|
عرار: عرار تنشر السلسلة السابعة من بستان الأندلس ..د.رشا غانم تكتب الشاعر المصوِّر ابن الزقاق البلنسي عرار- خاص: توجهت إلى البستان ومعي ذكريات كثيرة أغتنمها من كل زيارة به وأنا أطوف أركانه،وأتغزل بكل زهرة شديّة أتنسم منها أبهى الروائح، وأجدني أقتربت من زهرة نديّة تتساقط عليها قطرات الندى كأنها سلاسل ذهبية ،ولا عجب فهي تحمل اسما مشبعا بآليات التصوير والجمال، إنه الشاعر المصوِّر ابن الزقاق ت:521هـ ،وخاله الشاعر المبدع ابن خفاجة ،ونجده برع مثله في تصوير أبهى اللوحات الجمالية الرائعة في الطبيعة الأندلسية، فكانت كل صورة شعرية كاللقطة الفنية التي صورها فنان بارع بفنون التصوير . ويبدع في وصف الرياض فيقول: وحدائقٍ خُضْرِ المعاطفِ أُلْبستْ من حسن بهجتها ثيابَ زبر جد زرتْ عليها الشمسُ فضْلَ ردائها فبدا زبرْ جدُهُنَّ تحت العسجد الرياض عند ابن الزقاق مكان للقاء الأحبة فهي مسرح أنسهم ولهوهم، فهذه الحدائق الغنَّاء المزهرة زادت تألقًا واخضرارًا في هذا النهار المشرق المشمس، وقد بدا زبرجدهن تحت العسجد ،فمنظر الحدائق النضرة، وحين وقعت عليها الشمس لم تحرقها بل ألبستها رداءً ولعل ذلك وقت الأصيل، حيث بدت باللون الأخضرالزاهي تحت ضوء الشمس كأنها زبرجد تحت عسجد. ويبدع في الغزل بقوله: يا نازحا بوداده لما بدا واشٍ وليس عن الفؤاد بنازح ما كان أحسن شمْلنَا ونظامهُ لو كنت لا تصغي لقول الكاشح إني لأعجب كيف يعزب عنك ما أضمرتُ فيك وأنت بين جوانحي والكاشح أو العاذل ملمح من ملامح الغزل استخدمه ابن الزقاق، ليشكو صد محبوبه، وهجرانه بسبب سماعه للوَّام، ويتعجب من سلبية المحبوب وسلوه عنه على الرغم من معرفته بما يعتلج في صدر الشاعر وجوانحه من جذوة الحب المتقد. ويرثي زوجته دُرّ بأحرِّ الكلمات فيقول: فيا در إن أمسيتِ عُطلاً فطالما غدا الدرُّ والياقوتُ بعض حلاكِ ويا در ما للبيت أظلم كسره تراك تيممت التراب تراك ويا زهرةً أذوى الحمام رياضها لقد فجعتْ كفُّ الحمام رباك سقاكِ الندى حتى تعودي نضيرةً ومن للقلوب الحائمات بذاكِ ألا فُتَّ في عضد الحمام لقد رمى عقيلة هذا الحي يوم رماكِ فدتك كريمات النساء وربما رأين قليلاً أنْ يكنَّ فداكِ ويبرز الشاعر في هذا الرثاء الشجي لزوجته دُرّ هول الفجيعة على عناصر الطبيعة من خلال المطر والحمام والبرق ونحيبهم على فقد زوجته التي بفراقها لم يهنأ بأي سعادة، فقد تبدلت الأيام إلى حزن دائم بعدما طويت محاسنها في الثرى، ويتعجب من الزمان الذي رماها بسهامه، ولم يكترث لجمالها الوضاء الذي رضخ لهذا الثرى، ويعبر الشاعر عن حكمة خبيرة بمآسي الزمن بقوله: لا تصلح العبرات إلا لامرئ لم يدر أن العيش لمعُ سراب فالشاعر يرى الحياة بحلوها ومرها أنصفت أو جارت، ساء ناسها أو أحسنوا لا تستحق البكاء عليها لأنها سراب ووهم، فلا يسكب الدمع عليها إلا غير عارفها. ويبدع في الصورة الشعرية فنجدها عنده بها من الإثارة والصدام والحركة حيث اكتمل فيها الشكل الدرامي فالصورة الدرامية هي التي لا يجتمع طرفاها في الحقيقة، وإنما يمثل الطرفان مفارقة تشعل الصدام والدرامية فيها، فيقول: وأغيدٍ طاف بالكؤوس ضحى فحثها والصباح قد وضحا والروض يبدى لنا شقائقه وآسه العنبريُّ قد نفحا قلنا وأين الأقاح؟ قال لنا: أودعته ثغر من سقى القدحا فظل ساقى المدام يجحد ما قال فلما تبسم افتضحا انطلق ابن الزقاق كما يقول المستشرق غارسيا غومث "من تشبيه الثغر بالإقحوان، ثم أعطاه طابعا مسرحيا، الندامى يشربون ضحى فى روض بين الشقائق والريحان، ولم يكن الأقاح هناك فسألوا عنه فأجابهم الروض: لقد أودعته ثغر الساقى، ولكن الساقى أنكر، فلما ابتسم بدت أسنانه، لقد كانت الأقحوان الذى افتقده الندامى. فما أروع الشعر الذي يعبر عن كل ما يجول بفكر الإنسان من خلال نبضات تتدفق بالرقة والعذوبة ولوحات جمالية رائعة كما في شعر ابن الزقاق! الكاتب:
اسرة التحرير بتاريخ: الأحد 06-07-2014 05:50 صباحا
الزوار: 6327 التعليقات: 0
|