خصوصاً والوزير يعيد النظر في الواقع الثقافي بمستجداته الموضوعية، مهتماً بالتقييم الشامل الذي يجترح من الحلول الثقافية والمقترحات ما يرقى بالعمل الثقافي الأردني ويحقق الطموح.
منطق الأمور يقول إنّ مشروعات وزارة الثقافة الكبيرة تحتاج مراجعةً وإعادة قراءة، لتبيّن مدى تحقيق هذه المشروعات أهدافها وعنايتها بفئاتها المستهدفة، وإذا كانت ألفين وسبعة عاماً للقياس فإن ألفين وأحد عشر هي سنة مواتية للمقارنة، وفي الفترة ما بينهما فإنه من الطبيعي أن تزامل نقاط القوّة نقاط ضعف، هي دليل صحّة على الإنجاز ومرحليّة أو مدى مشاريع الوزارة ومسارها الزمني، فمنها ما قد يكون استنفد غايته أو حقق هدفه أو ضاق أفقه، ويحتاج مع القراءة إلى تشريعات جديدة بشأنه، تؤكّد أو تصوّب أو تلغي على أكثر الأحوال.
المنوط بلجنة هذا المؤتمر الثقافي الشامل العليا أن تحدد الأسس والخطوط العريضة والمقترحات والأفكار، مثلما هو منوط بلجنته التحضيرية أن تقرأ بالتفصيل الدقيق كلّ مشروعات الوزارة وأن تكاشف بأنّ المشروع ليس مقدّساً أو منزلاً، إذ قد ينتابه الضعف أو العجز في ظل متغيرات مهمّة، من أهمها المورد المالي للوزارة الذي ينضاف إلى ميزانيّة مهما امتدت فإنها لا بدّ أن تظل محدودة.
عدا دراسة مشروعات الوزارة، فإنّ اقتراحات ليست بعيدةً عن الشأن الثقافي، أو هي من صميمه، أكّدها د.جرار، وحصلت (الرأي) على نسخة منها، وتتعلق بتشكيل هيئة أو لجنة لدراسة الوسائل الثقافية اللازمة لمواجهة العنف المجتمعي، بوصف مسؤوليات الوزارة تمتد لتدرس الوسائل الثقافية اللازمة لمواجهة هذه الظاهرة، ويكون ذلك بتحاور المتخصصين الخبراء في علوم الاجتماع والنفس والشريعة والأدب والتربية الدراما والإعلام، إضافةً لمشاركة الأمن العام كونه شريكاً فاعلاً لمنع أو الحد من ظاهرة العنف المجتمعي بكل صنوفه.
الخروج من إطار (النخبة) إلى جوارها المجتمعي، أمر تبنته رؤية الوزير، التي هي من منظورها الفلسفي تعمم الثقافة وتستفيد من مقدرة الثقافة على توجيه السلوك الوطني، وربما إعادة خلقه، فمثلما هي النخبة على تماس يومي مع أنشطة الوزارة، فإنّ المجتمع الأردني بأكمله يجب أن يكون على هذا التماس، حيث عدّ الوزير نسبة حضور الأنشطة من معايير نجاح العمل الثقافي، والمقصود بالحضور هو مدى جذب النشاط لفئته المثقفة والمتخصصة والعامّة، وهو هدف يحققه، كما جاء في الاجتماع، فهم النشاط الثقافي وإعادة النظر في آلية الدعوة لهذا النشاط أو ذاك، وإعادة تغيير الأماكن التقليدية التي تقام عليها فعاليات ثقافية معينة، أو الإضافة على هذه الأماكن، وإيلاء النوادي أو المنتديات الثقافية صاحبة الحضور أهميةً عند الاستعانة بالشركاء في الدعوة لحضور الفاعليات، ولا بدّ لذلك من اعتماد إستمارة ضمن معايير محددة عند إقامة أيّ نشاط ثقافي للحكم على هذا النشاط من واقع مؤشرات إحصائية تدل على أكثر من اتجاه رئيس ومتفرّع.
استحداث مديرية، أو حتى قسم، في وزارة الثقافة ، للعناية بترويج (تسويق) المنتج الثقافي الأردني، مُقترح مهم، اندرجت تحته اقتراحات بإقامة معرض دائم للوزارة يضم الصناعات الثقافية المتنوعة والمتميزة التي تم شراؤها من الجمعيات الثقافية، أو التي تشارك بها هذه الجمعيات مباشرةً حين تعرض منتجاتها. ينضاف إلى هذه الاقتراحات تسويق الصناعات الثقافية ضمن ألبومات توضع فيها صور المنتج الثقافي وتوزع على السفارات الاجنبية على سبيل المثال، والاستعانة بالمختصين من ذوي الخبرة في تسويق المنتج الثقافي وترويجه.
الحراك الثقافي الذي تعيشه الأردن في ما يقارب 400 هيئة ثقافية، تتبع قانون الجمعيات، وتعنى بالمنتج الثقافي، يحمّل وزارة الثقافة دعماً سنوياً مهماً، بمتوسط ألف دينار للهيئة الواحدة، وحين يتداول وزير الثقافة مفهوم الدعم، وأنه ليس لمجرد التقليد السنوي، فإنّ ضبطاً للدعم وتصحيحاً للتصور الرتيب، يعززه الفهم الصحيح لمنتج هذه الهيئات الثقافي، فكثير منها يتنصّل من كل فعل ثقافي عدا المطالبة بالدعم، وكثير منها ما يزال يستنسخ نشاطات الهيئات الأخرى الشبيهة، حتى مع اختلاف الأسماء أو التباين الطفيف فيها، ويبدو أن حرية أن يؤسس سبعة أشخاص جمعية أو هيئة ثقافية، أمر كفله القانون، وبتقديم هذه الهيئات الجديدة لنشاطها الثقافي فإنها تحمّل وزارة الثقافة نصيباً مفروضاً من الدعم كل عام، لكنّ التجربة والمشاهدة الإعلامية أظهرت أن كثيراً من هذه الهيئات لا يقدم ما هو مأمول منه أو يضيف إلى المكرور شيئاً، ومثال ذلك أن هيئات كثيرة في محافظة معينة تعتني بالسامر نشاطاً تراثيّاً يحتاج إلى الإضافة والتكامل بالتنوع. وإذا كانت مديرية الهيئات الثقافيّة تعتمد سياسة تشجيع الحراك الثقافي، فإنّ عليها أن تلغي هيئات أو تقدم إنذارات لها أو تستثنيها من الدعم لتستجيب هذه الهيئات للفعل الثقافي الذي أُنشئت من أجله. الأهم من الإقتراح هو تفعيله، حيث أن نماذج التقييم التي تتبعها مديريات الثقافة في المحافظات يجب أن تفعّل بتطبيق الإنذار و(إعدام الهيئة) أو حلّها، وهو مصطلح ينبغي أن يؤجج الفعل الثقافي ويجعله مثاراً للتنافس بين هذه الهيئات. كان الاقتراح أن تقوم مديرية الهيئات بتقييم الجمعيات الثقافية كل سنة عن طريق أنموذج أعدّته لهذا الغرض، فيما يتم تقييم الهيئات الثقافية في المحافظات عن طريق مدير ثقافة كل محافظة ضمن الأنموذج ذاته، الذي يُرفق معه تقرير خطي يؤيد الدعم أو عدمه، بوصفه أساساً قانونياً للدعم المالي يوضّح طبيعة العلاقة بين الوزارة والهيئات الثقافية.
تشاركيّة الوزارات في المشروع الوطني مهمة جداً، وتحفف من ضغط أو إلحاح الكلفة الماديّة لمشروعات وزارة الثقافة عند السير في تصورها على الواقع أو حتى عند التفكير بالإطار النظري للمشروع، وهي تشاركية تمّ تطبيقها ونجحت فيها الوزارة في التعاون مع جهات حكومية وخاصة في المشروع الثقافي بالتنسيق المشترك وتقسيم الأدوار أو تكاملها.
وفي تصوّر الاجتماع فإنّ موضوع (بيوتات رجالات الأردن في المحافظات) يستلزم أن تتجلى هذه التشاركية بتعاون وزارة الثقافة ووزارة التخطيط ووزارة التنمية السياسية ووزارة السياحة في هذه المشروع المهم؛ إذ لا بدّ من التعريف برجالات الدولة من خلال هذه البيوتات والعناية بها لتكون مَعلماً لطلاب العلم، تذكّر بالإنجازات. لكنّ المشكلة تكمن في أنّ هذه البيوتات لم تقدّم وقفاً لوزارة الثقافة، كما أن الوزارة لا تمتلك إمكانات ماديّة لشرائها عدا تنازع الورثة على بعضها، فهو مشروع وطني قيّم، مع أنه يفوق مقدّرات وطاقة الوزارة.
من اقتراحات الاجتماع أن تتم الاستفادة من مشروع مدن الثقافة لترميم وإحياء البيوتات الموجودة في مدينة الثقافة، لكن المعضلة أن متوسط ميزانية مدينة الثقافة يقل عن المليون دينار أو هو مليون في أحسن أحواله، واقتطاع مبلغ لترميم هذه البيوت واستصلاحها يجب أن يكون بمعرفة المبلغ النسبي المقتطع ومدى تأثيره على سير نشاطات مدينة الثقافة ومشروعاتها ذات الثقل.