عرار:

أشرعت الأمسية الشعرية التي نظمها ملتقى إربد الثقافي، مساء السبت، إيقاعاتها السريعة أمام غيوم الحزن والألم وتسارع الحياة مقابل الاتكاء على الإرث الماضوي، في واحدة من الأمسيات التي ارتقى فيها الشاعران محمود فضيل التل وحسن البوريني إلى شرفات الشعر ليطّلا على نخبة من المهتمين بباقة من قصائدهما الجديدة والقديمة.

الأمسية نفسها التي قدّم لها الباحث د. خالد الشرايري بتنويعات نثرية وشعرية، وأكد فيها على حضور تجربة الشاعرين على مستويات المضمون والإيقاع والنظرة الشمولية لحركة الإنسان في زمن يضيق من جميع الجهات، استهلها الشاعر التل الذي قال في تقديمه لقراءاته، إن قصائد البوح والوجدان ما كان لها أن تقرأ في زمن ما، منوهاً بهذا الصدد أن قصيدة كتبها في خمسينيات القرن الماضي أخّرت ظهوره في مجال الشعر حتى ثمانينيات القرن الماضي.

القراءة الأولى التي قدمها الشاعر التل جاءت من ديوانه «تحت جنح الليل»، وهي قصيدته « سيرة السبعين» وقدّم فيها رؤية شاملة لباقة من محطات العمر، يقول فيها: « لماذا في سواد الليل تأتي كي تساءلني على من أغمضت عيناك ليلهما، سؤالك كم على ما فيه من معنى يعذبني، فإني لا أنام الليل، أسهر كي تساهرني، وأحفظ شعرك المغزول بالأحزان، كي ليلاً تسامرني».

وتابع صاحب ديوان « للحب سماء عالية» الصادر حديثاً عن الآن ناشرون وموزعون، قراءاته بقصيدة « يا ذيب»، وهي مستوحاة من قصيدة شعبية، يقول فيها: « يا ذيب كم مرّة ناديت من وجع، كانت ثلاثاً بها يا ذيب ونّاتُ»، تلاها بقصيدة جاء فيها « ليلى أحبك لا لوم ولا عتب، سبحان ربي بما يعطي وما يهب، فالحب ليلى حياة فيك أعشقها، ما مثل لوحتها فن ولا أدبُ، قد شاءك الله رمز الحسن آيته، قد شاء ما شاء يا ليلى فما العجب».

إلى ذلك قرأ الشاعر التل باقة من القصائد من ديوانه: « آخر الكلمات»، وقصيدة « على ضريح عرار التي عاين فيها جدلية الحياة، نهض في مفرداتها بأعباء كثيرة اتّصلت في بعدها الاستذكاري بواقع عرار وحياته وتمرده واتفرده.

من جانبه استهل الشاعر البوريني قراءاته لثلاث شجرات تين طاعنات كانت تطعم الطير والبشر، فجار عليها الجار، وحين رآها الشاعر على حالتها تلك بكى، فكانت قصيدته « تينة البلد الحزين»، وفيها يقول: « مارق من جال تينة جدّتي، يا تينة الحيّ المبارك، قد أثرت الآه في صدر الولد، منخورة من ساقها، والسوس أعلن وقته، فتهيأ الحطّاب غلا بالقواطع والزرد، كم صار تينك علقماً، وتعفّنت منك الطوالع للأبد، لا تُغضبوا روح العجوز بقبرها، فالتين والزيتون سرّ من تناهيد الأمد، ولتقرأوا سفر الخلود على بقايا تينة، قد أطعمت كلّ البلد».

وتابع صاحب ديوان « ما خلّفته الريح» الصادر حديثاً عن وزارة الثقافة، قراءاته بباقة من قصائده، من مثل: « في المقهى قافية تئن، شيئان ظلي والأنا، القصيدة العارية، ولغة الحياد»، وفي الأخيرة يقول:» لست معنياً بأنثى تسكب النيران فوق حريرها، وتمرّ كالأنسام برداً فوق لافحة الرصيف، تهزّ بالأنواء دلّا، وتغمر الأجواء فلّا، ثم تبدي صاخب العصيان بالقدّ النحيف».

وفي نهاية القراءات التي قدمها الشاعر البوريني قرأ باقة أخرى من القصائد، من مثل: « طار الهزيع، عراري الوجع، وهمس الراحلين»، وفي قصيدته الأخيرة يقول: « ستقصينا المراكب بعد حين صوب أرض ثانية، فلا تقم فوق الرمال قصيدة، سوف نتركها هناك، ولا تكلّم في ظلام الليل آية عابر، فكلّ من كانوا هنا، صاروا هناك».