|
عرار:
من المعروف، أن السيرة فن سردي يعرض قصة حياة كاملة، أو جزءًا من قصة حياة شخص ما، قد يكون الكاتب نفسه أو غيره. وهي فن يجمع بين الحقيقة والخيال بطريقة متوازنة، إذ لا يطغى أحدهما على الآخر. أما الشعر فهو فن موسيقي يعتمد على النغم والإيقاع، أو كما عرّفه قدامة بن جعفر(ت337ه) بأنه كلام موزون ومقفى ويحمل معنى. كما أنه يعتمد، في الغالب، على المبالغة والتهويل، والإغراق في الوصف والتصوير، ولا يهتم بالصدق الواقعي، أو بالحقيقة الموثقة؛ لأن ذلك يقتله. وقديمًا قال العرب: «أعذب الشعر أكذبه». هذا الافتراق بين طبيعة السيرة وطبيعة الشعر لا يعني أن الفنين منفصلان تمامًا ولا يلتقيان؛ ففي الواقع بينهما تقارب وتداخل مثل غيرهما من الفنون؛ فالفنون كلها تصدر عن ذات ذات مشاعر وأحاسيس وعواطف؛ فلا غرابة من أن تلتقي في عنصر أو أكثر من عناصر الوصف، أو السرد، أو النغم، أو الحوار، أو الصورة. وقد تنبه إلى التداخل بين الشعر، الذي يعتمد على الوصف وبين النثر الذي تقوم عليه السيرة، أبو حيان التوحيدي (ت414ه) في كتابه «الإمتاع والمؤانسة» عندما ذكر أنّ الشعر لا يختص وحده بالموسيقى والخيال، بل يشاركه فيهما النثر، ففي المنظوم، أي الشعر، نثر، والمنثور فيه نظم،» ولولا أنهما يستهمان هذا النعت لما ائتلفا ولا اختلفا». والتوحيدي لا يفاضل بين الشعر والنثر؛ فأحسن الكلام عنده ما رق لفظًا، ولطف معنى،» وقامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم». ما يهمنا من هذا الموقف لأبي حيان التوحيدي ما يتصل بالعلاقة بين السيرة الذاتية بوصفها فنًا نثريًّا بالدرجة الأولى وبين الشعر؛ إذ تتجلى هذه العلاقة في أن السيرة الذاتية قد توظف الشعر، وتستشهد به في مواقع كثيرة، وبخاصة إذا كان صاحب السيرة شاعرًا. كما نلاحظ هذا في سيرة ميخائيل نعيمة «سبعون». كما أن السيرة الذاتية وخصوصًا الأدبية تكثر في سرد أحداثها، في الغالب، من استخدام أهم خصائص الشعر، وهي: الخيال الجامح، والصور الفنية، والرموز، ومشاهد الحوار، مما يضفي عليها الجمال والروعة. كما في سيرة فدوى طوقان بجزأيها: «رحلة جبلية رحلة صعبة»، و»الرحلة الأصعب». وربما ساعد على تلك الشعرية كون مؤلفتها وبطلتها شاعرة. وإذا كانت السيرة الذاتية توظف الشعر وتستخدمه فإن الشعر بدوره قد يُقدم ملامح من حياة صاحبه على نحو ما نرى في شعر المعلقات، على سبيل المثال. وربما يتقصد الشاعر الاتكاء على تجاربه الذاتية في بناء قصائده. وخير مثال على ذلك ما فعله محمود درويش في عمله الشعري «لماذا تركت الحصان وحيداً» 1995، فالشاعر يتكئ في بناء عالمه على ما مرّ به من أحداث، وما عاناه من تجارب. ونلاحظ مثل هذا التداخل بين السيرذاتي والشعر في نصوص كثير من الشعراء المعاصرين. كما نجد أن بعض الشعراء يبتعدون عن كتابة الشعر حينًا، ويتجهون إلى إبداع كتابات ذاتية تتناول جوانب مختلفة من حيواتهم وتجاربهم باستخدام الوصف، والرموز، والصور الفنية، أي أنهم يمزجون بين الشعر والسرد، كما في كتاب « شجرة الليف « للشاعر محمد العامري، فالكتاب لفيف جميل من السيرة والشعر. على كل حال، فإن فن السيرة وفن الشعر فنّان لكل منهما عالمه وطرائق بنائه، وله جمالياته التي تميّزه عن غيره. ولا يعني هذا عدم إفادة أحدهما من الآخر، أو انفصال بعضهما عن بعض بالتمام والكمال، فالانفصال التام لا يكون بين الفنون ولا حتى بين الأشياء في الطبيعة، ولكنه قد يكون بين الإنسان وأخيه الإنسان جريدة الدستور الكاتب:
مراقبة التحرير والنشر بتاريخ: الجمعة 30-06-2017 10:47 مساء
الزوار: 976 التعليقات: 0
|