنّ الشعراء الذين كانوا يشكّلون هذه البيئة التي تخلق الشعراء، ذهبوا وتواروا بالموت، فمن يرعى هؤلاء الأبناء؟!.. ويوجّه طاقاتهم نحو الإنجاز والإبداع؟! شباب لديهم العزيمة والهمّة في قول الشعر وإلقائه، لكنهم لم يلحقوا آباءهم أو يعاصروهم، ليأخذوا عنهم، فكثرت الكسور في الأوزان واضطربت الأبيات، وأصبحنا أمام شباب يريد قول الشعر لكنه لا يستطيع تجاوز معيقات معينة، فنشأت أكاديمية الشعر لهذا الغرض. هذا الاضطراب هو حاصل في ظل وجود جامعات ومدارس ربما لا ترى في الشعر الشعبي قيمةً أو تراه تفكيكاً للفصحى، فتحجم عنه، وحتى الشعر الفصيح لغير المتخصص ربما يؤخذ في الجامعات مساقاً أو مساقين فقط، وهذا من شأنه أن يوقع الهاوي أو طالب الشعر العامي بالإحباط. قلنا: لنفتح الباب لتعليم الشعر!. فكان سؤالٌ بالمقابل مؤدّاه: (يا أخي!.. كيف تصنعون شاعراً؟!!).. فقلنا: نحن لا نصنع شعراء، نحن نطوّر في الشاعرية ونصوغ المقدرة باتجاه الإبداع. نحن نسهم في تشكيل هذه العجينة الطّرية في قول الشعر؛ نعلّم الأساسيات، في الوزن والقافية والسبك، وحين نتأكد من اجتياز الشاعر مرحلة الإتقان الأوليّة، نسير معه باتجاه التصاوير والتشبيهات واللعب على الألفاظ، ونخضعه لأكثر من دورة يشعر هو نفسه أنه يقول الشعر، وخلال دوراتنا المنتظمة يزوّدنا بنماذج من شعره ومحاولاته في قول الشعر خلال دراسته الشعر، ونحن نراقب ونقيس مدى التطور الحاصل. أريد أن أقول إن هذه الأكاديمية حققت خيراً كبيراً للشعراء، وقد تتعجب أننا خلال أربعة مواسم في الأكاديمية خرّجنا شعراء مهمين، يقفون على أهمية توظيف المعنى واللفظ والاشتغال على فنيّة القصيدة من الداخل، حتى أن ثلاثة شعراء اشتركوا في الموسم الخامس من شاعر المليون بمرحلة الثمانية وأربعين، ولكن، لاحظ أننا لا نعطي هؤلاء الشعراء شهادة لكي يعملوا بها، بل نمنحهم شهادة اجتياز لدورات الأكاديمية المقررة. من المهم أن أذكر لك يا صديقي أننا نطمح إلى أن تكون لنا فروع في الإمارات كلّها حتى يستفيد أكبر عدد من الشعراء، آخذين بعين الاعتبار بعد المسافة. ولعلك تتعجب من أننا جاءتنا طلبات من شعراء في دول عربية يسألون إذا كان بالإمكان إقامة فروع للأكاديمية في هذه الدول، لكن في الحقيقة نحن نتداول الأمور في سبيل هذا التوسيع. تكرار التفاعيل من المعروف أنك جئت للبرنامج بعد عراكٍ بحثي وتعب سنين وبحوث شديدة المراس، السؤال: هل وُفّقتَ في إخضاع قصيدنا النبطي لتفاعيل الخليل بن أحمد الفراهيدي؟!.. استطاع هذا البرنامج أن ينمّي شيئاً انطلق في المنطقة بعد كل هذا الانفتاح الثقافي والسياسي والاجتماعي. وتعلم أن مرحلة ما قبل التعليم والانفتاح هذا كانت مرحلة المشافهة في نقل الشعر وقوله. فقد كان الشعر النجدي نجدياً والإماراتيّ إماراتيّاً والقطري قطرياً والبحريني بحرينيّاً والكويتيّ كويتيّاً.. وهكذا، وكل الشعر في بلادنا العربية، حيث الأوزان الخاصّة بكل مجتمع وبيئة والبحور المعتمدة التي تشير إلى هذا الجزء أو ذاك حتى داخل الدولة الواحدة، وكانت بالطبع مشتركات بين هذه المناطق إذا صحّ التعبير. وكانت الأسس الفنيّة تكاد تنسجم بكليّتها، مع أنّ المتفقهين في الشأن الشعري النبطي يقولون لك إن هذا اللون هو نجدي وذاك حجازي وهذا إماراتي... وهكذا. الأسس الفنيّة واحدة، يجمعها لفظ الشعر النبطي مع أنّ البحور تختلف أو تتباين قليلاً أو كثيراً، لكن، ما الذي حدث اليوم؟!.. الذي حدث أنّ عصر التواصل الشامل هذا بتقنية الاتصالات السريعة جعل هذه البحور تتنافذ على بعضها، حتى أصبح الشاعر في نجد يقول أو يتقن بحور الخليج الأخرى أو يتعلّم بحور الشعر الإماراتي، بمعنى أن التبادل الثقافي سهّل هذه المهمّة جدّاً، فاقتربت المسافات، لكنّ الأوزان باقترابها تكاد تختلط أو هي اختلطت، فحاولنا في البرنامج أن نرفع الأوزان ونكرّسها أو نشير إليها على الأقل بصفتها روافد مهمّة. اشتغلنا على ألوان من مثل (التغرودة الإماراتيّة)، حتى أننا كرّسناها ليكتب عليها الشعراء فبدأ بريقها يلمع في السّاحة النبطية بشكل عام. إذن، كثرة البحور والابتكار جعلتنا نؤمن بهذه الإضافات النوعية، وكنتُ وصلت في كتابي الذي أشرتَ إليه إلى 48 وزناً، بينما عندي اليوم 75 وزناً، لاحظ أنّ هذه الأوزان هي أساسيّة، ومنها تفرّعات في المجزوء وما شابه في أمور يعرفها جيداً العروضيّون. وهذا يا صديقي يدلّ على أنّ مساحة الشعر والوزن هي مساحة واسعة جداً، وطبعاً فهذه الثماني تفعيلات هي التي أسست لستة عشر بحراً، وفي الحقيقة فإنّ هذه الستة عشر هي شرائح من هذه الموسيقا، غير أنّ المساحة السمعية عند الشاعر العربيّ مترعة بالأوزان الكثيرة، لدرجة أنّ هؤلاء الشعراء في مسيرتهم اكتشفوا وأضافوا وقالوا على هذه الأشياء، وهذا بالطبع كما عند الخليل بن أحمد جهدٌ تراكمي جماعي، ونحن اليوم نكتشف هذه الأمور، فالأولى أن نقف عندها ونناقشها على مدى مناسب. الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الثلاثاء 11-06-2013 08:14 صباحا
الزوار: 1497 التعليقات: 0
|