ما يلفت الانتباه في مجموعة الشاعر نضال برقان» ذئب المضارع» (عمان: الأهلية، 2015م) أنها تقوم على ثلاثة أعمدة، وهي بمنزلة الأثافي، أي قطع الحجارة التي يوضع عليها القدر، كتلك التي ذكرها زهير بن أبي سلمى في معلقته:
أثافي سفعًا في معرس مرجل    
ونؤيًا كجذم الحوض لم يتثلم
وهذه الأعمدة هي: الحب، والشعر، والقلق. فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائد المجموعة من هذه الثلاثة مجتمعة، على تفاوت في اعتماد واحدة دون الأخرى. 
ولمعاينة هذه الأعمدة أختار ثلاث قصائد متنوعة الشكل من المجموعة: أولها قصيدة نثرية، وثانيها قصيدة تفعيلية، وثالثها قصيدة عمودية. القصيدة الأولى هي القصيدة التي جاءت في بداية المجموعة عنوانها «صور عائلية» وهي قصيدة تنبئ بعالم المجموعة الشعري، فتقدم ببساطة واضحة تجربة ذاتية تنطلق من الحديث عن صورة لبنات وصبي بين أبويهم. لعل ظهور الأبوين في طرفي الصورة ما يدل على الحب والحنان اللذين يخيمان على المشهد.
خمس بنات 
وصبي في وسط الصورة
في الطرف الأيمن كالمعتاد «رولا»
وأنا كالمعتاد كذلك في الطرف الأيسر. (ص17)  
ويتصدى الشعر لوصف هذا الحب الذي يلف الجميع في وحدة تامة؛ فيعرضه دون اهتمام بوزن، أو قافية، أو صور مجازية، بل باقتراب من الواقع، وابتعاد عن المعايير الشعرية التي عرفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، وبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة.
تلك قصيدتي الوحيدة 
التي كتبتها في دفتر العائلة 
من دون وزن
أو استعارة
أو مجاز (ص18)
ثم يبدو هذا الحب، الذي يغمر المكان ومن فيه عاجزًا عن إنقاذ الذات الشاعرة من قلقها وحيرتها إزاء ما تقوله من شعر، وما يتوثب في داخلها من خوف، وتبدو صورة الذئب المتعطش للضحية ملائمة لتصوير حالة الذات الراهنة. فكأن الحب مقرون بالقلق، والقلق يستدعي الشعر؛ وما الشعر إلا العواطف المتقدة. 
وأنا لا أمسك إلا خيط الحيرة
ثمة وزن يتكسر
ثمة إيقاع يتنفس
ثمة قافية في الأثناء
وذئب مجاز يبحث عن دمه بدمي (ص20)
القصيدة الثانية، قصيدة التفعيلة، وهي قصيدة «أيها الحب شكرًا». يلاحظ أنها تمجد الحب في عنوانها، وفي كلمتها الاستهلالية لتبرز دور الشعر في إحلال الحب المحل اللائق به. ويتكرر اسم الشخصية « رولا» المرتبطة بذات الشاعر كارتباط لويس أراغون الشاعر والروائي الفرنسي بزوجته إلزا؛ فالشاعر يكرر الاسم هنا متلذذا به:
 القصيدة ..
 أين تخبئ بستانها؟
يا «رولا»
كم أحب النداء عليك
فظلي هناك على حافة اسمك
مشغولة بصلاتك
وضاءة بحنينك
ماطرة في الصدى
كي أظل أنادي:
«رولا»
يا «رولا» (ص45-46)
ويسيطر الحب على فضاء القصيدة، عندما تعود الذات الشاعرة المتمثلة بشخصية الأب إلى البيت، ويستقبله الصغار بحفاوة، وتهرع إليه «رولا» بحنان ورقة. ومع هذا الفضاء العشقي الجميل تعود الذات إلى قلقها الوجودي، فتحس بالزمن إحساسًا شديدًا لا تتبين أسبابه على أرض الحقيقة.
الصغار بلا سبب كبروا يا «رولا»
بينما كنت أركض 
خلف سراب القصيدة 
في فلوات المجاز
ولما انكسرت
 رجعت
كأني كبرت بلا سبب (ص48)
أما القصيدة الثالثة الخليلية، التي نتبين فيها الحب والشعر والقلق فهي القصيدة التي عنوانها «عتمة وسؤال». إنها أقرب إلى قصائد العتاب الذي ينشب بين المحبين؛ وهو عتاب قاس يفجر الهموم، ويبعث الأسى والشكوى من انعدام الوصل. إنه عتاب لا تنجح الذات الشاعرة بما تملكه من بلاغة ومجاز في أن تحقق الوصل بينها وبين الآخر:
هو وصلكَ الكذاب يسكن بهجتي
 ويصول فيها سيفُكَ القتال 
فتطيش في ليل فقأت سماءه
آه.. ويعمى في الكلام وصال. (ص32)
من اللافت أن هذه الأعمدة الثلاثة لا يقتصر تجليها في المتن الشعري بل في عتبات العناوين الداخلية للقصائد؛ فمن العناوين التي تشير إلى الحب: «أغنية حب من أجل غزة»، و»أيها الحب: شكرًا». ومن العناوين التي تشير إلى الشعر: «في عجاج القوافي»، و»نافذة المتدارك»، و»متفاعلن»، و»القصيدة في سرها». ومن العناوين التي تحمل معاني القلق الوجودي عناوين: «الخسارة تربح» و»كرنفال الوحدة»، و»سماء قتلت نفسها».
ولا شك أن الأعمدة الثلاثة ساهمت في التخصيب والتحفيز الشعري، ونجحت في بناء الفضاء الشعري للمجموعة، وساهمت في إخفاء ما في تكرار بعض التعابير من وهن، مثل: من غير سوء، بلا غبش، بلا فم، وأغنت القصائد بما استدعته من صور ورموز عن استخدام التقنيات الشعرية المعاصرة، مثل: الأساطير، والاستحالية، والتعالقات النصية، ومن توظيف التراث، واستخدام الأقنعة الشعرية.
وفي النهاية يمكن القول: إن أعمدة الحب والقلق والشعر، وما يتصل بها من مشاعر إنسانية، وعواطف رقراقة، وأحاسيس جمالية قادرة على بث الحياة في النص، هذا ما أكدته مجموعة «ذئب المضارع» للشاعر نضال برقان.