عرار:

عمان - الرأي - قال أمين عام وزارة الثقافة بالوكالة د. أحمد راشد إنّ موضوع الإصلاح الثقافي في غاية الأهمية، لما للثقافة من أهمية ودور رئيس في بناء المجتمعات المعاصرة، فهي تمثل الركن الأهم والأساس في التنمية الشاملة والمستدامة بمفهومها الأعم والأشمل.

وأشار إلى أنّ الثقافة ليست ترفاً، وتشكل العامل الأهم في عملية التقدم الاجتماعي، وهي الوسيلة الفعالة لتطويره، وتكوين الشخصية الإنسانية، وتمثل الإدراك الإبداعي للعالم، وتعبر عن العقل البشري والنشاط الإنساني، والآراء والمواقف الفكرية، وهي وثيقة الصلة بحياة الفرد ونشاطه، وبجميع قضايا الوجود البشري.

وبين لـ»الرأي» أن الثقافة بمدلولها العام – هي أساس في كل جزئية من جزئيات حياة المجتمع، مستدركاً أن أساس التقدم الحضاري – هو التنمية الثقافية، وهي عنصر أساس مؤسس لكل جانب من جوانب الحياة: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والفكرية، لافتاً أن التنمية الشاملة والمستدامة ترتكز على الثقافة.

وأكد د. راشد أن تحقيق نهضة الأمم والشعوب ما كانت لتقوم بدون الثقافة التي كانت هي المؤسس لتلك النهضة. فأوروبا نهضت ووصلت إلى ما وصلت إليه اليوم بالثقافة، واليابان ما كان لها أن تخرج من عزلتها التي فرضتها على نفسها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بدون الثقافة.

الثقافة والتنمية

وشدد أنّ البعد الثقافي للتنمية يشكل علاقة جدلية بين الثقافة والتنمية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الفصل بينهما، وإدراك العلاقة بين الثقافة والتنمية جاء بعد دراسة تجارب الأمم والشعوب في مراحل التاريخ المتعاقبة، فكانت التنمية دائماً مرتبطة بالتطور الثقافي، وكانت الثقافة هي حافز التنمية.

وقال إننا ما نزال في واقعنا الثقافي ندور في حلقة شبه مُفرغة، ونعيش في حالة من التخبط؛ هي انعكاس للحالة العامة التي تعيشها الأقطار العربية كافة، فالكل سواء والحالة واحدة. فرغم كثرة الدراسات والأبحاث المُعمقّة التي درست الحالة الثقافية العربية، ورغم قرارات وتوصيات المؤتمرات الوزارية والملتقيات والندوات المختلفة، ما زلنا مقصرين في بناء قاعدة ثقافية ارتكازية، تكون منطلقًا نحو بناء مجتمع متقدم، قادر على الصمود ومواجهة تحديات العصر، بالرغم من الإمكانيات والمقومات التي نمتلكها.

داعياً إلى أننا إذا أردنا أن نخرج من الوضع المتردي الذي نعيش، والذي نعاني منه أشد المعاناة، علينا إعادة النظر بمنهج التنمية الشاملة والمستدامة، فهذا المنهج يجب أن ينطلق من الثقافة، فالوصول إلى المعرفة والوعي لن يتم دون ضمانات، فإذا ما استطعنا أن نوجد هذه الضمانات فسنصل إلى المعرفة والوعي، وهما سيوصلان إلى التطبيق العلمي لمحتواهما، أي، إلى التنمية، مبيناً أن الضمانات التي نتحدث عنها تتمثل بتمكين الفرد والمجتمع من الاستفادة من كافة الامكانات والمقومات المتوفرة، فهذه مرتكزات برأينا وحدة مترابطة ومتكاملة، فكل مرتكز فيها يؤسس للآخر ويرفع من شأنه سواء كان معنويًا (روحياً) أم ماديا.

وأكد د. راشد إن عملية الاصلاح الثقافي لا تختص بها جهة بعينها، بل هي عملية تكاملية، تشارك فيها مختلف القطاعات المجتمعية ، وهي تمر من خلال ثمان دوائر متتابعة ومتداخلة في آن معاً، تشكل بمجملها وحدة متكاملة للعملية الإصلاحية، وتتمثل في الفرد والأسرة والتربية والتعليم ودور العبادة والتعليم العالي ومؤسسات التوجيه الوطني: الرسمية، وشبه الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام.

الإصلاح الثقافي

وقال د. راشد إنّ خطوات الاصلاح الحقيقي في الشأن الثقافي، للوصول إلى وضع استراتيجية وطنية للثقافة، تنبع أولا من الإرادة الصادقة للإصلاح عند الفرد، والأسرة، والمؤسسة، فإذا ما وجدت، يمكن بعدها تذليل كافة الصعاب، مجملاً مبادئ ومنطلقات الإصلاح الثقافي، في انطلاقها من مبادئ ومرتكزات تنبع من هويتنا الثقافية والحضارية، ومن شخصيتنا الوطنية، في أنّ ثقافتنا: وطنية، عربية، إسلامية، إنسانية، وأنّ اللغة العربية تمثل هوية الأمة، وهي وعاء الوجدان القومي، وأداة المعرفة والتفكير، ورموز تجسيده، وهي ذاكرة الأمة، وأداة التواصل، وقِوام الشخصية، وأن الحفاظ عليها، والإعلاء من شأنها وتطويرها، يحفظ لثقافتنا الكرامة، ويرفع من شأن الأمة ورفعتها.

وأنّ ثقافتنا، ترتكز على عالمية رسالة الإسلام السمحة، التي تقوم على الأخذ والعطاء من الثقافات الإنسانية الأخرى، ترفض الاقصاء والتهميش والتشويه، وتؤكد أنّ الحضارة الإنسانية واحدة، تتسع لثقافات الأمم والشعوب مهما تعددت وتنوعت، وأنّ التعايش والتسامح والقبول بالآخر مطلب رئيس لتحقيق الأمن والسلم الإنساني.

كما تمثل حضارتنا العربية الإسلامية، بحسب د. راشد أنّ ركنا مؤسسا في الحضارة الإنسانية، ونشر رسالتها، وتأصيل تراثها في الفكر، والعلوم، والآداب، والفنون، وإبراز دور الأردن في مسيرتها، يشكل نهجاً في نشر فلسفة الأمة وقيمها.

وقال إنّ ثقافتنا تقوم على قوة الحُجة والبرهان، وترفض التطرف والمغالاة، والعنف في العقل والفكر والقلب واليد واللسان، و تقوم على ترسيخ مفهوم الحرية، والعدالة، والديمقراطية، والتنوع الثقافي، والقبول بالآخر، والتعددية، والالتزام بحقوق الإنسان، وحرية التعبير والرأي، لافتاً أنّ ثقافتنا الوطنية، تقوم على تعدد وتنوع النسيج الاجتماعي المُكَون للمجتمع، هذا النسيج المتشابك والمتداخل يشكل لوحة فسيفسائية إنسانية، قوامها الحفاظ على الخصوصية، والامتزاج المتناغم المبني على قبول الآخر واحترامه، وهذا التنوع يخلق مجتمعا غنيا ومتنوعا، يتسع فيه نطاق الخيارات المتاحة، وتتعزز فيه الطاقات البشرية، والقيم الإنسانية، وتشكل ركيزة للتنمية.

وبين أن آليات الإصلاح الثقافي تقوم على حماية اللغة العربية (هوية الأمة وقِوامها) من التهميش، يتطلب العناية والاهتمام بها من كافة القطاعات ودراسة تراث الأمة: الفكري، والعلمي، والأدبي، والفني، مشدداً أن دراسته وتحقيقه ونشره وتأصيله، تعتبر مهمة مقدسة منوطة بالباحثين وبأصحاب الاختصاص، وبالمؤسسات المعنية، فهذا التراث هو جزء من ذاكرة الأمة ومسيرتها الحضارية، يمكن البناء عليه لتدعيم حاضرنا، واستشراف مستقبلنا.

وإنّ التداول الحر للأفكار بما لا يتعارض من القيم الدينية والمجتمعية، وحرية الرأي والتعبير والإعلام، وتعدد وتنوع وسائل الإعلام، يُعد عاملا مهماً في أشكال التعبير، ويسهم في تمكين الأفراد والمجتمع من التعبير عن أفكارهم وقيمهم، وإنّ التنوع الثقافي بأشكاله المتعددة، يشكل تراثا مشتركا للبشرية، ينبغي المحافظة عليه وتعزيزه.

وأشار إلى أن التراث المادي وغير المادي يُعد منجزاً تاريخياً إبداعياً إنسانياً مشتركاً، يسهم في بناء المجتمع ونهضته، وإنّ الفنون بأنواعها وأشكالها: الدرامية، والأدائية، والتشكيلية، والموسيقية، رافد رئيس من روافد الثقافة والاقتصاد، وشكل من أشكال التعبير، وأن تعزيزها، ودعمها بأسباب التطور والتقدم، أمر لا غِنىً عنه في تحقيق التنمية الشاملة.

ثقافة الحوار

وقال د. راشد إنّ ثقافة الحوار، وحوار الثقافات بين أطراف المجتمع الواحد وداخله، وبين ثقافات المجتمعات الأخرى، يُكرس الوصول إلى التفاهم والتعاون، وبناء مجتمع إنساني خالٍ من أسباب الدمار والفوضى، يقوم على الثقة والاحترام المتبادل، وحفظ المصالح للجميع، وإنّ مؤسسات المجتمع المدني الثقافية بمجالاتها المتنوعة، هي أذرع وروافد ثقافية، ذات قيمة أدائية عالية، تمارس مسؤوليتها المجتمعية، وتسهم في تنمية الحركة الثقافية.

وقال إنّ التربية في الأسرة، هي ركن مؤسس في الثقافة، وأن نجاح تربية الفرد رهن بفهم العلاقة بين التربية والثقافة، وإنّ العملية التعليمية- التَعلُمية، تُعَد من أهم مُدخَلات ومُخرَجات الثقافة، كما إنّ التعليم العالي والبحث العلمي، يُعد عصب التقدم والتنمية، مشيراً إلى أن دور العبادة وبيوتها، هي ركن من أركان التربية والتعليم والثقافة، وهي لا تقل في أهميتها عن غيرها من أدوات التربية والثقافة، نظرا لدورها التاريخي والمعاصر في حياة المجتمعات، لذلك، فإن تأهيل وتدريب الوعاظ والخطباء، ورفع قدراتهم العلمية والمعرفية، ضرورة لتربية وبناء إنسان سليم، قويم الفكر والممارسة، يخدم الأمن والسِلم الاجتماعي.

الشباب والتحديات

ودعا إلى العناية بالطفل، وإعداده تربويا وثقافيا على أسس سليمة، لخلق جيل مسلح بالأخلاق والعلم والمعرفة، كما ركز على الشباب هم رأس المال الحقيقي للمجتمع، وهم القادرون على مواجهة التحديات في سبيل بناء المستقبل المنشود، الذي لا يمكن تحقيقه دون بناء الشباب المتوازن فكرياً وجسدياً، فهم وسيلة التنمية وغايتها، والمجتمعات لا تقاس قوتها بما تملكه من إمكانات مادية أو موارد اقتصادية فحسب، بل إن القوة الحقيقية المؤثرة هي القوة البشرية المتمثلة بجيل الشباب، لافتاً إنّ الظاهرة المعاصرة الأكثر خطورة التي تواجه الأمن الثقافي للمجتمع، هي العولمة الثقافية، المتمثلة بالسيطرة وفرض الهيمنة غير المرئية على العقل الإنساني. والمجتمعات لا تموت ولا تتلاشى إلا بخسارة قدرة أبنائها الفكرية، لأن تفريغ الأمة من مقومات وجودها الثقافي يفقدها مبرر وجودها، ويؤدي ذلك إلى خسارة هويتها الذاتية، لتتحول إلى مجهول تابع في المعادلة الجديدة. وحتى نستطيع أن نحافظ على أمننا الثقافي وتدعيمه، لا بد من استنهاض وسائل الحصانة الذاتية، وضمان الفاعلية اللغوية للأمة، وتفوق قدراتنا الإبداعية، ودعم صناعة القرار الثقافي القادر على عملية البناء والتنمية، والصمود في مواجهة تحديات العصر، ونبذ المظاهر الاجتماعية السلبية مثل: العنف، والتطرف، والثقافة الاستهلاكية التي تشوه العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمعات..

وختم أن الثقافة هي الجدار الأخير والمنيع للدفاع عن هوية الأمة، والحفاظ على مكتسباتها وخصوصيتها.. وأنها عِماد التنمية الشاملة والمستدامة.. وأنها البوابة الحقيقية الواسعة التي ندخل من خلالها، لنسهم في رفد بناء وتطور الحضارة الإنسانية.