لانا سويدات تحاور مبدع على صفحات عرار في رمضان مع الشاعر والناقد السيد العيسوي من مصر
عرار:
هل ثمة طقوس إبداعية خاصة بك في شهر رمضان ؟ شهر رمضان له خصوصية لدي، ويكاد يفر الوحي منه احترامًا للوحي الأصلي وخصوصيته. ومن ثم أحاول أن أمزج بين الطقوس الإبداعية والروحية، حيث أحب أن أعرج على التأمل البلاغي والفني لبعض آيات القرآن، وهي هواية خاصة تتحول إلى بعض الكتابات التحليلية حول آيات القرآن الكريم من آن إلى آخر، لنتأمل مثلا قوله تعالي عن هذا الشهر الكريم "أيامًا معدودات" فيا له من تعبير بليغ إذا تأملناه، إنه يدل على قصر الشهر ومروره السريع، وأن الأيام تعد فيه عدًا سريعًا من آن لآخر. ويمكن أيضًا أن نجد معاني أخرى مضمرة، فالمتعبد الحقيقي يعد الأيام بخلافنا، يعدها بحرص ليعرف كم جنى وحصد وكم سيتبقى منها، لا لكي يعرف كم مر منها، بل لكي يعرف كم يتبقى. ومن هنا تأتي قيمة التنكير، إنه قد يدل على التعظيم هنا، بمعنى أنه كنز وهي فرصة علينا أن نغتنمها لجمع الحسنات، ومن ثم فهي ليست أي أيام. فالعد هنا له دلالات بلاغية عميقة، كل حسب نيته وشعوره الداخلي، ومن هنا تأتي رحابة النص القرآني، وكونه نصًا منفتحًا أمام عملية التلقي. ناهيك عن أن التعبير نفسه جاء مختزلا (كلمتين فحسب) تساوقًا مع مرور الشهر السريع وكأنه البرق في الحقيقة. وهكذا أحاول أن أمزج بين تذوق الشاعر وعمل الباحث ووجدان المسلم في مثل هذا النوع من التأمل والكتابة. والعون من الله.
* لشهر رمضان إيقاع مختلف ..كيف ترى اثره في حياتك ؟ - إيقاع الشهر الكريم له خصوصية ، يعلمنا الكثير من الأشياء؛ يعلمنا أن أحلى الأشياء تمر بسرعة، ويعلمنا أن الحياة لها إيقاع كوني يتجدد من آن إلى آخر، ويعلمنا التجدد، فهذا الشهر هو -دينيًّا- ربيع المؤمن، وهو – صحيًّا- الصيانة السنوية للجسد. وعلى كل هو إيقاع شعري بامتياز. فهو شاعر كل الشهور، لأنه يتميز بإيقاعه الخاص، ويستسر كثيرًا من المعاني الباطنة التي يصعب ترجمتها، وله بركة وخير عميمان مضمران في كثير من الأشياء، ولكن للأسف كثيرون منا ينسفون كل هذه المعاني ، ويحولونه إلى شهر شكلي خال من أي جوهر أو عمق وجداني أو روحي أو وجودي، مع أنه المعلم الروحي الأعظم من بين كل الشهور، وهو الزهرة الروحية التي تعبق بكل المعاني الجميلة
كيف تقضي انشغالاتك في رمضان وهل هناك برنامج تقليدي ؟ - أقضي شهر رمضان ما بين التأمل ومراجعة النفس ومحاولة صلة الرحم، وممارسة ما أستطيع من الصلوات وقراءة القرآن، بينما يقل النشاط الثقافي لدي في هذا الشهر الكريم، كثيرًا ما أدعى إلى أمسيات شعرية وندوات، ولكني أرى أن الشهر الكريم بمثابة اعتكاف روحي داخل الذات بصرف النظر عن الاعتكاف الشرعي المعروف، لا يليق الخروج منه إلا قليلا أو ما ندر، وأكتفي بالقيام ببعض الأنشطة بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي بصفتي المسؤول عن النشاط الثقافي به. حيث قمنا هذا العام على سبيل المثال بشيء من التجديد في شكل الندوات، فأقمنا ندوة جمعت بين الحكي والشعر والنقد والتواشيح ورقصة التنورة الشهيرة، بحيث حاولنا التنوع ومخاطبة الأسرة المصرية كبارًا وصغارًا، والحمد لله كانت التجربة ناجحة.
على صعيد الفعاليات والأنشطة كيف ترى الجانب الثقافي في رمضان؟ - تهتم الدولة هنا بمصر على إقامة فاعليات وأنشطة ثقافية وروحية عديدة في مساءات هذا الشهر الكريم. وهناك عاشقون لهذا النوع من الأنشطة والفاعليات، وعلى كل قد تكون نوعًا من الترويح وكسر روتين الحياة، وإذا كنت من المداومين على مشاهدة القنوات الفضائية فربما كانت هذه الفاعليات أفضل بكثير من الجلوس السلبي أمام الفضائيات. ومن العادات الجميلة التي أحرص عليها حضور فاعليات معرض فيصل السنوي للكتاب، حيث أحرص على اقتناء أهم الكتب التي تفيدني كشاعر أو كباحث وكذلك اصطحاب أسرتي للترويح ومشاهدة بعض فقرات الأطفال أو السماع لبعض التواشيح والأناشيد الدينية، وعادة ما يكون مستواها مرتفعا في هذا المعرض السنوي الممتاز. لا سيما أنه قريب من منزلي إلى حد كبير، لذا تكون سعادتي السنوية به كبيرًا. وآخر العادات التي أحرص عليها إبداعيًا في هذا الشهر الكريم كتابة الشعر الروحي المتصل بالروحانيات والذي أحاول أن أتفرد في كتابته من آن لآخر. ومن آخر ما كتبت في وصف جمال الله عز وجل: في مرتقى كل حرف منه مملكة... من الجمال، ولا حدٌّ عبرناهُ لا أنسَ لا جنَّ، بالعينين تدركه... ولا الشموس ولا الأقمار ترعاهُ ولا تسلني فإن الشعر أجمعه... طير من الوجد قيداه جناحـاهُ
السيد العيسوي شاعر وناقد، مدير الأنشطة الثقافية بمتحف أمير الشعراء أحمد شوقي