عرار:

الغد - قال الباحث حامد الدبابسة إن الفلسفة "الرشدية" لدى الفيلسوف العربي بن رشد الاندلسي شكلت حالة فريدة في الفكر العربي والعالمي، وقد تعرض للإهمال الشديد من قبل المسلمين عبر مئات السنين، في الوقت ذاته حظيت فلسفته باهتمام بالغ من قبل الفلسفة المدرسية في أوروبا طيلة أربعة قرون، وشكلت في مجملها مساهمة بالغة الأهمية في النهضة الفكرية الأوروبية
وأضاف الدبابسة في محاضرته التي ألقاها أول من أمس في مقر الجمعية الفلسفية الأردنية ضمن برنامجها الأسبوعي "ملتق الثلاثاء الفكري"، وأدارها أمين سر الجمعية الباحث مجدي ممدوح، أنه رغم العداء الذي واجهه ابن رشد من قبل رجال الدين، الا انه ساهم بشكل فاعل في هذه النهضة من خلال الوجه العقلاني الذي تميزت به هذه الفلسفة، رغم أنه فقيه وقاضٍ، مبينا أن ذلك يكمن في فهمه واهتمامه وتفسيره لفلسفة أرسطو، حتى أنه هاجم الفلسفة المشائية الإسلامية ممثلة بـ"ابن سينا"، بسبب من سوء الفهم الذي أدخلوه عليها في قضايا التوفيق بين ارسطو وأفلاطون وما بني عليه من القول بنظرية الفيض في الخلق والإيجاد.
ورأى الدباس أن ما يميز ابن رشد عن غيره أنه حاول بصورة مختلف بيان عدم التعارض أو التناقض بين الفلسفة والدين أو بين العقل والنقل، ما يتيح مجالاً لتقدم العلوم الإنسانية وبما لا يتعارض مع الدين وتعاليمه، ويترك مساحة للإنسان ليساهم في المعرفة والعلم، ومن هنا اعتبر أن مسألة السببية لا تتعارض مع الوحدانية التي ساندها بعدد من الأدلة كدليل العناية والدليل البرهاني ودليل الحركة ودليل العلة الفاعلة، وبذلك لا ينكر بحال أن الله هو الفاعل على الحقيقة ضمن سياق منطقي لوجود الأشياء، ويمكن فهمها باعتبار أن الله سبب وجود الأشياء ووجود الأشياء سبب العلم الإنساني.
واعتبر المحاضر أن المنحى العقلاني هو الذي أوقعه فريسة للاضطهاد، وفي أواخر حياته، وتم حرق كتبه، لكن تبين أن السبب مركب يقوم أساسه على الموقف السياسي الذي اتخذه منه أمير الموحدين، وإن لم يطل سوء الاضطهاد عليه إذ تم الرضا عنه، ولكن النتيجة الجوهرية أن كتبه الفلسفية اختفت من الثقافة العربية ولم تتواجد إلا من خلال الترجمات التي نقلت إليها بعد وفاته.
وخلص الدبإس إلى أن ابن رشد ظل مثار اهتمام خصومه وأنصاره، فهو يشكل لدى أنصاره منارة للعقلانية يمكن الاستفادة منها، في الوقت الذي يهاجمه خصومه لدرجة الحكم عليه بالكفر والزندقة، كل ذلك بسبب من عمق ما دعا إليه وجرأته في طرح أفكار وإيمانه بها، حيث انقطع طوال حياته كلها للعلم والمعرفة.