أو نادرا ما تفهمه، ونادرا ما يهتمّ به النقد أيضا، مع أن ضبطه داخل النص السردي هو الذي يحمل وجهة نظر الكاتب. 
وأضاف في محاضرة نظمتها لجنة مقاومة التطبيع برابطة الكتاب إن : «المزاج في السرد، باختصار، يعني الاهتمام بالحالة العاطفية لدى الشخصيات الروائيّة وحدها، وسط الظروف أو الأوضاع المحدّدة التي توضع فيها، ومدى انسجام هذه الحالة العاطفية في كلّ مشهد من مشاهد الرواية، ثم في مجموع المشاهد، خلال تنوّع الأمزجة فيها، وترابطها، وبالتالي مدى الانسجام الذي تخلقه في العمل الروائيّ بكامله، ما يجعل هذه الحالة قادرة على إثارة انفعال القارئ، في استجابة عاطفية لها، بالشكل الذي يهدف إليه العمل الروائيّ في مجمله».
في المحاضرة التي حملت عنوان «التطبيع في الرواية» للأديب وليد أبو بكر،  بيّـن مقرر اللجنة محمد أبو عريضة، الذي أدار المحاضرة أن «الأبحاث والدراسات التي تناولت التطبيع كثيرة، لكن حصة التطبيع الثقافي منها متواضعة، وحصة التطبيع في السرد تقريبا معدومة، فباستثناء دراسة للأديب وليد أبو بكر، بعنوان «مخاطر التطبيع في الرواية الفلسطينية»، نشرت في مجلة الكلمة، وفي صحيفة الدستور، فإنني لم أجد خلال بحثي عن هكذا دراسات في مؤشر «جوجل» عن شيء، ولأبي بكر مخطوط سيصدر قريبا تحت عنوان «المزاج في النص الأدبي ومخاطر التطبيع في الرواية الفلسطينية» سيصدر.
 أبو بكر ذهب إلى أن : «الانحياز إلى ما يفعله العدو، أو إضاءة ما يفعله، أو تقديمه كنموذج، في الأعمال الأدبية، هو المقدمة الطبيعية لقبوله، وهو بالتالي طريق إلى التطبيع، الذي يعني الاعتراف بوجود طبيعي له في الأرض الفلسطينية، أو بحق طبيعي في احتلالها، أو المشاركة فيها. وقد حدد مؤتمر حول التطبيع أبرز تطبيقاته العملية، وتقوم المقاومة الأكاديمية للتطبيع، بتأكيدها باستمرار، ما لا يجعل لمن يدعي عدم وضوح المصطلح حجة، ومن ذلك على سبيل المثال، قبول المشاركة في أي عمل مادي أو ثقافي، يكون للمحتل وجود فيه. يضاف إلى ذلك، بالطبع، على المستوى الثقافي، الدعوة لمثل هذه المشاركة، وهي دعوة تتكرر باستمرار في السرد، ترددها بعض الأقلام عن جهل، تام، وتتخذها أقلام أخرى سياسة واعية، أو خيارا ثقافيا واضحا، هو أخطر ما يمكن الإشارة إليه».
وبيّـن أبو بكر أن الفشل الواقعي لمشروع التعايش ـ الذي جاء به أوسلو، وهرول نحوه كثيرون ـ لا يردع بعض الأعمال الروائيّة عن الاستمرار في الدعوة إلى هذا التعايش، إلى الحدّ الذي قد يفضي بها إلى القبول بالاستسلام، أو القبول بالواقع المتاح، باعتباره الخيار الوحيد. ولم يتوقف الحال عند حدود وصف الطبيعة أو الأشخاص، لكنه انتقل بالتدريج إلى إدخال الشخصيات الإسرائيلية ضمن نسيج الرواية الفلسطينية، وضمن نسيج المجتمع أيضا، ليصبح وجودها مألوفا فيه.
وبعد أن استعرض نماذج من التطبيع في الرواية العربية خلص أبو بكر إلى أن «تفسير مثل هذا التطبيع، الذي قد لا يكون مدركا، يندرج تحت حالة مؤسفة يعيشها بعض الشباب العربي الفلسطيني داخل الخط الأخضر، منقطعا، ربما باختياره في بعض الأوقات، عن أية مرجعيات ثقافية وطنية أو قومية، وهو حين يكتب، يصوّر ما يراه، وقد يصوّر ما يعيشه، إذا كان انقطاعه عن مجتمعه حاسما، ووعيه غير قادر على أن يوضح له أن الفرق بين الحياة في واقعها الذي يعيشه، والحياة داخل الرواية التي يكتبها، هو فرق في المبدأ أولا. وفقدانه لمرجعياته لا عذر له فيه، لأن الأرض التي يعيش عليها أنتجت مرجعيات ثقافية ووطنية عالية، منذ الأيام الأولى للنكبة، كان بإمكانها أن تكون دليلا له، حتى أيام العزلة القديمة، كما أنها ما زالت تنتج حتى الآن. والوصول إلى هذا المستوى من التطبيع، يستلزم تحريك الوعي ضدّه، بتوضيح خطورة التطبيع الثقافي، لأن كلّ الاتفاقيات التي يمكن أن توقع مع العدو، تظلّ قابلة للإلغاء، (إلا الفعل الثقافي، لأنه يضرب عميقا في الوجدان، وينخر في الذاكرة إلى حدّ إلغائها، وهنا تكمن خطورة التطبيع الثقافي)».

المصدر الراي