|
عرار:
في كل شهر، يتم نشر عشرات المقالات النقدية والقراءات الفوتوغرافية في الصحافة الأجنبية المتخصصة، وغير المتخصصة، سواء كان ذلك في المنشورات الورقية أو على الشبكة العنكبوتية. تتميز جميعها ودون استثناء بالمنهجية البحثية؛ التي تتكئ على المفاهيم الجمالية والفكرية الفلسفية، بالاضافة لتلك المفاهيم التي تتعلق بشكل مباشر بالمعطيات البصرية الفوتوغرافية للصور التي يتم تناولها، وبالخلفيات التاريخية لنشأة الفوتوغراف ومدارسه. لا أذكر بأنني قرأت مقالة واحدة عشوائية، أو مقالة محشوة باللَغو والادعاء المعرفي النقدي الفوتوغرافي. في كل مقالة، أستطيع أن ألمس الفائدة، وأن أجد فيها ما يمكن أن تضيفه لي معرفيا وجماليا، فثمة منهجيات نقدية فوتوغرافية مُؤثثة بالمعرفة والتجريب. في كل مقالة أوقن أكثر بأنه لا أحد يستطيع أن يقدم نفسه كناقد فوتوغرافي، أو حتى ككاتب لقراءات فوتوغرافية، دون أن يكون مسلحا برؤية منهجية للذي يريد قوله، ولما يريد أن يوصله للقارئ. ثمة احترام ونقد للذات، وثمة ثقافة نقدية وذائقة بصرية راسختين، لدى النقاد أو الذين يكتبون في الفوتوغراف؛ وحتى لدى القارئ والمتلقي، وهو تحديدا ما يشكل خط دفاع متين ضد مدعي الكتابة النقدية الفوتوغرافية أو مدعي الكتابة الاستقرائية للأعمال الفوتوغرافية. فذائقة القارئ والمتلقي؛ الذين يهتمون بالكتابات الفوتوغرافية وبفن الفوتوغراف، هي ذائقة مُؤسسة على تاريخ من قراءة الكتابات الفوتوغرافية الجادة والرصينة، ومؤسسة على ثقافة بصرية فوتوغرافية عفية لا تحتمل التزييف أو المجاملات، ما شكل لدى المتلقي واالقارئ وعيا فنيا وجماليا لا يمكن المساومة معه. بالاضافة لوعي القارئ والمتلقي، لا تجد في الغرب مصور أو مصورة، يطرب أو تطرب لقراءة كتابة هزيلة ومدعية عن أعمالهم، حتى لو كانت مليئة بالمديح، فهو أمر يعتبرونه اساءة لهم وليس احتفاء بأعمالهم! فلا يتمكن أي مدع للكتابة النقدية أن يجد سبيلا لنفسه من خلال الاطراء والمديح. ثمة وضوح في التعامل مع مثل هذه الكتابات، ودون مجاملة، ودون اقامة أية اعتبارات للعلاقات العامة والمصالح الشخصية الضيقة. سنوات طويلة والوسط الفوتوغرافي الفني والنقدي في الغرب؛ يعمل على تأسيس ثقافة فوتوغرافية واعية، سواء في الوسط المتخصص أو لدى المتلقي، ما جعله وسطا منيعا ومحصنا من مدعي الكتابة الفوتوغرافية الاستقرائية، أو الكتابة النقدية الفوتوغرافية، وهو ما يعني بالضرورة، وكنتيجة حتمية، تحصين الوسط الفوتوغرافي من مدعي التصوير. في بلادنا، ولسوء الحظ، لا نزال نتخبط في العتمة، نبحث فيها عن ملامح لمنهجية تلائم واقع الفوتوغراف العربي ومنظومته الأخلاقية والفكرية. ليس لدينا بعد ثقافة نقدية فوتوغرافية راسخة، ثمة قراءات صحافية فوتوغرافية ليس أكثر، وهي قراءات لها أهميتها في صفحات الثقافة والفنون، وفي اطار العمل الصحافي وتغطية الأنشطة الفوتوغرافية، أما النقد الفوتوغرافي بالمفهوم المنهجي النقدي الجمالي والفلسفي فهو غير موجود، ناهيك عن عدم وجود كتابات استقرائية حول التصوير الفوتوغرافي. لَم نقدم حتى اللحظة ما يمكن وصفه أكاديميا بالنقد الفوتوغرافي العربي، ولم نؤسس لقواعد نظريات نقدية فوتوغرافية نابعة من واقع الفوتوغراف العربي وحيثياته الثقافية والفنية والفكرية، وحتى الاجتماعية. فعلى الرغم من وجود كتابات حول الفوتوغراف منذ ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، في مصر والعراق والمغرب العربي، الا أنها لم تؤسس لمدارس نقدية فوتوغرافية عربية، ولكنها عملت فقط على توثيق الحراك الفوتوغرافي، وأرَّخت كذلك لنشأة الفوتوغراف في الوطن العربي، دون القيام بتحليل وتقييم وتشريح الأعمال الفوتوغرافية العربية نقديا. حيث أن التركيبة الاجتماعية العربية، ونسيج العلاقات وطبيعتها قد حالت دون وجود مثل هذا النقد. ثمة عوائق أخرى كثيرة تمنع تأسيس مثل هذا النقد الجاد والراسخ في مجتمعاتنا الفوتوغرافية العربية بشكل عام، وفي الأردن بشكل خاص، أهمها بأن المجاملات والمديح الفني اللذين يتكئان على العلاقات العامة، والمصالح الشخصية، تسيطران على جانب كبير من واقع ونسيج المجتمع الفوتوغرافي بمؤسساته وجمعياته وأفراده، إذ تقوم هذه الجمعيات والمؤسسات بتقديم بعض أفرادها كنقاد فوتوغرافيين فنيين، لأسباب تتعلق بالتكتلات والشللية وكسب الموالين، ودون أن يكون لديهم أدنى خلفية أو منجز في هذا المجال، ما يجعلهم يستسهلون الأمر وبالتالي يقدمون كتابات تتسم باللَغو الفوتوغرافي. يقومون باعادة مضغ عبارات ومصطلحات وقوانين، ووضعها في سياقات مرتبكة وفي غير مكانها. والأسوأ من ذلك، هو اخفاء الكتابة النقدية الهزيلة بلغة شاعرية مبتذلة وغير ضرورية، لا تنصف الصورة أو المصور، ولا تضيف أية قيمة تحليلية أو نقدية للمادة. من العوائق الأخرى التي تقف في طريق تأسيس وسط فوتوغرافي عفي من الناحيتين العملية والنقدية، هو أن ثمة مصورين ومصورات، والذين أصبحوا أكثر عددا في العصر الرقمي، غير معنيين باشكالية غياب النقد الجاد في الصحافة، وغير معنيين باشكالية الكتابة الهزيلة في الفوتوغراف في المواقع الألكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، وفي الكثير من الأحيان يكونون جزءا من الاشكالية، حيث أنه ليس لديهم أدنى مشكلة باستمراء المديح، حتى وان كانت تتناول أعمالهم بشكل يفتقر لأبسط أسس النقد والاستقراء، في صفحات الكترونية، تمنح الألقاب والعضويات والشهادات والدروع الرقمية الوهمية، وكذلك الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية للصور. على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي قدمت الفرصة للوصول للتجارب الفوتوغرافية الأخرى، والتي تتصف بالرصانة والاحترافية، ولكنها أصبحت كذلك مصدرا لتكريس الممارسات الرديئة فوتوغرافيا ونقديا، حيث تتفاقم فيها ترويج الرداءة الفوتوغرافية، وتضخم الأنا لدي مصورين ومصورات بلا منجز حقيقي، حين تنهال عبارات المديح والثناء على صورهم، والتي أقل ما يمكن وصفها بالعادية والمستهلكة. والحديث هنا ليس فقط حول مصورين هواة، بل بعض أولئك المصورين والمصورات يعملون في الساحة الفوتوغرافية منذ سنوات، ولكن دون تطوير للذات والرؤية الفنية الفوتوغرافية، الا ما منحتهم اياه التطورات الرقمية للكاميرات وبرامج المعالجة. لتأسيس بنية تحتية حقيقية، وتأسيس مجتمع فوتوغرافي عفي، يجب أن تتم الكثير من عمليات الهدم والتجريف، فلا أحد يقوم بالبناء فوق بناء متهالك ومهترئ، أو البناء فوق أساسات مختلة، فالفعل الأول في البناء في هذه الحالة هو الهدم. يقول الفيلسوف هيدجر « الهدم أمر ايجابي لأنه يكشف الزيف»، لذلك وفي سبيل التغيير وتحريك المياه الراكدة، لا بد من فعل واضح ومباشر، فالمجاملات ومديح الصور الرديئة والعادية، والتغاضي عن الخلل في الممارسات المؤسسية، والتغاضي عن السرقات الفنية والتزييف في السير الذاتية والمنجزات الفوتوغرافية، لاعتبارات اجتماعية وشخصية ومصلحية، هي من الأمور التي تجعل واقع الفوتوغراف أكثر سوءا، والتي تجعل واقع الفوتوغراف على ما هو عليه في الأردن، وفي الوطن العربي، وهو ما يمنع حتما محاولات التغيير والبناء. فوتوغرافي فلسطيني ـ أردني مقيم في بودابست جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-06-2017 10:25 مساء
الزوار: 1223 التعليقات: 0
|