عرار:

كرمت لجنة المسرح والدراما في رابطة الكتاب الأردنيين، أول من أمس الروائي والقاص والمسرحي أمين عام وزارة الثقافة هزاع البراري، بمناسبة فوز نصه "زمن اليباب" بجائزة الهيئة العربية للمسرح، فئة النص الموجه للكبار، في مسابقة سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي للدورة التاسعة، والتي أقيمت في كانون الثاني (يناير) 2017، وتحدث في التكريم د. رزان ابراهيم التي قدمت قراءة نقدية للنص، وأداره مقرر لجنة المسرح والدراما الناقد المسرحي مجدي التل.
أستاذة النقد الأدبي الحديث في جامعة البترا د. رزان إبراهيم قالت إن "زمن اليباب" مسرحية تتناول الحياة بأعماقها كأنما تعالج حياة أخرى لا نعرفها، أو تبدو مستحيلة بالنسبة إلى الواقع، وتستحضر شيئا من عناصرها لتفككه وتعيد تركيبه من جديد، في إطار متخيل لا يبقي من حياة الإنسان إلا يقين الموت الذي يحاصره ماسحا كل سبيل لتفاخر الإنسان بإنسانيته، فالنص يظهر الإنسان بطلا للعجز والهوان في عالم مثقل بالذعر والخوف والعقم. ولا سبيل أمامه سوى الاستسلام لقبضة الموت مع إحساس قاس بالهزيمة وبلا جدوى العمر حين يستحيل القبض عليه.
ورأت إبراهيم أنه لا يمكن الحديث عن المسرحية بعيدا عن فضاء مكاني الذي يحضر ليكون جزءا لا يتجزأ من مكنونات الشخصيات فيها؛ فالمسرحية تبدأ بغرفة قصية لونها رمادي، وكل ما فيها يوحي بالفراغ والوحشة والحزن، لا أثاث فيها عدا كرسيين متقابلين وواحد في الوسط، وعلى الجدار المواجه للجمهور ثلاثة توابيت، وهناك نافذة مغلقة على جدار وصور لثلاثة شخوص على جدار آخر غيّب الغبار ملامحهم. وإن كانت فرح بطلة المسرحية قد عاشت ثلاث ميتات وكانت تسأل "هل أحيا حياة أم أحيا موتاً؟"، وإن كنا قد شهدناها تحفظ الجثث بالتجميد أو التعقيم، فمعنى هذا أنها كانت تريد للزمن أن يقف ولا يتحرك وتقحم نفسها في ما بدا لها توابيت أقل برودة ووحشة من قبر كبير بارد موحش تعيش فيه في الخارج.
تخاطب أمها:" دعيني أدخل .. أطرد شيئا من وحدتي وحزني"، علما أن الحجرة يتمرغ في كل ركن فيها تيه وضياع، وتسكنها رائحة التحلل والعفن المستوطنين في الفراغ كان لا بد أن تظهر معها أحداث المسرحية بلا بوصلة أو عقارب ساعة، بما يبدو منسجما وأفكار سوداء ثابتة؛ فالزمن "يموت .. هنا يموت كل شيء .. المكان ميت .. البشر ميتون .. الذكرى تضمحل .. تجف ثم تموت، لا زمن هنا ولا تفاصيل". فلا شمس إذن ولا اتجاهات وإنما وقت داكن يمر بالتوازي مع حركة تخريب تتناول الأحياء والأشياء، أما الفرد فيغدو لا محالة محكوما بحتمية انسحاق وانهزام تجره إليها كل قوى التدمير والهلاك في العالم.
رئيس الرابطة د. زياد أبو لبن قال إن تكريم علم من اعلام المسرح في الأردن، الروائي هزاع البراري، جاء لانجازه عددا من المسرحيات والروايات المهمة،  مشيرا إلى المكانة المرموقة التي يتمتع بها البراري بين الكتاب العرب أصحاب الشهرة الواسعة، فالتكريم من الرابطة يأتي في إطار تكريم المبدعين من الكتاب والمفكرين الأردنيين، الذين أسهموا إسهاما حقيقيا في الحركة الثقافية أردنيا وعربيا.
فيما اشار مقرر لجنة المسرح والدراما في رابطة الكتاب الزميل مجدي التل إلى أن النص المسرحي الإبداعي "زمن اليباب" الذي سطره زميلنا الأديب البراري ورغم ما يطرحه من أسئلة تنحو بعدا وجوديا وما يغالبه من جدلية الموت والحياة إلا انه يطلق صرخة ضمنية تعلي من قيمة الحياة، فهي في ثنايا النص كطائر الفينيق الذي ينبثق من الرماد ويعود محلقا".
في تصريح خاص لـ"الغد"، قال البراري "إن التكريم من رابطة الكتاب الأردنيين يشكل مكانة خاصة ووقعا مؤثرا في نفسي"، كون الرابطة هي بيت الكتاب والمنارة الثقافية العالية، فمن الجميل ان يكرم المبدع في بيته، وبين زملائه، مبينا أن التكريم هو خطوة تسجل للرابطة ولجنة الدراما فيها، وقد سبق وان تم تكريم الكثير من الزملاء المبدعين  في بيتهم بالرابطة وهذا يؤكد على الدور الريادي للرابطة التي تقوم بدعم المبدعين وتسليط الضوء على انجازاتهم المحلية والعربية.
ورأى البراري أن مثل هذه التكريمات التي تحصل في الرابطة توازي في أثرها الفوز بالجائزة نفسها لان الكاتب عندما ينال جائزة عربية ويحتفي بها خارج الوطن يبقى هذا الاحتفاء منقوصا ما لم يكتمل بتكريم الوطن ومؤسساته الثقافية بهذا المبدع او ذاك، وتقدم البراري بالشكر لرئيس الرابطة وأعضاء الهيئة فيها على هذه المبادرة الطيبة والشكر للدكتورة والناقدة رزان إبراهيم على ورقتها العميقة والشاملة التي قدمتها خلال التكريم.
وفي نهاية الحفل قدم كل من القاص مفلح العدوان، الشاعر الناقد د. راشد عيسى، والشاعر محمد سلام جميعان، والإعلامي والمعد اسعد خليفة إضاءات على تجربة الأديب هزاع البراري، ومداخلات اشارت إلى الهاجس الدائم في التعاطي مع ثيمة الموت في مختلف إبداعات البراري وما يحتمل نصه المسرحي الفائز "زمن اليباب" من قراءات متعددة تحفر في العمق الوجودي الإنساني، مشيدين بتميزه الإبداعي.