|
عرار:
تظل الذائقة الأدبية للقارئ الفاصل بين الأعمال السردية، ولهذا لا يمكن الاتفاق النهائي حول جودة العمل من عدمها، خاصة وأن الكثير من الكُتاب تنتهي علاقتهم بأعمالهم بمجرد خروجها للقارئ، رغم كل ما يقال بأن الكاتب يكتب والقارئ حاضر أثناء الكتابة. هنا لسنا في مجال تقييم للأعمال الروائية التي تمت قراءتها عام 2016، من قبل شعراء وروائيين ونقاد وإنما وجهنا لهم سؤالنا باعتبارهم قراء، عن أهم قراءاتهم الروائية لهذا العام وأين تكمن أهميتها بالنسبة إليهم. الغربيون والصحراء يقول الشاعر محمد المطرود “أميلُ في الكتابة إلى السرد، تحديداً الرواية، لديَّ قناعة رغم علاقتي مع القصيدة بأنَّ الرواية أكثر انفتاحاً وأوسع قدرة على استيعاب عوالم وحيوات الإنسانِ المهجوس بتشييد علاقة طيبة مع الكون، هذه الكونية قد تبتلع مسألة التجنيس، فأرى في الروي كلَّ ما أطمح إلى أن أراه، ثمَّ إن أحداثاً مهمة وتفاصيل أقل أهمية وأشخاصاً يتعايشون ويتصارعون ولهم بدء تاريخ ونهاية، لا يمكن تلمس حركتهم في أي جنس أدبي آخر. وبهذا أكون أصبحت على مشارف أرض منبسطة في مكان ووعرة في مكان آخر، غير أنها مكشوفةٌ لي كقارئ يروم الوصول إلى فهم دقيق لجزء من حياة أناس ربما هم غرباء عني، وربّما لم أجدهم في متناول حياتي لأكونَ صورة ولو تقريبية عنهم، وهو ما تحققه لي الحياة الممكنة التي يوفرها الروي باستطرادهِ وتشعباته، ووفق هذا الكلام قد لا أبحثُ عن قضيةٍ بقدر ما أبحث عن معرفة بالشيء وعن تفاصيل هامشية ترسم لي في المحصلة صورة أقرب إلى التكامل”. يشير المطرود إلى أنه في قراءته للرواية لا يغيّبُ القارئ ولا الناقد، بمعنى أنه ممن يبحثون عن الفنية وعن الغاية وكذلك عن الجانب المتعوي، علاوة على بحثه عن الاختلافات في الأمكنة والبيئات، وحتى إن كان لا يبحث عن صورة إثنوغرافية، مشهدية، فإنه يؤكد أنه يهمه النظر في ثقافات مختلفة. يتابع الشاعر قائلا “قرأتُ رواية ‘انقطاعات الموت‘، لجوزيه ساراماغو، ووجدت تلك الحديةِ التصويرية لعالم محايث، يمكن أن تخلقه الرواية كاملاً، شيء أشبه بخيال علمي، لكنه خيال يقربك من الواقعي والوقائعي، وسترى فيه ما هو محلق وتهويمي أقرب إلى نفسك من حياة معيشة بلا رتوش. قرأت كذلك ‘ثلاثة جياد‘ لآري دي لوكا، وتعرفت على حقبة مفصلية في حياة شعب وحياة مفصلية في حياة عاشقين أو شبه عاشقين. ولم تأت الرواية هنا بأحداث فاقعة، إنما بإشارات وشاعرية، غيّبت الأشخاص والحدث لصالحها، ليخرج القارئ منها بما عبأته فيها من فضاءات خالصة، تجعله على علاقة بالسماء أكثر من علاقته بالأرض موطن الروي. قرأتُ أيضا ‘منينة بلانشية‘، لمحمد ولد آمين، فتعرفت على الصحراء الموريتانية وما تبسطه القبائل من نفوذ، ورأيت المثاقفة الشفيفة بين الصحراء تلك وأواسط أوروبا، ووجدتُ اللعبة الروائية والخيط المتعوي الذي لا يأسر المتلقي بفكِّ العقد، بقدر ما يترك له الروَحان إلى المدى الأقصى في التلقي”. نافذة مفتوحة يواصل الشاعر حديثه عن سلسلة قراءاته حيث قرأ “أولاد الغيتو/ اسمي آدم”، لإلياس خوري، والتي يقرأ فيها خوري التشظي الهوياتي للشخصية الفلسطينية، ويستعيد من جديد المجازر وتبعاتها برضوضها النفسية والخلقية على إنسانِ اليوم. تأخذ هذه الرواية، كما يقول المطرود، أكثر من شكل وأكثر من مسار، فالبطل هنا باسمهِ الإحالي إلى بدءِ الخليقة المأهولة بأب البشر له دلالة على خلق جديد، وما البطل آدم دنون بتحولاتِ اسمه إلى دوال متعددة إلا إشارات إلى التشعب والتشظي والضياع الذي أفرزه الشتات. فحكاية آدم هي حكاية أمةٍ تتعرض للإبادة بالمجازر أو التهميش، وتأتي هذه الحكاية على لسان يقدمها بوصفها حقائق أقرب إلى التوثيق، والسارد الرئيس هنا مثقف، مقولته مفخخة رغم محاولة تبسيطها من جانبه يوضح المترجم راضي النماصي أن أجمل ما قرأ من الروايات لهذا العام بلا منازع رواية “طعم الذئب” للكويتي عبدالله البصيص، التي يقول عنها “رواية رائعة خلط فيها بين الموروث الشعبي والصحراء والفانتازيا عبر توليفة سردية بديعة للغاية، تستثمر اللغة وتمسك بيد الحكاية بينما تسير على الخيط الرفيع بين الإثارة والتأمل حول المصير واختيارات الإنسان له”. بدوره يطرح شاعر المحكية سالم العالم أسماء عدة روايات قرأها مؤخرا ونالت إعجابه مثل “الفردوس على الضفة الأخرى”، لفارغاس يوسا، و”كافكا على الشاطئ”، لهاروكي ماروكي، و”ظل الريح”، لكارلوس زافون، و”الخلود” لميلان كونديرا، و”اللوح الأزرق” لجيلبرت سينويه، وغيرها من الروايات العالمية المترجمة إلى العربية. يقول العالم “لا يمكن التحدث عن أهمية رواية بعينها دوناً عن باقي الروايات، فلا أعتقد أنه يمكن لرواية واحدة أن تغنيك عن قراءة باقي الروايات. في المجمل اعتبر الرواية نافذة مفتوحة على عوالم جديدة لا تتاح لنا أحيانا معرفتها من خلال ممارسات حياتنا اليومية، خاصة وأن الروايات الحديثة أصبحت روايات معرفية ومليئة بمعلومات عن أماكن وأشخاص وأحداث كثيرة يهمني أحيانا الاطلاع عليها، كما أنها تساعد كثيرا على فهم النفس البشرية وتحليلها إضافة إلى ما تقدمه من متعة وترفيه، وتفتح المدارك اللغوية، وبالنسبة إلي كشاعر فإنها تساعدني في إثارة المخيلة الشعرية وتزيد من رصيدي اللغوي. لذلك أعتبرها شخصيا منهلا مهما ومفيدا”. بعيدا عن الكلاسيكية يحدثنا الناقد إبراهيم الحجري عن الرواية التي شدت انتباهه هذا العام، يقول “الرواية التي أثارتني هذه السنة وأثرت في نفسي بشكل كبير، رواية خولة حمدي ‘في قلبي أنثى عبرية‘، بأسلوبها الشيق، وكيفية تدشين سحرها على المتلقي بأسلوب سلس ولغة رقراقة ميسرة يستطيع القراء من كل المستويات التفاعل معها دون أدنى جهد، واضعة إياه في قلب تفاصيل مثيرة ومؤثرة، إذ اتخذت من موضوع تأثير المعتقد على التفاعل الإنساني، وانسجام النسق الثقافي بين الأفراد، مادة لروايتها، وقادتنا بدربة سردية إلى قلب المتاهة الإنسانية التي يجعل البشر أنفسهم وسطها ومعهم أناس آخرون باختلاقهم أفهاما معينة للدين، وجعله عائقا أمام التعايش، حتى في الأسرة الواحدة”. ويتابع ضيفنا قائلا “تتبعت الرواية مأزق الشخصيات نفسيا، وهي تواجه مصائر مأزومة بفعل اعتناقها ديانة مختلفة، وتصور الجحيم الذي يتقاذفها بفعل ذلك… رواية حقا تدمي القلب بتفاصيلها المذيبة للحديد. وقد نجحت في رسم صورة مأساة غياب التسامح بين الناس ومحاربة بعضهم بعضا بسبب مواقفهم ومبادئهم الشخصية التي لا تمس الآخرين أبدا وتعتبر في عداد الحريات الفردية التي لا دخل فيها للآخرين، هنا تتضح أكثر درامية كون الآخرين هم الجحيم بتعبير سارتر”. الشاعر سامي سعد قرأ روايات كثيرة متنوعة، منها رواية “أفواه الزمن”، لإدوارد جاليانو، وتكمن أهميتها من وجهة نظره في أنها لا تتبع النمط الكلاسيكي للرواية، ويضيف “الرواية مرتبطة كجديلة بضفيرة واحدة، وهي الروح الإنسانية، في مختلف تجلياتها وأحوالها، تركز على إعلاء قيم البساطة والبسطاء في شتى أصقاع الأرض، وعلى دعم الفئات المنسية التي على هامش الأحداث والمجتمعات”. استعادة المكان ترى الناقدة فاطمة الحاجي أن من أجمل الروايات الليبية التي قرأتها رغم تعددها، رواية “زرايب العبيد” للروائية نجوى بن شتوان، وأضافت “تتميز الرواية بموضوعها الجديد، وهي تزيل الستار عن حياة طبقة تسميها ‘العبيد‘ تعيش في مدينة بنغازي في فترة زمنية بعيدة. رغم أن الموضوع ليس مهما في الوقت الحالي لأن الزمن غير مفاهيمنا كليا حول موضوع الرقيق والعبيد وارتقى الإنسان في سلم إنسانيته من هذه الناحية فإن قدرة الكاتبة على تقديم آلام هذه الفئة ومعاناتها في قالب درامي مؤثر جعل منها رواية ممتعة ونحن نزيح ستار السنين لتظهر على المسرح شخصيات داستها أقدام الظلم، وهي تعيش في الأحياء النائية في زرايب وضيعة، والتفوق الطبقي الظالم. امتزجت الرواية بالخرافة والأغنية الشعبية والأمثال الشعبية مما أضفى الطابع المحلي على النص”. وتتابع ضيفتنا قائلة “العنوان هو الكلية الدلالية أو الصورة الأساسية أو الصورة المتكاملة التي يستحضرها المتلقي أثناء التفاعل مع جمالية النص والتداخل معه، فالصورة العنوانية قد تندرج ضمن علاقات بلاغية قائمة على المشابهة أو المجاورة أو الرؤيا، فيتجاوز العنوان مجازيا دلالات الفضاء النصي في صورة رمزية؛ فهو ليس لافتة للدخول إلى النص فقط ولكنه رمز للبؤس والعبودية ‘ماتت الزرايب وعاشت فينا بشكل آخر‘. وهي مكان متجدد من خلال حركة الشخصية التي تعود إلى مكان الزرايب الذي أزيل لتستعيده من خلال ذكرياتها. لقد استطاعت نجوى أن تختصر زمن الرواية في خلاصات كثفت المعنى وأوقفت الحكي في نقاط مهمة في سير الخطاب فخلقت إثارة لدى القارئ وتشويقا وهما سر إمتاع الرواية. لغة الرواية تتسم بالشعرية في مواطن وبالواقعية في مواطن أخرى وبجرأة على المسكوت عنه. رواية تستحق أكثر من قراءة لغرابة شخصياتها”. الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: السبت 17-12-2016 12:00 صباحا
الزوار: 1474 التعليقات: 0
|