عرار:

وكالات :قامت دائرة المكتبة الوطنية ضمن نشاطها الأسبوعي "كتاب الأسبوع" ندوة حول كتاب العلامة اللغوي "مذكرات حسن سعيد الكرمي.. في الحياة والثقافة العربية (1905-2007)" الصادر عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، ضمن منشورات منتدى الفكر العربي، وكتب مقدمته د. محمد ابوحمور، وقام بإعداده وتحريره ابنة الكرمي سهام، والباحث كايد مصطفى هاشم.
وجاء الكتاب الذي يحتوي على "239"، صفحة من القطع المتوسط على قسمين رئيسيين وهما:"المذكرات، وسيرة حسن الكرمي وآثاره في مرآة المفكرين والأدباء (كلمات وشهادات ودراسات)". 
رأى المشاركون في الندوة أن المذكرات هي سيرة إنسان مثقف ومفكر ومبدع فحياته هي كنز من التجارب والدروس والعبر، فالكرمي الذي يتحدث في مذكراته عن الحالة السياسية والاجتماعية التي عاشها الكرمي في فلسطين، يقدم للقارئ معلومات ومصادر نادرة تجمع بين التعليم في الكتاب إلى عنبر في دمشق إلى التعليم في فلسطين وانتقالا للتعليم العالي في لندن. 
من جهته رأى د. أبو حمور أن سيرة الكرمي التي تمتد عبر مئة وعامين هي سيرة نموذجية تمثل المفاهيم أصدق تمثيل من خلال محطات حياته ونشأته في فلسطين وانتقال عائلته ووالده العلامة الشيخ سعيد الكرمي الى دمشق في عهد أول دولة عربية مستقلة في العصر الحديث (1918-1920) بزعامة الأمير ثم الملك فيصل بن الحسين، وقد نجح  الكرمي وبجدارة في أن يحقق ذاته رغم صعوبات الاغتراب المكاني والنفسي. إن سيرة هذا الإنسان المثقف والمفكر والمبدع هي "كنز من التجارب والدروس والعبر التي تستحق أن نتحدث عنها مرارا" .
ابنة الكرمي سهام قالت: "إن والدها كتب مذكرات مخطوطة بخط يده واكتشفتها بعد وفاته وتبين انه خطها قبل وفاته بعشر سنين، وبعد قراءتها لليوميات وجدت فيها ما يستحق الاطلاع من أحداث وأفكار من تاريخ لتلك الأعوام التي قلة منا قد عهدها عن كثب كما عاشها حسن الكرمي".
وأشارت الكرمي إلى أن والدها تحدث في مذكراته كثيرا عن الحالة السياسية والاجتماعية التي عاشها وعمل فيها في فلسطين، عندما غادر فلسطين في العام 1948 إلى بريطانيا ليعمل في القسم العربي في الإذاعة البريطانية، هناك لمس الحالة من التشابه بين العاملين في ذلك المحيط الضيق الذي يضم افرادا من كافة الأقطار العربية.
قال كايد هاشم إن المذكرات تتحدث عن الحياة التي عاشها الكرمي والتي شهدت قرنا بأكمله، بكل تحولاته وأحداثه المصيرية في فلسطين والعالم العربي والعالم كله، حيث تنقل في أماكن متعددة وبين مجتمعات مختلفة شرقا وغربا من فلسطين إلى سورية فالاستقرار في لندن قبل أن يتقاعد من هيئة الإذاعة البريطانية ويختار عمان مستقرا أخيرا له كما عمل في مجالات التعليم والإعلام والثقافة.
ونوه هاشم إلى أن الكرمي بدأ في كتابة مذكراته قبل وفاته بعشرة أعوام أي انه كتبها حوالي عام 1997 وهو في نحو الثانية والتسعين من عمره وفي هذا السن المتقدم قد تغيب أشياء عن الذاكرة، وقد برهن الكرمي على قوة وتوقد تلك الذاكرة بإيراد الكثير من تفاصيل الوقائع وأسماء الأشخاص والأمكنة، وتتسم المذكرات بثلاثة خطوط رئيسة منها الخط السيري الحياتي المعتاد في الجوانب الشخصية والخط المتعلق بالأحداث العامة التي أثرت في مجريات حياته، والخط الذي يمثل السيرة العقلية للكرمي وتجربته الثقافية الممتدة ومواقفه الفكرية.
وخلص هاشم إلى أن الكرمي من خلال هذه المذكرات حقق عمليا فكرة "الاكتمال مع الذات" فاغتنى بفكره الحر وكان قارئا مدققا ناقدا متفكرا، لا يسلّم بما يقرأ وكانت كتب الفلسفة طريقه في النظر المنطقي إلى الحياة والثقافة ومشكلات الإنسان والمجتمع.
من جانبها رأت د. هند أبو الشعر أن مذكرات الكرمي عبارة عن ذكريات وليس مذكرات تقع في عشرة فصول قصيرة مدونة بشكل يومي، وتمثل عصارة لحياة الرجل استعادها في أيام حياته المتأخرة، فهي استرجاع من الذاكرة وليست من الورق، لافتة إلى أن التعليم الذي تلقاه الكرمي في تلك الحقبة يقدم صورة متسلسلة وذكية للتعليم في بلاد الشام مع أواخر العهد العثماني، فمذكرات تقدمه طالبا ومعلما، ومعلوماته من المصادر النادرة تجمع بين التعليم في الكتاب الى عنبر في دمشق الى التعليم في فلسطين وانتقالا للتعليم العالي في لندن. 
ورأت أبو الشعر في اختيار محور التعليم في عرض مذكرات الكرمي، مفتاحا لشخصيته، فهو رجل علم محب للرياضيات ومتخصص بالإحصاء التربوي، ولكنه مع ذلك المدرس الذي عمل بتدريس اللغة الانجليزية في أرقى المؤسسات التعليمية زمن الانتداب البريطاني في كل من القدس والرملة وهو كذلك  العاشق للعربية وقد خدمها بإخلاص في أعماله المعجمية الراقية.
ويذكر أن حسن سعيد الكرمي ( تموز (يوليو) 1905 - 5 أيار (مايو) 2007) كان أديباً وإعلامياً فلسطينياً مختصاً باللغة، ولد في مدينة طولكرم، وتلقى تعليمه الابتدائي في طولكرم ثم انتقل إلى دمشق وأكمل تعليمه الثانوي بعدها التحق بالكلية الإنجليزية في القدس العام 1925، عمل الكرمي مدرساً للغة الإنجليزية والرياضيات في مدينة الرملة ثم انتقل منها في العام 1934 ليدرس في الكلية العربية في القدس، وتخصص في جامعة لندن في أصول التربية والتعليم وعلم الإحصاء التربوي العام 1938/1937 وبعد عودته إلى القدس انتقل إلى إدارة المعارف الفلسطينية برتبة مساعد مفتش.
بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين العام 1948 التحق بالقسم العربي في هيئة الإذاعة البريطانية (راديو لندن) مراقباً للغة حتى عام 1968م، وخلال فترة عمله أعد سلسلة دروس لتعليم الإنجليزية في الراديو، أعد وقدم برنامجه المعروف في هيئة الإذاعة البريطانية برنامج "قول على قول"، واستمر في تقديمه ثلاثين عاماً متتالية ونشرت مواد هذا البرنامج في أكثر من ثلاثة عشر مجلداً.
من أهم مؤلفاته قاموس المنار "انجليزي/ عربي"، وسلسلة معاجم المغني ثنائية اللغة (إنجليزي/عربي)، (عربي/إنجليزي) وهي المغني الكبير والوسيط والوجيز، ومعجم عربي اسمه الهادي إلى لغة العرب، وترجم  الكثير من الكتب وله مقالات ومؤلفات في التربية وفي إصلاح المعجم العربي باللغتين الإنجليزية والعربية.