من لقاء ندوة الخليل الثقافية مع الكاتبة صابرين فرعون
عرار:
جراسا -حوار فاطمة حوامدة / الخليل
التقينا لتوقيع الإصدار الأول قبل عامين وهانحن نلتقي لتوقيع الإصدار الرابع للكاتبة صابرين فرعون ..
نبارك لكِ هذا الانجاز , وأهنئك على هذه الغزارة الفردية والأدبية , والقدرة على التنقل بين أكثر من موضوع ونوع وشكل أدبي في الإصدارات الأربعة من ( النص النثري والروائي والقصصي والقراءات الأدبية والمقالات وغيرها ).
أنا حقاً أُبدي إعجابي بأسلوبك الأدبي وتفردك في صياغة اللغة والتلاعب بمهارة بتراكيبها ومفرداتها لتقدمينها على طبق من الدهشة للقارئ , وكأنك تتلذذين بمراقبته وهو يلتهمها بشراهة ونهم .
*// بين كل هذه الطاقة الكتابية التي تتعاظم بلا توقف داخلك .. كيف تصنف صابرين فرعون نفسها أدبياً ؟ وكيف تشكلت لديك موهبة الكتابة ؟
لا أرى في نفسي القدرة على تصنيفي بغير إنسان سواء في المجال الأدبي أو حتى العملي والوظيفي أو الاجتماعي، وإنما هو رؤية الآخرين وتصنيفهم لي بناءً على معايير التواصل بيني وبينهم كقراء ونقاد وأساتذة وحتى أهل وأصدقاء في محيطي ومجتمعي..
البعض يجري وراء اللقب، واللقب هارب منا جميعاً..
اللقب لا يضيف لي كإنسان، حتى وإن كان من باب الاحترام، فاسمي أسبق للنداء من كاتبة أو أستاذة أو...
من أكثر النعوت والألقاب التي يناديني بها البعض شيوعاً "شاعرة" وأعترض دائماً، على ذلك فأنا أمزج بين النص السردي والخطاب الحسي والنسوي..
ترتسم لدي علامات استفهام على عدم قدرة تمييز بعض القراء بين الشعر والنثر، فهل مرده هو الالتباس في كتابة النص السردي على شكل عامودي كما قصيدة النثر، مثلاً؟ إذن نحن نواجه مشكلة أكبر من اللقب، وهي أن الأدب غير قابل للتجدد شكلاً ومضموناً، كما أن النص سيغرق في الإشكالية الدائمة "الشعرية والشاعرية"..
بدأت الكتابة في سن صغيرة، وتحت إشراف معلمة اللغة العربية في مدرستي وتشجيع والدتي، واستمررت على هذا النحو في تلقي الملاحظات، محافظة على برنامج قراءة ومتابعة للأدب العربي الحديث وخاصة المعاصر، للاستفادة من التقنيات والنهج وأدوات الكتابة..
* // يبدو واضحاً في كتابك "جريمة نصف زرقاء" الثقافة العالية والحنكة الأدبية التي تمكنك أن تكتبي بكل هذه الثقة وبهذه الرمزية والتلميح والإيجاز .. كل هذا يحتاج إلى قارئ متمرس وعميق ليدرك ما وراء السطور ..
هل أخذت الكاتبة على عاتقها أن كل القراء بذات المستوى بلا تفاوت أم كان عليها أن تترك علامات استفهام بعد نهاية بعض السطور إن لم تكن أغلبها ؟؟
ليست علامات استفهام بقدر ما هي أبواب مفتوحة على مصراعيها للتأويل، فأنا أسألك أن تبحث عن نفسك، أي من تجارب الحياة مررت بها وقاربتها بالنص فرأيت صورتك أو شخصك أو حتى شعور راودك فيها..
أبحث ميتافزيقياً عن ذلك الأنا.. عن ملامح الإنسانية المنسية..
الأكيد، أني لا أبحث عن النخبة في القراء، ولكني أبحث عما يجعلني وإياكم نتفكر في كونية الفعل ورد الفعل في التعامل مع الأمور..
الرمز، ما يزال موجود، وهو بصمة لي أنهجها بالإيحاء والتلميح، ولكن أحاول قدر المستطاع تبسيطها..
* // تتبلور فكرة النص عند صابرين في هذا الكتاب والذي يصنف في قصة قصيرة جداً بين ثلاثة أبعاد، ففي كل قصة نجد الفكرة الرئيسية وهي ( التجربة أو الحدث المعيش ) , الرسالة (الإيجاز والرمزية أو الهدف ) , العنوان والخاتمة (بين لفت الانتباه والدهشة ) .
كلها تشكل تجربة كتابية صادقة لكِ، فالى أي مدى يؤثر صدق الكاتب على عملية الكتابة ؟ الكاتب مطالب بالمصداقية والحياد في الكتابة غير الذاتية، ومطالب أن يكتب بإحساسه وزاوية نظره للأمور في الوجدانيات..
الصدق مقياس للمضمون وليس الشكل، مقياس للفكرة وليس القشرة، هو موجود بصوت الكاتب وبصمته..
التخييل امتداد للواقع وانعكاس له، وقد يصل إلى الفانتازيا "الواقعية السحرية"، حيث تدخل التفاصيل المشهدية وتطغى توصيفياً على واقع الفكرة ، وهو عنصر مطلوب في العمل الأدبي على أن لا يتجاوز المعقول والتجاوز الذهني.
الكذب والافتراء في الكتابة التاريخية وفروعها موجود لكنه مرفوض في العمل الأدبي لأنه سيشوه أهدافه وسيغربل إدراكه واستيعابه..
* // ما رأيك بالتجارب الشعرية والأدبية من وجهة نظرك في الوطن والحداثة بشكل عام وما بعد الحداثة ؟
برغم الكم المذهل من الكتاب والأدباء، إلا أن هناك موروث شعري وأدبي وحداثي الأصوات تتوارثه الأجيال، أسماء عربية تستحث المتابعة والاهتمام.. علينا أن نترك بصمة مختلفة وثرية لأجيال قادمة كما ترك لنا أجدادنا، فالأمثال والقصائد والحكايات والقصص والروايات والأغنيات التي حفظنها عن آبائنا وأجدادنا لن تناسب الجيل القادم والذي تغيرت أساليب معيشته وصار تواصل الثقافات والشعوب يؤثر في تعميق نزعة المعرفة لديه..
* // هل استفاد الأدب أو الشعر من الرؤى البصرية كالسينما أو الأعمال الدرامية أو ما شابه ذلك ؟؟
لم أشاهد التلفاز منذ مدة طويلة، وذلك بسبب انشغالي واستغراقي بالقراءة والكتابة، ولكن عوضت ذلك بما هو أفضل، حيث حاكيت هم الناس من خلال محاورتي ومتابعتي للناس من خلال الباب الزجاجي للمحل الخياطة حيث تعمل والدتي وأتواجد لمساعدتها، أتاح لي الباب رؤية مشاهد أحاكيها وأحاورني وأحاور القراء من خلالها، فأنا أرى رجلاً يعنف ابنه في الشارع، وأرى امرأة يمشي "محرمها" أمامها وهي تجر أذناب الخيبة خلفه يدخلان لتخيط لها والدتي فستان فإذا به يتدخل في تفاصيله ولونه ومقاسه ولا يعطي زوجته الحق في النقاش، وأرى شجاراً بين شباب الحي يصل أحياناً للضرب والانتهاك الجسدي، وأسمع حكايات النسوة وكل واحدة في بيتها هم تفرغ حمولته وثقله وهي تحكي، وأرى طلاب المدارس وهم يتسيبون ويعودون لمنازلهم قبل أذان الظهر. الرؤى البصرية مهمة، فهي تسهل إيصال المعلومة وتثير حواس وعقل المتلقي للتفاعل..
* // جريمة نصف زرقاء عنوان الكتاب، وصورة الغلاف تحمل ملامح أنثوية حزينة ويعتريها الهم , وبما أن صورة الغلاف تعطي فكرة أولية عن مضمون الكتاب فهذا الكتاب يبدو لقارئ متفحص للكتاب دون أن يقرأه، أن الجريمة تحمل بصمات أنثوية بحته ولا تجريم للرجل هنا !! رغم أن هناك الكثير من القصص التي حملت بعض التلميحات عن موضوعات تناولت قضايا المرأة في مجتمع تسوء فيه العادات والتقاليد والظلم وغيرها ..
هل هناك توافق بين ما تم ذكره ومضمون الكتاب ؟
ولماذا جريمة نصف زرقاء تحديدا ؟؟؟؟
حقيقة، لم أفرق بين رجل وامرأة، فالتجربة نفسها ما تفرض علي الكتابة بلسان الشخوص. كنتُ قد أعطيت للفنانة الصديقة زُهى صلاح الدين ملامح وتفاصيل الغلاف، وعليه قد عرضت لي عدة لوحات من أعمالها، وكانت اللوحة ما يتوافق والعنوان والمضمون بشكل كبير، خاصة أني طلبت أن يكون الأزرق بارزاً.
الأزرق، له تأويلات كثيرة، وأنا معنية بالتحرر من كمائن النفس، وبرغم بروز المعالم الأنثوية ، الدعم وشد الأزر، كان تطلعي وزهى أن هذا الدعم ساعد على التحرر..
لكل مفردة في العنوان دلالتها، فالجريمة هي تمرد النفس على فطرة الخير وتبني الشر كوسيلة، والنصف هو النصف البشري الخير " الحقيقة المخفية"، والأزرق هو النضج الذي يصله الإنسان فيتحرر من لوثة الجرم الذي يقترفه ويجني عليه وأطراف أخرى..
* // الطفلة التي تتقافز بين السطور في كتابات صابرين هل لها دلالات أو ارتباط واقعي بملامحها الحقيقية التي تحرصين على أن لا يراها أحد ؟
الطفلة هي صورتي وأنا أكتب الآخرين، حاولت أن أخفيها ولكنها كانت صوتي في مساحة زرقاء تبحث عن انفراج.
أخيراً هذا الكتاب هو إضافة مميزة وجميلة وتستحق أن تأخذ مكانها بالمكتبات العربية والفلسطينية ..