في السودان ما ليس في غيره، ملتقى النيلين، جمال الطبيعة، الطيبة السودانية المتميزة، والثقافة العميقة، والشعر الذي يجري في الشوارع كما النيل، والبساطة في السلوك..
مشيت في أسواق الخرطوم ودار فور فلم أشاهد اثنين يتلاسنان، ولا صخب الشوارع كما في كثير من العواصم، لقد كانت المدينة على فطرتها، أسواقها العامة الشعبية توحي بالأمان والدفء، كثيرة المساجد، ومتنوعة الثقافة، وكثيرة المثقفين الذين وصل أن يتوزعوا إلى ثلاثة اتحادات كتاب، واحد حكومي، واثنان أهليان.
لهذا فإنه ليس من السهل على أي مثقف أن يمر بها دون أن يأخذ منها أثرا ويترك بها أثرا، حيث ينشط الحراك الثقافي ويتابعه المثقفون ويصغون إليه بعمق.
كما أن موقع السودان الجغرافي والحضاري الثقافي جعل السودان جسرا واصلا بين الثقافة العربية والثقافات الأفريقية المتنوعة، وقد أنشئ من هذا التواصل مجلس خاص هو مجلس الشباب العربي والأفريقي، يقيم سنويا مهرجانا شعريا من أهم الملتقيات الشعرية العربية، تحت مسمى «ملتقى الخرطوم الدولي للشعر العربي والإفريقي»، كان لي شرف الدعوة للمشاركة بنسخته الأولى، منعتني عنه ظروف قاسية، غير أني نلت الشرف مرة أخرى بالمشاركة في دورته الثانية، وقد شاركت به وفود من الدول العربية والأفريقية..  
إلى جانب هذا الملتقى يقيم المجلس جائزة سنوية تشمل أنواعا متعددة من الإبداع تحت مسمى «جائزة أفرابيا» وهي خاصة بالشباب العربي والأفريقي حتى سن الخامسة والثلاثين، وكان من الفائزين بها عن الشعر في الدورة السابقة الشاعر الأردني أحمد الأخرس، وقد انحصرت المشاركات بالآداب والفنون والعلوم والتكنولوجيا والعمل التطوعي والمبادرات النسائية.. 
أما ملتقى الخرطوم الدولي للشعر في دورته الثانية فقد كان عربيا وأفريقيا باذخا بإدارته وبرنامجه ووفوده، كشف به السودان عن جمالياته العالية وترك فينا ما يترك الأحبة من الغنى الثقافي والجمالي..       
وقد شرفتني إدارة الملتقى أن كلفتني بإلقاء كلمة الوفود العربية والأفريقية المشاركة بالملتقى الذي افتتحه فخامة نائب الرئيس السوداني عبد الرحمن الصادق المهدي بحضور وزير الثقافة السوداني الطيب حسن بدوي وأعضاء من السلك الدبلوماسي العربي والأفريقي، وأمين عام إدارة مجلس الشباب العربي والإفريقي عوض حسن ابراهيم ومدير بيت الشعر العربي في الخرطوم الدكتور الصديق عمر الصديق، ومنسق المهرجان الدكتور محمد شريف، وجمهور غفير من مثقفي السودان ورجالاتها.
وقد لاقت كلمتي ترحيبا حارا وارتياحا عميقا في نفوس الحضور والوفود المشاركة، حيث بينت في افتتاح كلمتي بأنني «لست الأفضل بين زملائي، فكلهم شعراء ومثقفون كبار، غير أن حظي الحسن قادني للوقوف على هذا المنبر الراقي، فكانت فرصتي أن أتقدم باسمي وزملائي المشاركين والضيوف بالشكر العميق من القلب إلى نائب الرئيس ومعالي وزير الثقافة والسلك الدبلوماسي والأمين العام لمجلس الشباب العربي والأفريقي وإلى ملتقى الخرطوم للشعر وإدارته ومنسق الملتقى..، والشكر الخاص إلى الحضور الكرام ولهذا التميز الحضاري الراقي.. وإلى السودان العظيم بشعبه ودولته وأمته على الدعوة الكريمة إلى هذا الملتقى الذي يؤدي دوره الثقافي والحضاري، أسوة بما تقدمه مهرجانات وملتقيات شعرية عربية كبرى، يحضر بيننا من رؤسائها وإدارييها الأفاضل ضيوف وشعراء يعون الدور الرئيسي المؤثر لهذه الملتقيات، ذلك الدور المتمثل بالمقاومة والتنمية الثقافية والاقتصاد والسياحة..
إن من أهم أدوار هذه المهرجانات والملتقيات الآن هو مقاومة التفتت الثقافي واللغوي، فهي تحافظ على وحدتنا اللغوية والثقافية، التي من أكبر تجلياتها المحافظة على وعائها التاريخي المتمثل بمفردات اللغة وأساليب تراكيبها التعبيرية في صياغة الجملة، لهذا فإننا نرى أن وحدتنا الثقافية خندقنا الأخير الذي يحافظ على شخصيتنا العروبية وثقافتنا الإسلامية التي تجمع مواطنينا برغم تعدد اتجاهاتنا الفكرية والدينية. 
كما أن هذه المهرجانات والملتقيات رافعة مهمة في تنمية الذائقة الفنية والجمالية وتطويرها لدي جماهيرنا، كما أنها تفتح لمواطنينا بابا واسعا للإطلاع على الثقافات الأخرى، كما تقدم لنا فرصة أن يطلع الآخرون على ثقافتنا بما ندعوه تبادل التأثر والتأثير».